رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


جامعاتنا بين المحافظة على الواقع وتأزيمه

في بحث اطلعت عليه في موقع التعليم العربي الإلكتروني بعنوان ''التعليم في الوطن العربي أمام التحديات التكنولوجية'', استوقفتني هذه العبارة التي تقول ''إن الإسراف في التعليم يقتل الرغبة في التعلم''، نعم فالإسراف مذموم كما التقتير سواء بسواء وخير الأمور أوسطها، وإذا كان الإسراف في القسوة والعنف والإسراف في التدليل والتلطف كلاهما انحراف في تربية النشء والشباب, فإن الإسراف في التعليم والإسراف في التعلم كلاهما انحراف في تعليم النشء والشباب.
ولا شك أن واقع تعليمنا العام والعالي يقول إننا مسرفون في التعليم بصورة قتلنا بها الرغبة في التعلم, بل إننا قتلنا ـ حسب اعتقادي ـ قدرة ومهارة النشء والشباب السعودي على التعلم, الأمر الذي جعلنا نعاني من موارد بشرية وطنية ألفت الخمول والكسل، ولم تعتد بذل الجهد سوى القليل لتحقق ما تتمناه, رغم أنها تدرك أن نيل المطالب ليس بالتمني لكن لا حيلة لها لأنها مخرج تعليم يهمل البحث ويرخي العقل ويقتل الفكر ولا يحث الطالب لبذل أي جهد مقصود لتطوير معارفه أو معلوماته بالتعلم الذاتي من خلال البحث والقراءة والاطلاع والمتابعة والربط والتحليل والتشخيص المنهجي.
أحد ملاك الشركات في القطاع الخاص يقول لي لاحظت أن معظم الموظفين يتغيبون عن العمل في اليوم الذي يلي اليوم الذي أكلفهم فيه بالبحث في موضوع أو قضية أو مشكلة معينة للوصول إلى رأي بشأنه، ومن ثم عرضه في مذكرة لتوظفيه في حل مشكلة أو اتخاذ قرار, وعلمت فيما بعد أن السبب يعود لضعف قدراتهم في البحث والتحليل والتشخيص وإبداء الرأي وإن كانوا يحملون مؤهلات جامعية, ذلك أنهم لم يمارسوا التعلم، حيث اعتادوا على المعلومات الجاهزة التي يمليها عليهم المدرس في التعليم العام أو الدكتور في الجامعة، وما عليهم سوى الحفظ والتمرن على إجابة الأسئلة المحتملة، أما البحث فذاك أمر نادر وإذا كان فهناك البحوث الجاهزة مغلفة للبيع والدكتور يحولها إلى سلة المهملات بعد رصد الدرجة, فلا وقت لديه لقراءتها إن لم يكن هو الآخر ضعيفا أيضا في عالم البحوث.
وأقول أما وإن التعليم العام يدور في حلقة مفرغة منذ أكثر من ثلاث سنوات مضت من عمر برنامج الملك عبد الله لتطوير مرفق التعليم ولا بارقة أمل تلوح في الأفق ليوازن بين التعليم والتعلم رغم الثورة الإلكترونية التي تسهل إيجاد هذه الموازنة بأسرع وقت ممكن، أقول أما وإن الأمر كذلك فإنني أرغب في توجيه مقالتي هذه للقائمين على التعليم العام الذي خطا خطوات كبيرة وجبارة في التطوير المادي للجامعات وتطوير قدراتها الاستيعابية ويجري العمل على تطوير قدراتها التعليمية والبحثية بشكل حثيث ومبشر بخير كبير واختصار للزمن.
وأعتقد أن أول ما يجب تطويره في جامعاتنا لتخريج موارد بشرية قادرة على التعلم هو الدكتور بتخليصه بداية من عقلية الديكتاتور لنجنب طلبتنا ومجتمعنا آثارها السلبية، حيث يتخرج الطالب ضحية الدكتور الديكتاتور بعقلية جلاده، ومن ثم نطور فهم الدكتور لأصول التعليم والتعلم وأساليب التقييم المناسبة, ذلك أن الدكتور عندما حصل على شهادة الدكتوراه لم يتلق تدريباً على التدريس بتاتا, ما يجعله مجتهدا دون خلفية عملية في التربية والتعليم لشباب هو في عمر المراهقة التي لا يعي أكثر مدرسي الجامعات أعراضها وآثارها وكيفية التعامل مع الشباب الذين يمرون بها كمرحلة عمرية يكتنفها كثير من التغيرات الفسيولوجية.
أيضا أعتقد أنه يجب تغيير قناعة الدكتور الجامعي بأن عصر تقديم المعرفة الجاهزة وتكديس المعلومات في أدمغة وأذهان الطلبة قد ولى, وأن التعليم يجب أن يستثير رغبةً للتعلم ويطور القدرة على مواصلة التعلم والإقبال عليه إذ أصبح التعليم المستمر ضرورياً بصورة حاسمة في مستقبل الطالب الشخصي والعملي وفي مستقبل التنمية الاقتصادية، كما يجب إقناعه أيضا بأن عصر العمل الفردي قد ولي وأن العمل الجماعي المتكامل والمتناسق والمنهجي القائم على الفكر الإبداعي هو السبيل للنهضة ببلادنا لتكون في مصاف الدول المتقدمة, ذلك أننا في حاجة لتحويل بلادنا من بلاد يسود فيها الفكر والقرار الفردي على جميع المستويات الإدارية والعلمية إلى بلاد يسود فيها الفكر والقرار المؤسساتي المدعوم بخزانات التفكير الوطنية ذات المعارف العميقة والخبرات المتراكمة والقدرات والمهارات التحليلية والتشخيصية والذهنية.
كلنا يدرك أننا نعاني اليوم من تعليم يحافظ على واقعنا رغم أنه واقع متغير لا يمكن التعامل معه إلا بعقلية تأزيم الواقع للانتقال منه كواقع لا يتناسب والتغيرات إلى واقع أفضل يجعلنا أكثر قدرة على الاستجابة السريعة للمتغيرات إن لم نكن صانعيها, وهو أمر لا يكون إلا من خلال تفعيل جانب التعلم من خلال نظم تعلم تواكب تلك التي في الدول المتقدمة التي تركز على المهارات الفنية والاتصالية والذهنية والاجتماعية على الدرجة نفسها من الأهمية.
هل نرى جامعاتنا تمكن طلابها من التزود بالمعرفة والعلوم المتقدمة، وأساليب البحث والاستكشاف العلمي وتعزز اتجاهاتهم ومهاراتهم للتعلم الذاتي لنصل إلى مجتمع دائم التعلّم قادر على تأزيم الواقع للوصول إلى ما هو أفضل منه من خلال الإبداع والابتكار والتفكير المنهجي وتطبيقاته العملية؟ أعتقد أن ذلك أمر ليس بعيدا في ظل توجهات حكومتنا الرشيدة وجهود وزارة التعليم العالي ولكن المعضلة تبقى في زمن الإنجاز في عالم أصبح فيه الوقت موردا حاسما في عمليات التنمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي