مجموعة البث الإذاعي والتلفزيوني البريطانية سكاي Sky
المسؤولية الاجتماعية للشركات تعد إحدى الوسائل التي تعكس مدى اهتمام الشركة بتطبيق وممارسة حوكمة الشركات. وعرف المجلس الاقتصادي العالمي للتنمية المستدامة WBCSD المسؤولية الاجتماعية للشركات بأنها الالتزام بالمساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة، من خلال العمل مع العاملين في الشركة وأسرهم والمجتمع المحلي. لذلك فالمسؤولية الاجتماعية للشركات Social Corporate responsibility CSR تتشكل من مجموعة من السياسات والممارسات والبرامج التي تتكامل مع العمليات الإنتاجية وعمليات صنع القرار، بهدف تعظيم وزيادة التأثير الإيجابي لعميات الشركة. لهذا يقال إن الشركات ذات الحوكمة الجيدة، تسهم في تحقيق تنمية مستدامة للمجتمع والبيئة المحيطة. وتختلف المسؤولية الاجتماعية للشركات عن الأعمال الخيرية التي تقوم بها الشركات أو الأفراد اختلافا جوهريا من ناحية الهدف والاستدامة.
في الماضي كانت الحكومات تتولى الجزء الأكبر من مسؤوليات تطوير البيئة المعيشية للسكان، لكن احتياجات المجتمعات تجاوزت هذه المقدرة Jamali, 2006. لهذا تحولت النظرة لتوفير احتياجات المجتمع من خلال الشركات العاملة في هذه المجتمعات، وعليه فقد أصبحت الشركات حريصة على إبراز نشاطها واهتمامها بالمجتمع من خلال تقديم خدمات تسهم في تحقيق التنمية المستدامة للمجتمع وهو ما يعرف بـ CSR. لهذا فقد برز كثير من الشركات العالمية من خلال اهتمامها وحرصها على المساهمة في بناء المجتمع وتنميته. وظهر عديد من التجارب المهمة والمعاصرة في تطبيقات المسؤولية الاجتماعية للشركات. سأتناول بعض هذه التجارب في مجموعة من المقالات بهدف توعية المجتمع وقطاعات الأعمال عن أهمية ممارسات المسؤولية الاجتماعية للشركات في المجالات المختلفة مثل ضروريات المجتمع، التعليم، البيئة، الإدارة، تطوير المنتجات، التخطيط، الدعم، وتحسين بيئة العمل.
هذا المقال سيتناول تجربة مجموعة سكاي التلفزيونية البريطانية من أجل تطوير استراتيجية لتقديم خدمات تلفزيونية أكثر شمولا، بهدف زيادة الفرص والخيارات المتاحة لذوي الاحتياجات الخاصة. تأسست الشركة عام 1988 وأصبحت الآن من بين أهم الشركات العاملة في مجال الإذاعة والتلفزيون في بريطانيا. والشركة صاحبة ريادة في تقديم الخدمات الرقمية الحديثة، وتملك 11 قناة تلفزيونية تشمل القنوات الإخبارية، والترفيهية، والرياضية والأفلام. يعمل في الشركة الآن ما يقارب 16 ألف موظف. الشركة تعمل من أجل تحقيق هدف أن تكون الشركة الأولى في الترفيه والاتصالات في بريطانيا. ولضمان استمرارية الشركة وتقدمها، فالشركة تعمل باستمرار على مراجعة مسؤوليتها نحو المجتمع من خلال التركيز على التعليم والتطوير والريادة. نتيجة لبعض القوانين الصادرة في بريطانيا، فقد بدأت الشركة في تطوير استراتيجية للتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة عام 2003. نتيجة لصدور نظام الاتصالات عام 2000، الذي يطالب الشركة الإذاعية بتوفير خدمات خاصة لهذه الفئة، مثل إدراج لغة الإشارة، كتابة ووصف المواد السمعية Subtitles. كما طالب القانون الجهات العاملة بتوفير خدمات لذوي الاحتياجات الخاصة كأحد الحقوق الواجب توفرها لهم في المجتمع. ثم صدر قانون آخر يعالج قضايا التمييز ضد المعوقين، الذي طالب الشركات بتقديم خدماتهم للعملاء من ذوي الاحتياجات الخاصة، كما تقدم لبقية العملاء.
لهذا فقد بدأت شركة سكاي في تنفيذ استراتيجية لتتواءم مع متطالبات هذه التشريعات والأنظمة، من خلال إنشاء قسم متخصص لإعداد ودراسة استراتيجية للشركة لتقديم خدمات مماثلة لذوي الاحتياجات الخاصة. وبدأت في إعداد دراسة شاملة لإعداد هذه الاستراتيجية. أظهرت نتائج الدراسة الأولية أن الشركة في حاجة إلى ما يقارب 60 ألف عميل جديد، لتغطية التكاليف المتوقعة لتطوير تجهيزات وبرامج الشركة. كما أن الشركة لا تملك معلومات صريحة عن عدد العملاء الحاليين من ذوي الاحتياجات الخاصة. لذلك شرعت الشركة في تعديل طريقة تسجيل بيانات العملاء من خلال سؤال العميل، عن مدى استخدامه خدمة الحاشية السينمائية المكتوبة على الشاشة Subtitles. كما بنت الشركة دراساتها على أصحاب هذه الفئة للتعرف على المعوقات التي تواجههم في استخدام منتجات الشركة. فكانت إحدى أهم النتائج التي توصلت إليها الشركة أن الصم لا يستطيعون التواصل مع الشركة، حيث كانت الطريقة الوحيدة للتواصل مع العملاء من خلال الهاتف.
لتحقق شركة سكاي النجاح في الأهداف التي رسمتها لهذه الاستراتيجية، كان أمامها كثير من العمل يجب إنجازه. على سبيل المثال لتحسين الخدمة المقدمة للعملاء، كان يجب على الشركة أن تستثمر مبلغا كبيرا في تدريب جميع موظفي خدمات العملاء للتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، وهذا سيؤدي إلى إنفاق مبالغ كبيرة إضافة إلى الحاجة إلى وقت طويل حتى يحسنوا مقدرة موظفي خدمات العملاء. فقامت الشركة بتدريب 62 موظفا للتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة لدى شركة متخصصة. تمت تغطية جميع فرق العمل بهؤلاء الموظفين المؤهلين للتعامل مع العملاء من ذوي الاحتياجات الخاصة على مدى ساعات العمل وبالوسائل المختلفة ومنها إدخال التعامل بالبريد الإلكتروني، الفاكس، الرسائل الهاتفية والبريد والهاتف. مع هذه الخدمة الخاصة أصبحت شركة سكاي قادرة على تقديم الخدمات لجميع العملاء من جميع الفئات. ظهر للشركة أن فاقدي البصر لا يمكنهم الاستفادة من خدمات الشركة بالشكل المطلوب، فقامت الشركة بإعداد دراسة خاصة من خلال استقصاء احتياجات واقتراحات مجموعة من فاقدي البصر.
بدأ الإعداد لهذه الاستراتيجية في تشرين الأول (أكتوبر) 2002, وبعد ثمانية أشهر بدأت الشركة رسميا في تقديم خدماتها بتسجيل 3200 عميل جديد من ذوي الاحتياجات الخاصة. وبعد ذلك بعام واحد أصبحت ''سكاي'' تقدم خدماتها إلى ما يقارب 16 ألف عميل مسجل من ذوي الاحتياجات الخاصة، وبنهاية عام 2004 أصبح عدد العملاء المسجلين في هذه الخدمة 21 ألفا, وأصبحت الشركة تعمل لتحقق هدف أن تصبح الخيار الأول لذوي الاحتياجات الخاصة بحلول عام 2006. وأصبحت الشركة الأولى في تقديم خدماتها لفاقدي البصر من خلال تقديم خدمات الوصف السمعية لبرامجها لفاقدي البصر كليا وجزئيا. وأسهم هذا الإجراء في صدور تنظيمات جديدة لمراعاة فاقدي البصر, ما حدا بالشركات الأخرى لتسير على خطى ''سكاي'' في تقديم خدماتها لذوي الاحتياجات الخاصة. منذ بدأت الشركة في رسم سياستها الجديدة من خلال ربط احتياجات العملاء من ذوي الاحتياجات الخاصة باحتياجات قطاع الأعمال. أصبحت الشركة تفخر بأنها تقدم خدماتها لما يقارب 60 ألف عميل من ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين بدورهم سيسهمون في تحقيق أرباح للشركة تتجاوز 20 مليون جنيه استرليني. وبهذا تكون الشركة حققت أهدافها الربحية مع تحقيق سمعة متميزة في تقديم خدماتها لعملاء لم يكونوا مدرجين ضمن خطط الشركة أو الشركات الأخرى في المجال نفسه.
لماذا تعد هذه التجربة من تجارب المسؤولية الاجتماعية؟ إن تطبيق وتطوير استراتيجية خاصة بالتعامل مع احتياجات قطاع من المجتمع هم ذوو الاحتياجات الخاصة يعد مساهمة اجتماعية, فتطوير هذه الخدمات يعكس التزاما أخلاقيا لتقديم الخدمات لجميع المستفيدين، إضافة إلى تطوير مقدرات العاملين في الشركة لتلمس احتياجات هذه الفئة من المجتمع. وعليه فإن تأثير هذه الاستراتيجية سيكون على المجتمع بأسره، من خلال تقديم الخدمة بعدالة لجميع فئات المجتمع، كما أنها تقدم فائدة تجارية للشركة وبقية أفراد المجتمع من خلال زيادة عدد العاملين في الشركة لتغطية هذا القطاع، من ناحية خدمة العملاء، وإعداد وتقديم البرامج، وهذا سيؤدي لكسب عملاء جدد لم يدرجوا ضمن مكاسب الشركة سابقا.
ختاما، المجتمع يعد الشريك الأول للشركات في تطوير منتجاتها. وأذكر أن شركاتنا المحلية أيضا تقوم بدور مهم ورئيس في تنمية المجتمع وتطويره، وأتمنى أن يأتي اليوم الذي نرى فيه قصص نجاح الشركات المحلية، وأرحب بأي تواصل لتوثيق ونقل هذه القصص للمتلقي وطلاب العلم.
نشرت القصة على موقع:/ http://www.article13.com