وادي حنيفة: تجربة تحويل المشكلة إلى فرصة
تتطور الاستراتيجيات بالممارسة عبر خط الزمن حيث يحظى كل جيل بما توصل له ووثقه الجيل الذي قبله ليضيف إليه وهكذا دواليك، ومن الاستراتيجيات التي ظهرت في القرن الماضي الاستراتيجية التي تقول بتحويل المشكلات إلى فرص بعد تحليلها وتفكيكها إلى مشكلات صغيرة، وهي استراتيجية فعالة خصوصا إذا مزجت مع الاستراتيجية التي تقول ''وداوها بالتي هي الداء''، التي أدت إلى القضاء على الأوبئة باستخدام مسبباتها (الفيروسات الضعيفة) في تصنيع اللقاحات التي تمنح الإنسان المناعة اللازمة للقضاء على الفيروسات القوية إذا دخلت جسمه من أي طريق كانت.
وادي حنيفة كما قال رئيس مركز المشاريع والتخطيط بالهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض المهندس عبد اللطيف آل الشيخ كان يعاني مشكلات بيئية بسبب الأنشطة البشرية المخلَّة ببيئته الطبيعية من أنشطة صناعية غيرت مناسيبه وأتلفت غطاءه النباتي وأثرت في الحياة الفطرية فيه إلى جانب تراكم النفايات ومخلفات البناء بشكل كبير، التي أثرت في جريان المياه وكونت المستنقعات وأدت لاندثار الغطاء النباتي، وتناقص الأشجار المحلية، ونمو أشجار وحشائش غير ملائمة لبيئة الوادي واختفاء أنواع كثيرة من الثدييات والزواحف والطيور التي كانت تستوطن الوادي إلى جانب ما تعرضت له مجاري السيول وروافده من تضييق نتيجة زحف الملكيات الخاصة على بطن الوادي، الأمر الذي أدى إلى جريانها بسرعة أكبر لتجرف كميات أكبر من التربة معها.
كل ذلك كما قال آل الشيخ أدى إلى تدني المستوى الحضري فيه بتدهور عمرانه التراثي والريفي، وتناقص النشاط الزراعي السائد في أرجائه، إلى جانب اختلال الميزان المائي في الوادي نتيجة استنزاف موارد المياه الأرضية من جهة، وتلوثها من جهة أخرى، وازدياد الملوثات العالقة في الهواء، لتساهم هذه الأوضاع جميعها في اختلال التوازن البيئي في الوادي حيث تغيير شكل الأرض كلياً في بعض الأودية الفرعية، حتى أصبح بعض أجزائها عبارة عن حفر واسعة مملوءة بالمياه الآسنة، إضافة إلى تناقص البيئة الفطرية والحيوانية، الأمر الذي نجم عنه ضرر بالغ على بيئة الوادي وأدى إلى تغيير تكوينه الجغرافي الطبيعي، مما أنذر بحدوث مخاطر كبيرة عند جريان السيول.
ما قاله آل الشيخ بخصوص وادي حنيفة ليس مشكلة بل مأساة ذات مخاطر متعددة تمتد لأكثر من 80 كيلو مترا لو تركت لتفاقمت، خصوصا إذا لم توقف أسبابها للمحافظة على مكونات بيئة الوادي (الهواء والمياه والتربة والأحياء الطبيعية والإنسان وموارده) وعناصرها والارتقاء بها ومنع تدهورها أو تلوثها أو الإقلال منها ضمن الحدود الآمنة من حدوث التلوث، ولأصبحت التنمية المستدامة في خبر كان في هذا الوادي ذلك أن التنمية القائمة آنذاك لا تستخدم الموارد الطبيعية بطريقة تصونها للأجيال القادمة وتحافظ على التكامل البيئي وتتسبب في تدهور عناصر ومكونات الأنظمة البيئية وتخل بالتوازن.
بكل تأكيد معالجة مشاكل ومخاطر وادي حنيفة ليست بالعملية السهلة وليست بالقليلة التكلفة ولكن بفضل من الله ثم بتوجيهات ودعم ومتابعة أمير منطقة الرياض صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز حفظه الله وسمو نائبه وتكامل جهود أمانة منطقة الرياض والهيئة العامة لتطوير الرياض التخطيطية والتنفيذية وعزيمة وإصرار العاملين فيهما كان الإنجاز وكان النجاح في تطبيق الاستراتيجية القائلة بتحويل المشكلة إلى فرصة وباستخدام بعض أسباب المشكلة '' المياه دائمة الجريان الواردة إلى الوادي من عدة مصادر من المدينة'' إلى مورد مائي يغذي الحياة الفطرية والجمالية في الوادي.
نعم إن عملية إيقاف المصادر الرئيسية للتدهور في بيئة وادي حنيفة بإجراءات تنفيذية شملت نقل الكسارات وأنشطة نقل التربة والأنشطة الصناعية ومنع رمي النفايات ومخلفات البناء، وإيقاف التعديات على بطن الوادي وغير ذلك من الإجراءات التنفيذية ليست بالعملية السهلة كما يعتقد البعض إذ إنها تستدعي إيجاد البدائل فضلا عن التصدي لمسببيها الذين يسعون لتحقيق مصالحهم والدفاع عنها حتى وإن كانت مضرة بالبيئة لأسباب متعددة.
أيضا عملية توفير الموازنات ليست بالعملية السهلة، خصوصا أن تنفيذ ''مشروع التأهيل البيئي الشامل لوادي حنيفة'' يتطلب موازنات كبيرة لإعادته إلى وضعه الطبيعي كمصرف لمياه الأمطار والسيول وللمياه الدائمة الجريان الواردة إلى الوادي من عدة مصادر من المدينة، وجعل بيئته الطبيعية خالية من الملوثات والمعوقات لإعادة تنسيق المرافق والخدمات القائمة بحيث تتناسب مع بيئته لتوظيفه بعد تأهيله كمنطقة مفتوحة لسكان المدينة، الملائمة للتنزه الخلوي من خلال إضافة الطرق الملائمة والممرات وبعض التجهيزات الضرورية.
لن أطيل على القارئ الكريم بشرح تفاصيل الإنجاز فقد قامت الهيئة العامة لتطوير الرياض مشكورة بذلك ولكن ما أود أن أقوله إننا كما ننتقد الأجهزة الحكومية وغيرها عندما تتقاعس أو تخطئ أو تخفق فإننا نثني عليها ونثمن جهودها ونقدر إنجازاتها عندما تنجز دون أعذار، ولا شك أن تجربة تأهيل وادي حنيفة وتحويله إلى منتزه بإيقاف أسباب تدهوره واستثمار موارده بما في ذلك مياه الصرف الصحي تقول بأننا أمام إنجاز يقول بإمكانية تحويل المشكلة إلى فرصة وهي تجربة تستحق التوثيق والنشر المفصل مع المعنيين كافة بالمحافظة على البيئة في بلادنا وكلنا ثقة بأن القائمين على هذه التجربة سيقومون بذلك فهناك كثير من المناطق في بلادنا طالتها أسباب الملوثات وتستدعي المعالجة بأسرع وقت بالاستفادة من هذه التجربة الناجحة والمميزة.