أبحاث الطاقة العلمية والاقتصادية لتوجيه المسيرة

لقد اتجهت جميع الدول المتقدمة والصناعية إلى بسط نفوذ البحث العلمي في التطوير والتنمية حتى يتم وضع الأسس والنظم بشكل سليم، والتعرف على أهم المشكلات الممكن مصادفتها، ومن ثم التمكن من حلها بأبسط وأفضل وأسرع الطرق مع تحري تقنين المسيرة في هذا الاتجاه أو ذاك حسبما يكفل استمرارية استغلال الموارد بشكل صحيح فتستفيد من ذلك الأجيال المقبلة. ما يثير الاهتمام أن العلاقة بين فروع العلم تداخلت وتشابكت إلى أن تلاشت الحواجز فيما بينها ليكون التغيير في طبيعة دراسة القضايا المعاصرة جذريا، ويصبح إجراء الأبحاث والدراسات مبنيا على عدة ركائز لا بد من أخذها بعين الاعتبار عندما نقرر السير في هذا الاتجاه أو ذاك. كمثل على ذلك تناول مشكلة ارتفاع نسبة الكربون في الهواء أصبح يناقش اقتصاديا واجتماعيا وإداريا، إضافة إلى الناحية العلمية البحتة (كيماويا وحيويا). لذلك فإذا ما أردنا تناول قضية «الطاقة» فقطاعات عدة سيكون لها كلمة في كيفية الاستفادة والتطوير ما قد يؤدي إلى تغيير السياسات والإجراءات في عديد من الجهات حتى التعليمية منها.
«الطاقة» أوليت من قبل ولاة الأمر ــ يحفظهم الله ــ أهمية خاصة مستشرفين في ذلك المستقبل الزاهر للأجيال المقبلة. دورنا الآن كعلماء متخصصين ومفكرين وذوي رأي أن نوليها كل الاهتمام من حيث تكثيف الدراسات والأبحاث في التفكير في البدائل وتطوير التقنيات. إضافة إلى ذلك تكثيف الكتابة والتناول حتى نضع أمام المكلفين والمعنيين كل ما يساندهم في مسيرتهم وقد أولوا الثقة في ذلك. إن ما جعل الدول تتبنى عمل الدراسات المختلفة في استخدامات الطاقة وأنواعها والبحث عن البديل هو دخولها زمنا يكاد ينتهي بمأساة، فلم يجدوا سوى التفكير في البدائل. ولكن كوننا نملك مفاتيح أكثر للمستقبل البعيد فدخولنا عصر استخدام أنواع الطاقة المختلفة يحتم علينا ترجمة أماني ولاة الأمر بشكل علمي سليم، وأن تكون البداية مبنية على أساس متين ــ بإذن الله.
في البداية لا بد أن يكون لدينا قناعة تامة بأهمية البحث في مجال الطاقة وبالذات النووية مع أن هناك سابقين نشروا محليا ودوليا ما يساعد على تخطي المراحل الأولى من التأسيس بآلية مقبولة. إن الأهمية تكمن في إسهامها في: (1) خفض تكلفة إنتاج الطاقة، (2) خفض تكلفة إيصالها للمستفيد، (3) خفض استهلاك الطاقة، (4) خفض زمن البحث عن البدائل. هذا من الناحية الاقتصادية، أما من ناحية الأهمية البيئية فتتمثل في: (1) تقليص عوامل وعناصر التلوث البيئي بتفعيل برامج الطاقة الخضراء أو البديلة الأكثر سلامة. (2) خفض حدة التأثير في المناخ العالمي المتأثر حاليا بتغيرات مثل ارتفاع درجة الحرارة وزيادة الإشعاعات وغيرها من مؤثرات كونية. (3) زيادة المرونة والاعتمادية في التعامل مع أنظمة التشغيل والتوزيع المتطورة، (4) تقليص تأثير إنتاج وتوليد وتشغيل ونقل وتوزيع الطاقة على النظام البيئي وأسواق العالم الحيوية، تحسين تطبيقات السلامة ووسائل الوقاية من المخاطر (بالذات الطاقة النووية). هذا عدا النواحي المصيرية من حيث: (1) إيجاد قوى دولية جديدة لديها المعرفة في إنتاج واستخدام واستثمار أنواع الطاقة المختلفة تخفف من حدة الاحتكار القائمة حاليا في العالم. (2) تقليص الاعتماد على الغرب أو الشرق وتوسيع الاعتماد على الدور المحلي والجهود الذاتية على المديين القريب والبعيد. (3) التوسع في مشاريع التنمية المستدامة بأسلوب محلي ورؤية ثابتة طويلة المدى. (4) إيجاد وظائف وخلق فرص وظيفية في تخصصات جديدة تمكن من استيعاب نوعيات متميزة في دورة التطوير التنموي للمجتمعات. قد أستطرد في ذكر عديد من النقاط الايجابية المهمة، ولكن حري بنا أن نتذكر أن كل نقطة ذكرت مما سبق، وما يمكن أن يضاف إليها، هي عنوان لمجال بحثي كامل يمكن أن يشغل أعدادا كبيرة من رجالات وأبناء الوطن في جميع المستويات الإشرافية والتنظيمية بخلاف التعمق العلمي في التخصص.
لا شك أن هناك مراكز بحثية متميزة أنشئت لبحوث الطاقة في الجامعات وغيرها وكراسي علمية أسست لتناول بعض المواضيع المهمة فيها. كما أعتقد أن هناك توجها لزيادة الاهتمام بهذا المجال نظرا لتمتع المملكة، ولله الحمد، بمزايا متعددة تجعلها رائدة في علوم الطاقة. إلا أن من الضروري توجيه كل هذه الجهود لتكون تحت مظلة واحدة فتتناول دراسات أنواع الطاقة المختلفة ومدى الاستفادة من أي منها على مستوى المملكة في المجالات المختلفة. هذا من شأنه أيضا أن يمنع الازدواجية وتكرار الجهود وتحقيق استفادة أكبر يمكن أن تجنى إذا ما تم التعاون والتنسيق مع مراكز دولية متقدمة نشترك معها في الحاجة والتوجه والهدف.
إن دخول القطاع الخاص للمشاركة في المسؤولية وتنويع الاستثمار في مجال كهذا غدا مصدراً للتنافس وأداة للتمايز في كثير من الدول. السباق الآن في مضمار تعويض ما فات، هو لتحقيق التقدم الذي ننشده بأن نكون أصحاب مرجعية في (الإنتاج والتوليد والتوزيع والاستخدام)، وامتلاك مقومات الاستدامة في التنمية المحلية. هذا يجعل المساهمة في دعم النمو الاقتصادي في دعم الابتكار وتطوير الأساليب التقنية الحديثة عن طريق الأبحاث والدراسات العلمية. لذا فالتركيز على تحسين البيئات الاجتماعية والأكاديمية والاقتصادية من حول الفرد باحثا كان أو دارسا أم موظفا أو مسؤولا، سيعزز من ديناميكية الحركة التنموية بإجراءات بسيطة، وسيضع المملكة في مصاف أكثر الدول تقدما في مجال الطاقة، بإذن الله، والله المستعان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي