رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الصعود من أعلى إلى أسفل

عنوان المقال قد يبدو فيه شيء من الغرابة إذ كيف يمكن لشخص ما الصعود باتجاه الأسفل، وللقارئ الكريم الحق في هذا التساؤل. لكن دعني أبدأ بالإشارة إلى أن فكرة المقال أتت بعد قراءتي مقال الدكتور عبد العزيز الخضيري الذي عنونه بـ ''من ينحر كفاءاتنا الوطنية''. وقد تطرق الدكتور عبد العزيز إلى قضية مهمة تشكل عنصراً أساسياً من عناصر التنمية الاقتصادية ألا وهي الكفاءات الوطنية التي لا سبيل لأي تنمية مستدامة ورقي اقتصادي وحضاري إلا بتوظيفها التوظيف الأمثل.
وسواءً كانت هذه الكفاءات تنحر عمداً أو بغير قصد بسبب عدم وجود نظام واضح للارتقاء الوظيفي الكفء من أسفل الهرم الوظيفي إلى أعلاه داعمة في ذلك الالتزام والإبداع والإنتاجية في العمل، فإنه سيكون بيننا وبين خطى التنمية والتقدم إلى مصاف الدول المتقدمة زمن طويل. أتمنى ألا يكون ما أشار إليه الدكتور عبد العزيز ظاهرة عامة في كل الأجهزة الحكومية والخاصة، وإلا فإن ذلك سيكون مؤشرا خطيرا على ما ستؤول إليه مسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المستقبل القريب. والمشكلة الكبرى هي ليس من (ينحر هذه الكفاءات)، ولكن أن يكون في نظامنا الحكومي بذور لهذه المشكلة، وقد انتقلت عدواها مع الأسف إلى القطاع الخاص. فالنظام الحكومي لا توجد فيه رؤية ومنهجية وآلية لكيفية الاختيار والتحفيز واستنهاض القدرات وخلق المنافسة بما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية والكفاءة. بل إن الجهاز الحكومي أصبح مترهلاً لكثرة العاملين وقلة الإنتاجية وسوء التوزيع في الموارد البشرية بين القطاعات التي تحتاج إلى خدمة مباشرة للمواطن وبين القطاعات التي تتطلب عملاً إدارياً صرفاً. هذا السوء في التوزيع وهذا الخلل في النظام الذي يحكم العمل الحكومي خلف حالة من عدم التوازن في كل إدارة ومصلحة حكومية، وخلف أنماطاً سيئة وصفات أصبحت مرادفة للموظف الحكومي. والدور المفقود هنا هو دور المؤسسة الحكومية المعنية بتنمية المورد البشري وزيادة كفاءته وإعادة تأهيله للعمل في قطاعات أخرى ترتفع فيها إنتاجيته، وبالتالي تزداد على إثر ذلك كفاءة الجهاز الذي يعمل فيه. نحن هنا في حاجة إلى استراتيجية لوزارة الخدمة المدنية تتجاوز العمل الروتيني الذي تقوم به والذي لا يتعدى عن كونها إدارة شؤون موظفين مركزية. فالوزارة تحتاج إلى أن تتوسع في دورها ليشمل تنمية الموارد البشرية وزيادة إنتاجية الموظف الحكومي وزيادة كفاءة الإدارات الحكومية. وهي مهمة ليست بالسهلة، لكنها ليست بالمستحيلة، وتتطلب تغييراً جذرياً في منهجية التفكير الجوراسية التي تتبعها الوزارة بالاعتماد على تنظيمات مركزية قديمة للتعيين والترقية ولكل ما يتعلق بالموظف.المشكلة لا تتعلق بالقطاع الحكومي فقط، ولكنها للأسف انتقلت كما أشرت إلى القطاع الخاص. فكثيراً ما أتلقى رسائل من أشخاص يعملون في القطاع الخاص ويشتكون من انتشار الواسطة في التعيين والترقية وهو مؤشر خطير يدل على ضعف كبير في نظم الحوكمة في القطاع الخاص. فالمدير التنفيذي الذي تتم محاسبته حسابا دقيقا من قبل مجلس الإدارة سيعمل بالتأكيد على اجتذاب أفضل الكفاءات التي تسهم في زيادة ربحية المنشأة التي يعمل فيها وبما ينعكس على أدائه الوظيفي. لكن ضعف دور مجلس الإدارة سيؤدي إلى انتشار ثقافة الولاءات للمدير التنفيذي وعلى أثر ذلك ستظهر ممارسات كالتي أشار إليها الدكتور الخضيري بنحر الكفاءات في مهدها. وهنا نحتاج أيضاً إلى دور أكبر لوزارة العمل الذي قد يختلف عن وزارة الخدمة المدنية في التركيز على الجوانب القانونية التي تسهم في خلق بيئة عمل ملائمة لتقدم الكفاءات.
الخوف من المستقبل عنصر أساسي في تحفيز الإنسان للعمل، وإذا كان المسؤول الحكومي أو الموظف الحكومي أو الخاص أو المدير التنفيذي لشركة ما يعلم أنه لا يوجد ما يهدد بقاءه في هذا المنصب، فإن ذلك أدعى إلى الركون والتخاذل والتركيز على تعظيم المنافع الشخصية. لذلك، تجد بعضاً من المسؤولين لا يهتمون بالكفاءة بقدر ما يهتمون بولاء الموظف لهم، وهنا يأتي الصعود من أعلى إلى أسفل. ففي حين يعظم هذا المسؤول منافعه الشخصية (الصعود إلى أعلى) ينزل مستوى الأداء سواءً في القطاعين الحكومي أو الخاص إلى أسفل الدرجات (النزول إلى أسفل).

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي