نعم .. أنت غير!!
مع تطور النظم والتشريعات بحكم تطور صناعة بذاتها أو الحاجة لإيجاد تنظيم وبيئة قانونية صحيحة لضبطها بعدالة تزداد الحاجة للتكامل البيني لهذه التشريعات حتى يغدو التكامل بذاته متطلبا إلزاميا سابقا لكي تؤدي هذه النظم أهدافها وإلا انعكست النتائج لتصير عبئاً بل هدراً اقتصادياً. ولذا في أغلب الأحيان تضع الدول المتقدمة اقتصادياً في منظومة هذه التشريعات طرفا ثالثا يعمل إما على التحكيم أو المشاركة في القرار من واقع قواعد البيانات أو إيجاد آلية ما يسمى المقاصة. ولكيلا نبحر في النظرية كثيراً ولتقريب فهم ضرورة وجود الأطراف الثلاثة عادة في منظومة التشريعات وتطبيقها حري بنا أن نمثل على أهميتها من واقع الاقتصاد المحلي والتطورات في بنيته التشريعية مع تنامي تطور الأوجه والأنشطة الاقتصادية فيه. فالتأمين على المركبات الآن أصبح إلزامياً ولذا وضعت شركات التأمين محددات معروفة بناء عليها تقوم ببيع تلك البوليصة للأفراد على سياراتهم بعد استبدال مفهوم التأمين على الرخصة والذي جزء من أسباب استبداله التلاعب في حال حصول حادث وعدم التطبيق بشكل دقيق. وليس هذا هو مؤدى ما نطرحه اليوم بل إن الفكرة هنا الفرضية التي قامت عليها تسعيرة بوليصة التأمين تلك وذلك باعتبار كل من قاد المركبة تلك تقريباً هو بمحددات المخاطرة نفسها. وهذا فيه إجحاف من المنظور الاقتصادي، فالإنسان الذي يتعامل مع السيارة في القيادة بشكل متأن وحاذق لدرجة أنه ملتزم بكل الأنظمة المرورية وحريص على تطبيقها يختلف عن ذلك الآخر الذي لا يرعوي. ولذا في الدول المتقدمة هناك برنامج نقاط يطبق على المؤمَّن بناء على سيرته في القيادة. فالشخص الذي تسجل عليه مخالفات مرورية وتتفاوت بحسب مخاطرها أو من يصير له حادث وهو مرتكب لخطأ مروري ما يعامل بلا شك بتسعيرة مختلفة في التأمين عن ذلك المنضبط الحريص في قيادته. لذلك تجد الناس حرصاء على عدم ارتكاب مخالفة مرورية لأنهم يعرفون انعكاس ذلك سلباً على مقدار التأمين عليهم. ومثل ذلك التكامل في المؤسسات المالية على مستوى الأفراد في قضايا المديونيات وبطاقات الائتمان وغيرها، حيث لا يجب أن يعامل في تكاليف الاقتراض من لديه سجل حافل في السداد كمن هو العكس في عدمه. وقد بدأ على أي حال مثل ذلك في شركة «سمة» مع البنوك والتي سأخصص لها موضوعاً مفرداً لأهميته إن شاء الله. المحور هنا افتراض مساواة درجات المخاطرة في المستفيد سوء كان ذلك تأمينا أو اقتراضا أو غيره من المعاملات التي يجب أن تتباين القيم فيها بناء على تغير تلك الدرجات إذ إن أول أساسيات العلوم المالية التناسب الطردي بين المخاطرة والعائد أو «القيمة». وعلى سبيل المثال فقط كانت وما زالت البنوك مثلاً تحتسب رسوم البطاقات الائتمانية (ولا أعني الرسوم السنوية بل رسوم التمويل من البطاقة) أو في القروض الاستهلاكية تقريباً بشكل لا يتسق ومحددات المخاطرة للمقترضين. فضمان تحويل الراتب «خصوصاً» موظفي الدولة وبعض شركات القطاع الخاص يجب أن يكون شبه خالي المخاطر من عدم السداد، في حين أن احتساب الرسوم نظرياً لدى البنك لم يأخذ ذلك في الحسبان بالقدر الكافي ولذا فالربح مضمون علماً بأنه من المعلوم أن يكون هناك نسبة عدم سداد ولكن تبقى في حدود أدنى درجات المخاطرة. المهم هنا أن بيئة التنظيم لا تقتصر على مقدم الخدمة والمستفيد منها، بل إيجاد طرف ثالث يقوم على تخفيف التكاليف لمن يستحقها من واقع تاريخية تعاملاته.