صراعات الانفتاح العقلي
ما شدني ولفت انتباهي ودفعني للكتابة هو أن البعض ساء بالتحلي بصفة الانفتاح العقلي، وأيضاً المفهوم العكسي لبعض شبابنا لهذه الكلمة.
Open Minded ينبغي أن نعرف تماماً أن مفهوم الانفتاح العقلي ليس في طريقة اللبس أو وجود صفحات لنا في الإنترنت تحتوي على صورنا الخاصة أو شيء له علاقة بكماليات وشكليات الحياة، خاصة أن البعض فسر أن الشخص المنفتح عقلياً هو من رمى بالقيم النبيلة والأخلاق الأصيلة والإسلامية خلف ظهره, ولو تأملنا قليلاً فإن هذا المفهوم صدر من الغرب الذي يملك جميع أنواع الحرية المختلفة، وبالرغم من ذلك فالغربيون ليسوا كلهم منفتحين عقلياً, ولو ترجمنا المفهوم للغة العربية فسيكون معناه «منفتحا ذهنياً» أو بمعنى آخر «متسع الأفق». الشخص المنفتح عقلياً أو متسع الأفق هو الشخص الذي يتميز بطول النظر وقدرته على رؤية البعيد وتحرير العقل والتفكير من التحيز والتشدد والتعصب والتمييز ومن القيود التي أحياناً قد تفرض سلوكا خاطئا، وأهم ميزات المنفتح عقلياً احترامه حرية الآخرين والإصغاء للآراء حتى وإن تعارضت لفكرته و رأيه.
السؤال الذي يدور في ذهني وأحمل همه في داخلي الآن: كيف نكون متسعي الأفق دون انحلال أو اختلال؟
من المتعارف عليه بأن كل شي له حدود وعلى حسب طبيعة الشيء توضع حدوده، والحرية دون حدود كالوجه دون برواز إذ لا قيمة للحرية بلا حدود تعلمنا منذ الصغر أن نتأمل قبضة أيدينا لنعرف حجم قلوبنا، قلبنا هو أساس حياتنا بنبضه وبتوقف ذلك النبض فإننا سوف نودع الحياة وما فيها, وهذه المساحة بالرغم من صغرها فأنها تحمل كل عواطفنا (من حب ومودة واحترام وتسامح ، وكره وحقد وغيرة) قال سيد البشر صلى الله عليه وسلم» إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب أي أن القلب والجسد متصلان ملازمان لبعضهما، فصلاح القلب بصلاح الجسد والعكس وكي نكون منفتحين عقلياً يجب أن نكون متسامحين ولا نحمل في داخلنا أي حقد أو كراهية على أحد، ويجب أن نبتعد عن التصنيف والتمييز القبلي والمناطقي والإقليمي.
إن الاعتزاز بالهوية والافتخار باللغة جزء لا يتجزأ من الانفتاح العقلي, وأن قيم العولمة الجديدة التي فرضت على العالم أن يكون قرية واحدة يجب أن تفرض علينا أن نكون أصدقاء نتحلى بقيم الإيجابية وقبول الآخر والسعي الحثيث إلى تحقيق السلام والمصالحة في داخل نفوسنا أولا ومع الآخرين, لقد كانت ومازالت الثقافة الإسلامية الأصيلة خير شاهد على الانفتاح العقلي وقد تقبل الرسول عليه الصلاة والسلام جاره اليهودي ولم يمتنع عن زيارته بل وتقبل إيذاء الآخرين له ولم يبادلهم السيئة بالسيئة, وقد وضع أسس وقوانين الانفتاح العقلي منذ أكثر من ألف و400 سنة بعيداً عن التطرف اليساري أو اليميني، وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن المضطربين في شخصياتهم أو المرضي في نفسيتهم أو المختلين في عقولهم أنهم سوف يفرضون علينا قوانين التعصب والتشدد ولن نسمح بأن يفرضوا علينا أيضاً قوانين الانفتاح والانحلال كما يفهمونها هم.
خلاصة ما أريد قوله: إن الانفتاح العقلي ببساطة هو التسامح وقبول الآخر والمحافظة على الهوية واللغة، وتوظيف الإبداع الخلاق في التنمية والإنتاج.