رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


جامعة الأميرة نورة .. هل بدأ الاستعداد؟

كنت قد تناولت في الأسبوع الماضي وفي هذه الصفحة مشروع مركز الملك عبد الله المالي، وأشرت إلى ضخامة المشروع في صورته المادية كما تبدو من الأبراج, والمباني التي ميزت المكان بعد أن كان أرضاً خالية. ودعوت إلى الاستعداد لإدارة هذا المرفق المالي والاقتصادي الضخم، وذلك بإعداد الكوادر الوطنية المؤهلة القادرة على تشغيل المشروع في جميع المجالات: الفنية، الإدارية، الأمنية، التقنية، المالية, والاقتصادية.
مشاريع عملاقة تنتشر في بلادنا وفي ميادين عدة، لذا لا بد من الوقوف عند هذه المشاريع وتسليط الضوء عليها, ليس بهدف التعريف بها فقط, لكن لمعرفة مدى استعدادنا وتهيئنا لإدارة هذه المشاريع بما تستحقه من كفاءة، وبما تستوجبه المصلحة الوطنية التي من أجلها وجدت هذه المشاريع. جامعة الأميرة نورة للبنات كانت وقبل عام بالتحديد أرضاً لا يميزها سوى السراب الذي يزداد شدة مع أشعة الشمس المحرقة، السالكون لطريق المطار لا يرون أي أثر للحياة أو الحركة، لكن وبتوفيق الله بدأت الحركة وبقوة تنتزع انتباه المارة رغماً عنهم نظراً لضخامة المشروع وموقعه المميز, حيث يقع على مدخل العاصمة الرياض .. وأين؟ من بوابة الشمال, إذ إن القادمين من مواطنين وضيوف لا بد لهم من المرور بهذا الطريق ورؤية هذا المعلم البارز.
تذكر الصحف المهتمة بسوق العقار أن مشروع جامعة الأميرة نورة أحدث أثراً في حركة العقار في الأراضي المجاورة, وإذا كان هذا الأثر قد بدأ مع بداية هذا المشروع وهو لم يكتمل بعد، فماذا سيكون الوضع عليه عند اكتماله في شأن العقار, الذي يشكل أحد روافد الاقتصاد الوطني؟
جامعة الأميرة نورة ليست مرفقاً اقتصادياً مباشرا, إذ إنها ليست شركة إنتاج, أو مصنعاً ينتج مادة يمكن تسويقها في الأسواق والمحال التجارية, لكنها بالتأكيد ذات تأثير مهم في تشكيل العقول، وإكساب المهارات، وبناء المعرفة ذات القيمة في حركة وبناء المجتمع، وذلك بما تتمكن من تأهيله من الكوادر الوطنية النسائية التي ستأخذ مكانها الاجتماعي اللائق بها، الذي يمكنها من الإسهام وبقوة في بناء المجتمع المعرفي, الذي سيؤثر حتماً في البنية الاقتصادية.
ضخامة المشروع من حيث حجم واتساع المساحة التي يحتلها وموقعه المميز وكذلك المباني والمرافق, جعلتني أهتم بالموضوع من الآن نظراً لأهمية الاستعداد المبكر لإدارة وتشغيل هذا المشروع الذي يلامس مجالات الحياة المتعددة, إذ إن الجامعة في الوقت الراهن تمد المجتمع بكثير من المتخصصات في مجالات عدة, لكن هذا الدور سيكبر حين يكتمل المشروع.
لا أخفي أنني كلما مررت بطريق المطار ونظرت إلى المشروع تستثار في ذهني تساؤلات عدة بشأن تكلفة المشروع والمدة الزمنية المحددة لاكتماله, لكن هذه التساؤلات ليست بالأهمية ذاتها بالنسبة لي بقدر أهمية أسئلة أخرى ذات طابع أكاديمي مثل عدد الطالبات المقدر لهذه الجامعة عند اكتمال المشروع، ونوع البرامج الأكاديمية التي ستقدمها هذه الجامعة، وهل ستختلف عما تقدمه الآن أم أنها ستضطلع بتقديم برامج أخرى؟ كما أن من التساؤلات ما مستوى وحجم ونوعية البحوث التي من الواجب أن تقدمها الجامعة التي تشيد لها هذه المدينة الجامعية الضخمة؟
هذا المشروع الضخم لا شك أنه يحتاج إلى استعداد وتهيؤ من الآن لإدارته الإدارة التي تتناسب مع حجمه، لذا فإن من أولويات إدارة جامعة نورة الاستعداد من الآن, وإعداد الكوادر الوطنية القادرة على إدارة المشروع الأكاديمي. من خلال الدورات وورش العمل، وميكنة العمل الإداري التي تخفف وتقلل الأعباء, والمشكلات الإدارية حتى لا نفاجأ بمواقف وظروف نعجز عن مواجهتها، ويظهر فيها عجزنا وضعف استعدادنا.
البرامج الأكاديمية تمثل حجر الزاوية لأي مشروع تعليمي، وجامعة الأميرة في حاجة إلى أن تعد العدة من الآن، وتراجع برامجها القائمة حالياً وتخضعها للتقويم الموضوعي البعيد عن التحيز الإيجابي أو السلبي، التقويم الذي يكشف الإيجابيات والسلبيات في برامجها وأعضاء هيئة تدريسها وبحوثها ونظمها، لا ضير في أن يعاد النظر في البرامج التي لا يتوافر لها أعضاء هيئة تدريس في الوقت الراهن, ويتم تعليقها حتى يتم إعداد هذه الكوادر، ولا ضير من الحد في أعداد المقبولات في بعض البرامج رغم ما يسببه هذا الإجراء من نقص في عدد المقاعد للقبول, كما أن الأمر يتطلب السعي, وبكل جدية لاستقطاب عضوات هيئة تدريس على مستوى عالٍ من الإعداد, ووضع القواعد والمواصفات, وكذلك البدء بالإجراءات كالاطلاع على السير الذاتية, والإعلان عن الوظائف على موقع الجامعة.
كنت أسمع في السابق همسات هنا وهناك بشأن برامج الدراسات العليا في الجامعة, وكيف أنها في حاجة إلى عناية أكثر ودعم في أعضاء هيئة التدريس خاصة تلك البرامج التي تعد من العلوم النادرة، إضافة إلى توفير المعامل ومختبرات البحث والتجريب التي لا بد منها لمن يتخصص في هذه المجالات, إذ إن تعلم هذه العلوم لا يمكن أن يتم بالاقتصار على الأسس النظرية فقط, ولذا لا يمكن إغلاق الأذن عن مثل هذه الهمسات.
بقي أن أقول إن همة وعزيمة الأخوات في الجامعة تمثل الطاقة التي يعول عليها بعد الله للعمل من الآن ووضع الخطط المستقبلية الملائمة لمشروع ضخم كهذا الذي يتم إنجازه على طريق المطار، الخطط التي تأخذ في الاعتبار العمليات اليومية كافة مهما كبرت أو صغرت, والتي تراعي حجم الطموح والتوقعات المؤمل أن تحققها هذه الجامعة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي