تدويل الشركات السعودية وتوريقها
هناك مجموعة من التساؤلات حول القدرة الائتمانية للشركات السعودية القيادية وكفاءتها في إدارة التدفقات النقدية وتوجيهها بما يدعم استدامة وجودها في الأسواق الدولية. ولكن من الأهمية بمكان قبيل الخوض في حيثيات الموضوع توضيح خمسة مصطلحات ذات علاقة مباشرة في مجال الموضوع وأبعاده. سيستند التوضيح المختصر التالي على محاكاة مثال شركة الاتصالات السعودية ''الاتصالات'' في محاولة لتوضيح حجر زاوية المقال.
المصطلح الأول الشركات التابعة، ويقصد بها الشركات التي يشترك في ملكيتها مساهم رئيس، كاشتراك ''الاتصالات'' في ملكية شركة الاتصالات الكويتية ''فيفا''. والمصطلح الثاني الدولة المالكة للمساهم الرئيس، كهوية ''الاتصالات'' السعودية. والمصطلح الثالث الدولة المضيفة، كاستضافة البحرين لـ ''فيفا البحرين''.
والمصطلح الرابع نشاط التمويل الداخلي، كحصول ''الاتصالات'' على تمويل مالي لازم لتوسعها في تركيا من خلال ''أوجيه للاتصالات''. والمصطلح الخامس نشاط التمويل الخارجي، كاحتمالية توجه ''الاتصالات'' للحصول على تمويل مالي لازم لتمويل مشاريعها المستقبلية من خلال إصدار صكوك مختلفة في السوق المالية السعودية ''تداول''، أسوة بـ ''الكهرباء''.
نعود إلى مجموعة التساؤلات حول القدرة الائتمانية للشركات السعودية القيادية وكفاءتها في إدارة التدفقات النقدية وتوجيهها بما يدعم استدامة وجودها في الأسواق الدولية. حاولت دراسة الإجابة عن هذه التساؤلات عن طريق دراسة كفاءة المؤسسات المالية الدولية في إدارة أنشطة التمويل المالي المختلفة عبر مصارفها وشركاتها المالية التابعة المنتشرة في عدد من دول العالم.
نشرت الدراسة العلمية أعلاه العام الماضي في مجلة ''الوسيط المالي'' Journal of Financial Intermediation تحت عنوان ''الأسواق المالية الداخلية و تمويل المؤسسات المالية الدولية التابعة''. وعلى الرغم من تركيز الدراسة على المصارف والشركات المالية، إلا أن حيثياتها تستأنس الاستفادة من نتائجها في بحث إمكانية تطبيقها على الشركات السعودية القيادية.
هدفت الدراسة إلى تفنيد درجة تأثر نمو الكفاءة الائتمانية للمصارف والشركات المالية التابعة المنتشرة في عدد من دول العالم بثلاثة عوامل رئيسة. العامل الأول مؤشرات الاقتصاد الكلي، كإجمالي الناتج المحلي، ومعدلات البطالة، ومستويات التضخم، في كل من الدولة المالكة للمجموعة المالية الرئيسة والدولة المضيفة للشركات التابعة للمجموعة المالية الرئيسة.
والعامل الثاني عوامل قياس الكفاءة المالية للمصارف والشركات المالية التابعة، كالملاءة الائتمانية، ومستويات السيولة النقدية، ومعدلات الربحية. والعامل الثالث خلاصة دمج العاملين السابقين في صورة شمولية عن عوامل الاقتصاد السياسي، كمعدلات الرفاهية الاجتماعية، ومستويات الإيرادات الحكومية. اعتمدت الدراسة على تطورات بيانات القوائم المالية و نسب الملكية لأكبر 45 مجموعة مالية دولية من ناحية حجم الأصول خلال الفترة من 1992 إلى 2004. تباينت نسب ملكية المجموعات المالية الرئيسة في شركاتها التابعة من 5 في المائة إلى 100 في المائة، في إشارة واضحة إلى أحقية اتخاذ القرارات الاستراتيجية في تحديد توجه الشركات التابعة المستقبلي.
كما تباين الانتشار الجغرافي للمجموعات المالية الرئيسة بين الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة، في إشارة واضحة إلى ترجمة توجهات الاقتصادات المتقدمة المستقبلية في نمو الاقتصاد العالمي. كما تباين الانتشار الجغرافي للشركات التابعة بين دول أمريكا اللاتينية، وإفريقيا، وغرب آسيا، وشرق أوروبا، في إشارة واضحة إلى الأدوار المتباينة للاقتصادات الناشئة في نمو الاقتصاد العالمي.
ضمت عينة الدراسة، على سبيل المثال لا الحصر مجموعات ''إتش إس بي سي''، و''رويال بنك أوف سكوتلاند''، و''سيتي'' المالية. كما تباينت مؤشرات الكفاءة المالية للمجموعات المالية الرئيسة وشركاتها التابعة بين عالية الكفاءة، مرورا بالمعتدلة، ووصولا إلى عالية الخطورة. توصلت الدراسة العلمية أعلاه إلى نتيجتين رئيسيتين جديرتين بالتأمل من منظور واقع الشركات السعودية القيادية خلال عملية انتقالها من المحلية إلى الدولية. النتيجة الأولى تتأثر الكفاءة المالية للشركة التابعة تأثرا إيجابيا بالتطورات الاقتصادية في المجموعة المالية الرئيسة أو الشركات التابعة لها، بغض النظر عن الوجود الجغرافي للشركة التابعة. وتتأثر في الوقت ذاته الكفاءة المالية للشركة التابعة تأثرا سلبيا بالتطورات الاقتصادية في الدولة المضيفة، بغض النظر عن الكفاءة المالية للمجموعة المالية الرئيسة أو الشركات التابعة لها.
والنتيجة الثانية تكون فرصة المجموعات المالية الرئيسة التي تنتهج سياسة السوق المالية الداخلية الواقعة تحت مظلتها في توفير التمويل المالي اللازم لشركاتها التابعة أكبر من منافسيها الذين يعتمدون على موارد التمويل التقليدية من خارج مظلة المجموعة المالية الرئيسة في تحويل التحديات التمويلية إلى آفاق استثمارية.
تحمل نتائج الدراسة في طياتها خلاصة شمولية حول عامل استدامة الشركات السعودية القيادية خلال عملية توسعها الدولي. خلاصة مفادها أهمية قيام التأكيد على هذه الشركات، إنتاجية كانت أو خدمية، في إنشاء سوق مالية داخلية تندرج تحت مظلتها. تهدف هذه السوق المالية المقترحة إلى حفظ توازن الكفاءة المالية للشركة السعودية القيادية، من جهة، وتوفير أدوات التمويل والاستثمار المختلفة، من جهة أخرى.
ترتبط في الوقت ذاته هذه السوق المالية المقترحة لاستدامة عملها بشكل مباشر في السوق المالية السعودية من جهة، والأسواق المالية في الدول المضيفة، من جهة أخرى. الدافع الرئيس خلف هذه السوق المالية المقترحة توزيع مخاطر تقلبات الاقتصاد العالمي، بشكل عام، واقتصادات الدول المضيفة، بشكل خاص.