رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


دول أوروبية تُحاول التخلص من الطاقة النووية

يدور في هذه الأيام جدل حاد داخل الحكومة الألمانية حول ضرورة التخلص من مصادر توليد الطاقة النووية خلال مدة أقصاها عشرة أعوام، أي قبل نهاية عام 2020، واستبدالها بمصادر مُتجددة. ولدى ألمانيا الآن 19 مرفقاً نوويا لإنتاج الطاقة الكهربائية، تُغذِّي 30 في المائة من مُتطلبات ألمانيا الكهربائية، وذلك بعد 32 عاماً من الخدمة بالنسبة لأول مُفاعل تم استخدامه هناك. http://www.nytimes.com/2009/05/29/business/energy-environment/29nuke.html
ونحن نتحدث اليوم في دول الخليج عن القيام بدراسات جدوى أولية من أجل التعاقد مع شركات أجنبية لإنشاء مرافق نووية لتوليد الكهرباء، وذلك لتخفيف العبء عن ثروتنا النفطية التي نستهلك منها محليا كميات كبيرة. وذكرنا في مقالات سابقة أن إنشاء مرافق توليد الطاقة النووية غير مُجدٍ في دول الخليج العربي إذا ما أخذنا في الاعتبار المُتغيرات الاقتصادية التي تُعانيها الدول الأكثر تقدماً أثناء بناء تلك المُنشآت، وكذلك المستقبل المجهول الذي ينتظر الوقود النووي خلال العقود المقبلة، إلى جانب ضعف إمكاناتنا الفنية والتقنية التي تحتاج إليها المرافق النووية. وموجب التطرق إلى هذا الموضوع مرة ثانية هو ما لفت نظري من تصريح لأحد المسؤولين في شركة الكهرباء حول ما كان قد نُشر في إحدى صفحات الاقتصاد من صحيفة ''اليوم'' في 23 ربيع الآخر. فقد كان المسؤول يستعرض مدى حاجة الشركة خلال السنوات المقبلة إلى زيادة إنتاج الطاقة الكهربائية وسعي المملكة إلى استخدام مزيد من النفط الخام لتوليد الكهرباء، نظراً لعدم توافر الكميات اللازمة من الغاز. وهذه في حد ذاتها توجب التساؤل، لأن معنى ذلك أن هناك فرضية (غير منطقية) تُحدِّد قيمة مُتدنية جداً لبرميل النفط الذي يُباع في السوق النفطية بأكثر من 80 دولاراً! أما فيما يختص بموضوعنا، فقد أضاف في تصريحه ''إن المملكة تُجري بالتعاون مع دول خليجية أخرى دراسة جدوى حول الطاقة النووية''. ولم يتطرق لا من قريب ولا بعيد إلى إمكانية توليد الطاقة الكهربائية من مصادر أخرى مُتوافرة لدينا وأكثر ملاءمة لبيئتنا ومستقبل بلادنا، مثل الطاقة الشمسية. ومن باب المصادفة أن تنشر صحيفة ''اليوم'' في صفحة أخرى من العدد نفسه الذي يحمل تصريح المسؤول خبراً تحت عنوان، ''أوروبا مهتمة بمشروع استيراد الطاقة الشمسية من إفريقيا والشرق الأوسط'' هكذا. وكما نعلم، فالدول الأوروبية لديها المئات من منشآت الطاقة النووية التي تُستخدم لتوليد الطاقة الكهربائية، وهم أنفسهم الذين يُصممونها ويُديرونها، ومع ذلك فهم يُفضلون استبدالها الآن بمرافق الطاقة الشمسية، حتى ولو لم تكن المنشآت الشمسية على أرضهم. وهذا يعني أنهم يهربون من مشكلات المنشآت النووية ومن تكلفتها المرتفعة ونحن نُقبل عليها، على الرغم من أننا لا نفقه شيئاً لا في تقنيتها وتشغيلها ولا في مقدار تكلفتها الحقيقية ومستقبل وقودها الذي من المحتمل أنه على وشك النضوب.
وكنا نود لو أن إخواننا الذين ستُناط بهم دراسة الجدوى الاقتصادية تعمقوا قليلاً في البحث عن الصعوبات المالية وسلامة المنشآت التي تُعانيها الدول المعنية ذات السبق في الطاقة النووية ويستفيدوا من خبراتهم قبل أن يُقدِّموا مشورتهم لدول الخليج. ويكفي أنه ليس بإمكاننا أن نصنع قطعة واحدة من المواد اللازمة لبناء مرفق نووي، وليس لدينا عامل واحد يستطيع أن يعمل داخل تلك المرافق إلا ربما بعد سنوات طويلة من التدريب والتأهيل، وسنظل تحت رحمة الشركات الأجنبية التي سنتعاقد معها على إنشائها. لكن دعونا نتحدث عن تكلفة بناء وتشغيل محطات التوليد النووية التي يظن كثيرون منا أنها مُتيسرة ومقبولة، مع أنه من المستحيل أن تحصل من أي جهة تتعامل مع الطاقة النووية على التكلفة الحقيقية. ومع احتمال مواجهة الصعوبات المالية والتقنية والتشغيلية التي سنتعرض لها قبل إكمال بناء المرافق النووية، فإن التخلص منها ومن مُخلفاتها بعد انتهاء عمرها أكثر صعوبة. وهناك أمثلة كثيرة من واقع تشييد المرافق النووية الجديدة التي لا تزال تحت الإنشاء وتُعاني أزمات مالية خطيرة قبل بدء التشغيل. فقد تعاقدت الحكومة الفنلندية مع الشركة الفرنسية ''أريفا'' المُتخصصة في بناء المفاعلات النووية على تصميم وإنشاء محطة توليد نووية مُقابل ثلاثة مليارات يورو، على أن يتم تسليمها جاهزة للتشغيل في غضون أربع سنوات, لكن الأمور لم تسر حسبما كان مُخططا لها، فقد ارتفعت تكلفة المشروع بزيادة 50 في المائة على ما كان مُقدراً لها ضمن العقد المبرم بين الطرفين، إلى جانب تأخر تكملة البناء لعدة سنوات قادمة. وتذكر بعض المصادر أن الحكومة الفنلندية اشترطت في العقد على الشركة المُنفذة أن تتحمل الأخيرة أي زيادة تطرأ على المبلغ الأساسي المُتفق عليه. ويُخشى أن يُؤدي ذلك الاتفاق إلى احتمال إفلاس الشركة الفرنسية بسبب هذا المشروع الذي هي مُلزمة بإكماله.
والأمثلة كثيرة على تعثُّر بعض المشاريع النووية التي تحت الإنشاء في أمريكا وأوروبا بسبب التأخير في التشغيل أو زيادة غير مُتوقعة في تكاليف بنائها. http://www.nytimes.com/2009/05/29/business/energy-environment/29nuke.html فإذا كانت هذه حال أصحاب الخبرة ومقر التقنية، فما الذي سنتوقعه نحن عندما نتعاقد مع الشركات الأجنبية التي تبذل جهداً جباراً لإقناعنا، أو على الأصح لتوريطنا، في بناء مُولدات نووية بتكلفة عالية وغير مأمونة العواقب فيما يتعلق بالتأخير ومُضاعفة القيمة! بينما نحن لدينا خيار أفضل وأبسط لتوليد الطاقة، مُتوافر مِلء أرضنا وسمائنا، ومن المُتيسر لنا تصنيع جميع مُكوناتها محليا وتشغيلها بأيد وطنية، إنها الطاقة الشمسية. ولا نعلم سبباً جوهريا يدعونا إلى إغفال هذا المصدر الحيوي وإخراجه من حساباتنا رغم شدة حرارة الشمس الساطعة التي تُذكرنا بوجودها كل صباح، ونحن نُحاول جاهدين اتقاء حرارتها بالهروب إلى الظل وإلى المُكيفات. ولعل حساباتنا الخاطئة، عند ما نُقارن تكلفتها مع تكلفة المشتقات النفطية المُخفضة إلى أقل من العُشر، هي التي تُعطيني أرقاماً وهمية، تُظهر وكأن قيمة توليد الطاقة الشمسية أعلى من توليد الطاقة بواسطة الوقود النفطي، والله يعلم أن هذا غير صحيح. بل يجب علينا أن نوفر كل قطرة من المشتقات النفطية لتصديرها إلى الخارج ونبيعها بالسعر العالمي بدلاً من استهلاكها محلياّ لتوليد الطاقة وحرقها هدراً. ويكاد يُجمع خُبراء الطاقة على أن أسعار كل ما يتعلق بالطاقة الشمسية مُرشح للهبوط مع مرور الوقت، ومع التقدم التقني والخبرة المُكتسبة، عكس مُستقبل المصادر النووية التي أولها مشكلات وآخرها مشاكلات.
 نحن في بلدان الخليج نعيش اليوم مرحلة انتقالية حرجة، بين الغِنى الفاحش المؤقت والرفاهية التي يتمتع بها قسم كبير من مُجتمعنا وبين مُستقبل مجهول لا أحد يود التحدث عنه ولا كيف يتعامل معه. وإذا اجتهدنا وبدأنا نُفكر في كيفية الاستعداد لاستقبال ذلك المجهول، رجعنا في تخطيطنا إلى طُرُقنا القديمة غير الحكيمة في الاستعانة وطلب العون والمشورة من قوم لا يهمهم غير مصالحهم الخاصة التي لا تتناسب مع مصالحنا القومية. ونرجو ألا يكون ذلك مرده الشعور بالنقص وعدم مقدرتنا على التفريق بين ما يناسب ظروفنا وبيئتنا ومقدرتنا على الاستيعاب، والاعتماد الكلي على الأيدي الأجنبية إلى ما شاء الله. ونقول، لو كان إنشاء المُولدات النووية دائماً أفضل من غيرها من مصادر الطاقة، لسبقونا إليها وتركوا لنا النفط والطاقة الشمسية .

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي