عندما تتحمل شركة الماء دورا في صقل الأجيال
استمرارا لسلسلة مقالات تجارب دولية في المسؤولية الاجتماعية للشركات، نستعرض في هذا المقال الدور الذي تبنته شركة الماء الويلزية Dwr Cymru Welsh Water، وهي من الشركات غير الهادفة للربح not-for-profit business. وهذا النوع من الشركات لا يعتمد على المساهمين، وتوفر الشركة خدمات المياه النقية والتصريف في مقاطعة ويلز لما يقارب ثلاثة ملايين مشترك، بطاقة بشرية مكونة من ثلاثة آلاف موظف، وتتجاوز الأرباح السنوية مبلغ 550 مليون جنيه استرليني. تهدف الشركة لتصبح ''أفضل شركة مياه في المملكة المتحدة في تقييم العملاء''، وتبنت برنامجا تعليميا بعنوان ''الحياة والتعلم مع الماء'' Living and Learning with Water.
تبنت الشركة هذا البرنامج للمساعدة على تحقيق الأهداف الاستراتيجية للشركة، ولتقديم خدمة مستديمة للمجتمع للتوعية بأهمية المياه والمحافظة عليها. يقول مدير الشركة السيد ريتشارد كورتيس عن هذا النوع من الأعمال ''إن الشركة خلقت نوعا من الشراكة مع المستفيدين من خدماتها، للمحافظة على البيئة التي تعد عاملا مؤثرا في أداء وربحية الشركة، كما تؤثر في العملاء والبيئة المحيطة أيضا''.
وقد تعهد المسؤولون عن الشركة لدعم التعليم البيئي كاستراتيجية للشركة، فبدأت منذ عام 1997 بفصل دراسي واحد يخدم 3500 طالب وطالبة. ثم تطور الحال حتى أصبحت تقيم خمسة فصول في أربعة مراكز مختلفة تقدم خدماتها سنويا لما يزيد على 12500 طالب وطالبة. تم تطوير البرنامج بالاعتماد على خبراء في البيئة والتعليم للوصول إلى الفئة المستهدفة في البرنامج من الطلبة الدارسين بالمراحل من 3 ـ 6 في التعليم العام، ودعمت مناهج الجغرافيا، والعلوم، والحساب واللغات، والوطنية بمعلومات ترسخ المحافظة على المياه.
ونظرا لنجاح هذه التجربة، قامت الشركة بتطوير استراتيجية تعليمية أخرى، في عام 2004, حيث قامت بتوزيع الإصدار التفاعلي الإلكتروني الأول لاستكشاف المياه عالميا Water world Explorers إلى ما يقارب 1693 مدرسة ليستفيد منه أكثر من 150 ألف طالب وطالبة في المناطق التي تخدمها الشركة. وفي عام 2005 كشفت الشركة النقاب عن الموقع الإلكتروني العيش والتعلم مع الماء – www.livingandlearningwithwater.com – ليقوم بخدمة أكبر شريحة ممكنة، ولتتم الاستفادة من التعليم الإلكتروني بالإنترنت، وكذلك لضمان توافر الوسائل التعليمية للجميع وفي كل الأوقات. كما قامت الشركة بعقد شراكات مع مجموعة من مراكز التعلم، والمتاحف لتوفير وسائلها التعليمية للزوار, التي تهدف إلى توعية الجيل الجديد بضرورة المحافظة على المياه.
لمعرفة ما جنته هذه الشركة من فوائد من تطبيق هذه الاستراتيجية، نشر مكتب خدمات المياه Ofwat إحصائيات تبين أن الشركة حققت نجاحا باهرا بين الشركات المنافسة، فمن ثاني أغلى فاتورة مياه في بريطانيا في عام 2001 أصبحت التكلفة متوسطة بين الشركات المنافسة، وصعدت في تقييم خدمات العملاء لتصبح أفضل شركة بدلا من المرتبة السابعة في عام 2001.
هذا البرنامج أفاد الشركة لتصبح من الشركات صديقة البيئة والمجتمع. كما أن هذا البرنامج قدم للشركة عديدا من الجوائز التقديرية للمبادرات المقدمة، فقد حققت الشركة المركز الأول في تقييم العملاء في مقاطعة ويلز لعام 2007, كما حققت الشركة ثلاث جوائز متعلقة بالبيئة و16 جائزة متعلقة بالتعليم منذ اتباع استراتيجية الشركة. في المقابل انخفض عدد الشكاوى المقدمة من العملاء والمتعلقة بسوء الخدمة نتيجة لزيادة الوعي لدى العملاء. وأصبح توفير مستقبل مستقر من أهم مخططات الشركة الضمنية، من خلال التوعية بالدورة الطبيعية لتكون المياه وترسيخ قيم المحافظة على هذا المصدر لدى النشء بمصادر التعلم المناسبة لهم.
كيف يمكن اعتبار هذا العمل جزءا من المسؤولية الاجتماعية للشركة؟
تقوم فلسفة هذا النوع من الشركات على إفادة وتطوير المجتمع، وهذه إحدى ركائز المسؤولية الاجتماعية للشركة, فالشركة تقدم إضافة إلى منتجها الرئيس برنامج التعليم المجاني الذي يرتبط بشكل مباشر باستراتيجية الشركة المراد تحقيقها. هذا البرنامج يقدم خدماته أيضا للقطاع التعليمي لإكساب المهارات للأجيال للمحافظة على المياه ما يرسخ الوعي بأهمية هذا المصدر الطبيعي.
كيف نستفيد من هذه التجربة في مجتمعنا؟
هناك عديد من القطاعات التي تقدم خدمات أساسية للمجتمع، مثل المياه والكهرباء، والطرق والسياحة والرياضة وغيرها، تستطيع الاستفادة من برامج مماثلة للمساهمة في تنمية وتنشئة الأجيال الصاعدة للمحافظة على الموارد الطبيعية والنظافة والأخلاق الحميدة، من خلال توفير وسائل تعليمية ومعارض مستمرة، ومشاركة في توفير بعض المناشط اللاصفية بهدف تنمية الأجيال القادمة بما يحقق الاستراتيجيات التي تسعى الشركات والقطاعات الرسمية إلى تحقيقها.