رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ما مدى اهتمامنا بأمور السلامة؟

السلامة أمر مُهم في حياتنا، لكننا لا نعطيها من الاعتناء ما تستحق على الرغم من أهميتها. عدم التخطيط السليم المسبق لأي مشروع ربما يؤدي إلى حدوث ما لا نتمناه من الكوارث والإصابات نتيجة الإهمال والخلط والقصور في الحسابات, وحوادث الطرق التي نشاهدها ونعيشها يوميا أكبر شاهد على عدم اهتمامنا بجوهر سلامتنا. الحوادث المرورية ـ مع الأسف ـ تحصد أرواحنا ليل نهار وتُلحق بكثيرين منا إصابات مُقعدة ونحن لا نُفكر حتى في اتخاذ الأسباب التي بأمر الله تمنع وقوع الحوادث، وفي حالات كثيرة تُقلل من حدَّة الإصابات. والمرافق الصحية تعُج بالمصابين من حوادث المركبات، ومنهم منْ لن يُغادر سريره مدى الحياة ـ عافانا الله وإياكم. وتُقدَّر الأمهات الثكالى بمئات الألوف، والأرامل من جراء حوادث الطرق أكثر عدداً. هل هو عدم إدراك منا لخطورة الوضع والتسليم ببداهة الأمور التي اعتدنا تكرار حدوثها، رغم فداحة نتائجها؟ إن الواحد منا ليتألم أشد الألم عندما يشاهد حبيبا يقع ضحية لحادث مروري، أو حتى إنسانا لا يعرفه ووقع نظره عليه لحظة حصول الحادث. فلماذا لا نتعظ مما يحصل لنا ولغيرنا ونتجنب بقدر المستطاع ممارسة ما يؤدي إلى المخاطرة بحياتنا؟ والفرد منا ليس فقط مسؤولا عن نفسه، بل عن كل من له صلة بهم، فعليه أن يتقي الله فيهم ويتأكد من حسن سلوكهم ووضوح ممارساتهم حتى لا يقعوا ضحية لإهمال أو تهور. ولا بُدَّ من أنكم تُشاهدون بعض الشباب وهم يُمارسون قيادة الدبابات بسرعة كبيرة دون أن يتقيدوا بلبس خوذة الرأس التي تقيه من عنف الصدمات لو لا قدر الله اصطدم رأسه بالأرض نتيجة لخلل ما، وحتى رجال المرور لا يعترضون له رغم أن ذلك من جوهر مسؤولياتهم. وحياة الإنسان ليست ملك له وحده، وإن هانت الدنيا عليه. فهناك منْ سيفقده ويتألم لفراقه، وربما يتغير مجرى الحياة بالنسبة للزوجة المسكينة عند ما تفقد زوجها. ومن الممكن لبقية أفراد العائلة أن تُنسيهم الدنيا فقيدهم، لكن الزوجة يظل الزوج في ذاكرتها، وعلى وجه الخصوص عند ما يكون لديها منه أولاد، ناهيك عن الخسائر المادية الهائلة التي تذهب هدرا كل عام بسبب الحوادث، إلى جانب إزهاق آلاف الأنفس الغالية.
وهناك من أمور السلامة ما يتعلق مباشرة بحياة المواطنين والزائرين داخل المدن الرئيسة بوجه عام ويُهدد بحدوث كوارث مُدمِّرة وفقدان أرواح كثيرة وتكون عواقبها ـ لا قدر الله ـ وخيمة. ومثال ذلك إنشاء ناطحات السحاب والمباني العالية قبل أن نمتلك معدات مكافحة الحريق التي تصل إلى جميع طوابق وأدوار تلك العمارات الشاهقة ونُتقن عمليات الإنقاذ، إلى جانب توفير الأيدي العاملة المدربة التي تستطيع القيام بالواجب عند حدوث مثل تلك الكوارث. ونخشى ألا يكون لدى مؤسسات الدفاع المدني الاستعداد الكامل في جميع مدن المملكة من أجل مكافحة حرائق البنايات العالية عشرة طوابق فما فوق والسيطرة عليها، كما هو حاصل في معظم دول العالم المُتحضِّر. ولا نعلم الحكمة من وراء الموافقة بالسماح بإنشاء تلك المباني ومنح التراخيص التي تسمح للمواطن بإقامة مثل هذه المشاريع قبل أن تكون لدينا القدرة والكفاءة لخدمتها ودرء المخاطر التي ربما تتعرض لها. قد يظن البعض أن وجود مهبط للحوامات فوق سطوح العمارات يكفي لإخلاء المحتجزين داخل الطوابق العليا ومتوسطة الارتفاع في حالة نشوب حريق في أي مستوى من البرج، وهذا غير صحيح على الإطلاق. من المعروف أنه عندما يحدث حريق في بناية ذات طوابق مُتعددة، فأول عمل يقومون به هو عزل التيار الكهربائي وتوقف المصاعد. وليس أمام نزلاء السكن إلا النزول أو الصعود عن طريق السلالم إذا كانت آمنة ومعزولة عن الطوابق التي تحترق، وإلا فهم تحت رحمة الله، وكلنا تحت رحمة الله. ولا هناك ضمان مؤكد بأن السلالم لا تتأثر بحريق الطوابق المختلفة.
 أما موضوع إهمال المخاطر المهنية وما يترتب على ذلك من تنصل من الإيفاء بجميع حقوق العمال، فلا نعتقد أن هناك أحدا يستطيع التفوق علينا في مجالها. وما عليك إلا أن تُشاهد أي منطقة عمل، باستثناء المناطق الصناعية التي تقع تحت عُهدة الشركات الكبرى، مثل شركتي أرامكو وسابك وبعض الشركات الأجنبية، ستجد أن ممارسة عوامل السلامة في واد وواقع الحال في واد آخر. من النادر أن تلاحظ أي فرد من العمال المهنيين لدى القطاع الخاص وهو يستخدم وسائل السلامة، من غطاء الرأس الواقي من الصدمات والحذاء الذي يتحمل سقوط المعدات عليه ونظارات السلامة لوقاية العين والتقيد المُلزم باستعمال حزام الأمان الذي يساعد على منع السقوط من الأماكن العالية. العمل فوق أسطح العمارات والبنايات شاهقة الارتفاع يُمثل خُطورة كبيرة على عُمال البناء، خصوصاً الذين يتطلب عملهم الانتقال من زاوية إلى أخرى وهم بين السماء والأرض. والإصرار على تطبيق مبادئ السلامة لا يُكلف شيئاً كثيراً ويصبح مع مرور الوقت عملاً روتينيا لو اعتدنا التقيد به. ولا ننسى أن نظافة موقع العمل أيضا جزء لا يتجزأ من مُتطلبات السلامة التي ننشدها. ولعل ظاهرة عدم إزالة المُخلفات خلال القيام بأعمال البناء وفي الورش الصناعية الشعبية ومحطات الوقود تجعلها تكاد تكوِّن مظهرا فريدا مُقززاً بين معظم شعوب العالم المتحضر. وكثيرون منا سافروا إلى الخارج وشاهدوا بأنفسهم الاعتناء الفائق بنظافة الشوارع والمرافق العامة، ومع ذلك لا تشعر بأن أحداً من أولئك يظهر عليه الاستنكار وعدم الرضا بممارسة عدم العناية بالنظافة في جميع منشآتنا. وظاهرة ترك المُخلفات في مُحيط المرافق التي لا تزال تحت الإنشاء تجدها أينما وُجدت عمالة آسيوية ومنْ هم في مستواهم. واللوم ليس عليهم وحدهم، فالمسؤولية الكبرى تقع علينا نحن أصحاب المنشآت وعلى مسؤولي الدفاع المدني الذين لا يودون ممارسة نفوذهم على المؤسسات المعنية في سن القوانين اللازمة ومتابعة تنفيذها.
ولأهمية تطبيق أصول السلامة في مجتمعاتنا، يتحتم علينا البدء في تعليم وتوجيه أبنائنا مُتطلباتها في سن مُبكرة، مع مُقرَّرات المراحل الدراسية، لعل الله ينفع بها ويُخرج أجيالا واعية تهتم بأمور السلامة الفردية والجماعية. فلا حياة هانئة لأمة لا تعتني بنفسها ولا تبذل مجهوداً من أجل تجنُّب التعرض للحوادث التي من الممكن بقدرة الله أن نتحاشى وقوعها. وكان بودنا أن نطلب من المواطن أن يكون قدوة لأبنائه في تطبيق عوامل السلامة في جميع حركاته وأعماله، ولكن المؤسف أن الغالبية من أبناء الشعب لا يُعيرون السلامة إلا القليل، والقليل جدا من عنايتهم واهتمامهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي