رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مُستوطنات نتنياهو تُنقذ أوباما

يقول المثل، رُبَّ ضارة نافعة فقد حرص باراك حسين أوباما، رئيس أقوى وأعظم دولة في العالم، على أن يُنفذ أحد أهم الوعود التي كان قد أخذها على نفسه خلال موسم انتخابات الرئاسة الأمريكية، وهو حل القضية الإسرائيلية - الفلسطينية. وقد رأى منذ البداية أنه من الأفضل أن يُمهِّد لذلك بإجبار الحكومة الإسرائيلية على وقف بناء المستوطنات داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وقفاً تامًّا. وقصة إرساله مبعوثاً خاصاً إلى الشرق الأوسط من أجل إتمام تلك المهمة الصعبة معروفة للجميع، بما في ذلك نتائجها المُخيبة للآمال. وكان من سوء حظ الرئيس أوباما الذي كان يشتعل حماساً ويتحدث دُرراً ويأتي بالوعود جزافاً، أن قدر الله تولي الحكومة الصهيونية في فلسطين طغمة من اليهود اليمينيين المتطرفين، بقيادة بنيامين نتنياهو، الذين ما إن تمسكوا بسلطة الحُكم حتى أظهروا وجهاً أكثر قبحا من أي وجه قبيح سبقهم في السلطة، وأنكروا أن يكون لغيرهم حق في أي بقعة من الأراضي المقدسة. وتغافلوا عن مضمون المواثيق الدولية التي عادة تحكم علاقة المحتل بأرض ومواطني الأراضي المحتلة. ولم يعترفوا ولا بالمعاهدات والمواثيق التي سبق أن أبرمت بين السلطة الفلسطينية والحكومات المتعاقبة في إسرائيل خلال السنوات الماضية. وهذا هو ديدن اليهود عبر العصور، نقض العهود وإنكار الحق وعدم الاعتراف بالجميل. وعند ما ذهب بنيامين نتنياهو أخيرا إلى واشنطن لمقابلة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، اتجه أولاً إلى مجموعات ومنظمات الضغط الصهيونية التي يُطلق عليها ''إيباك'' ليستنهض هممهم ضد السياسة الجديدة للحكومة الأمريكية من أجل إقناعها بالتخلي عن خططها التي ترمي إلى إجبار الحكومة الإسرائيلية على تجميد، وليس إلغاء، قرارات توسيع المستوطنات اليهودية في وسط الأراضي المحتلة. وتمت المسرحية كما خُطِّط لها، مع ما صاحبها من تهويل إعلامي وتصفيق مُتكرر أثناء عرض نتنياهو لسياسته الاستيطانية، وافتعاله إظهار ابتسامته البلهاء. وكان ذلك مباشرة عقب انتصار الرئيس باراك أوباما التاريخي في مجلس النواب الذي صادق بعد لأي على النظام الصحي الجديد، وهو أمر لم يستطع أي رئيس قبله إنجازه منذ أكثر من 100 عام. والفضل في ذلك يعود إلى الله ثم مساندة أغلب آلات الضغط اليهودية التي كانت تُحاول أن تُقلل من تشويه سمعة الرئيس أوباما الذي لا يُريد أن يُؤزِّم الموقف مع نتنياهو. وربما أيضا أن ذلك التأييد غير المُتوقع لأوباما من جماعات الضغط اليهودية سيُضيف إلى رصيدهم عند الرئيس حول تصرفه في المستقبل تجاه القضية الفلسطينية برمتها، وإجباره على تحويل الأنظار إلى موضوع الخطر الإيراني المزعوم على الدولة الصهيونية، بدلاً من التركيز على المسألة الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، شاهد العالم وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون وهي أيضا تُلقي خطاباً في محفل منظمة الإيباك مرَّغت فيه الكرامة الأمريكية وكأنها تتوسل إلى تلك المنظمات اليهودية أن تصفح عن الحكومة الأمريكية لإصرارها على توقيف بناء المستوطنات ولو لعدة أشهر. ومما قالته في خطابها، أن ما حدث من سوء تفاهم بينها وبين نتنياهو لا يعدو عن كونه، ما معناه، سحابة صيف ستزول. وشددت على قوة الروابط بين البلدين وأهمية البقاء على أمن إسرائيل، وأن إسرائيل هي الحليفة الأولى لأمريكا من بين جميع الدول، وأنها تحمي المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. وهذا أمر مُضحك، بل يجلب لك الغثيان، فنحن لا نعلم أي دور لإسرائيل يتعلق بحماية مصالح أمريكا، إلا إذا كان إغضاب العرب والاستخفاف بقضاياهم والتعدي على أراضيهم واغتصاب ثرواتهم تدخُّل في مصالح الولايات المتحدة وتريد أن تُشغلنا عن هذه القضايا بتهديدنا بعنجهية الدولة الصهيونية، فهذا موضوع آخر. ونحسب أن العكس هو الصحيح، فوجود إسرائيل واحتلالها الأراضي العربية وطردها شعب فلسطين بمساندة وبتأييد مالي وسياسي ومعنوي من الولايات المتحدة خلال الـ 60 عاماً الماضية هو الذي أساء إلى العلاقات الأمريكية العربية، والعقلاء منهم يُدركون ذلك. وليس سرًّا ولا من باب المبالغة إذا قلنا إن منظمة إيباك الصهيونية هي التي تحكم السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، ومن العبث أن نتوقع تغييراً جوهرياًّ في سياسة الرئيس أوباما تجاه إسرائيل تختلف عن سيئ الذكر سلفه.
والمؤسف أننا في الوقت الذي بدأنا خلاله نسمع ونشاهد بوادر تحوِّلٍ في الرأي العام العالمي ضد السياسات الإجرامية للحكومة الإسرائيلية في فلسطين، لا نجد على الإطلاق حضوراً لصاحب القضية الشعب الفلسطيني. وما هو موجود اليوم على الساحة الفلسطينية وما نسمعه من تصريحات من مسؤولين لا يعدو عن كونه ثرثرة في إسطوانة مشروخة، وهي إعادة لكلمات رنانة يُطلقها شخصان أو ثلاثة من بقايا الرعيل البائد ولم تعد تُجدي شيئاً، فقد عفا عليها الزمن. وهذا ما شجع الحكومة الإسرائيلية بزعامة نتنياهو وحزبه المتطرف على اغتنام الفرصة لمسح المعالم الفلسطينية وبناء آلاف الوحدات السكنية للمستوطنين قبل أن يصحو الشعب الفلسطيني من غفوته وسباته العميق. ولا أمل في حدوث ذلك إلا بظهور قيادة جديدة مُوحدة، ليس عن طريق خُرافة التهادن والمصالحة بين الفصائل المختلفة، بل بواسطة استفتاء عام لاختيار قائد للمسيرة الجديدة تُشرف عليه الدول العربية والدول الصديقة مثل تركيا. فالدول الأوروبية بدأت تتذمر من السياسات والممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، وتحديها السافر لكل منطق عقلاني وسليم. ويُلاحظ المرء في الآونة الأخيرة ظهور أصوات من قلب أمريكا، وإن كانت لا تزال قليلة، تُندد بالتأييد المطلق من قِبل الحكومة الأمريكية لكل ما تفعله إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني وما تُغدق عليها من المساعدات، ويُطالبون حكومتهم بأن تنتهج سياسة مُتوازنة وأكثر عدلا من الانحياز الكامل للدولة اليهودية. وقد أسهم الإنترنت في نقل ونشر بعض الآراء والأفكار التي لم يكن لها في الماضي مجالاً لسماعها.
والمُحيِّر اليوم هو الركض وراء إجراء مُحادثات ثُنائية، مباشرة أو غير مباشرة، بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية الضعيفة تحت مظلة أمريكية مغلوبة على أمرها. ولا ندري على أي شيء تكون المفاوضات، إذا كانت القدس مُستثناة والأراضي المحتلة تعج بالمستوطنات والعودة لا مكان لها والحكومة الفلسطينية دون حدود ولا قوة أمنية!! أليس من الواضح حتى لأبسط العقول أن الحكومة الإسرائيلية الحالية لا تُريد أن تتنازل عن أي شيء تحت سلطتها على الإطلاق؟ وهي الآن تنعم بأفضل الأحوال منذ تاريخ النكبة الكبرى، ووضع الطرف الآخر يتدهور ويعيش دون راع يحفظ توازنه ويُعدَّه لخوض معركة لا محال قادمة. ولتكن المعركة سياسية أو بسلاح الحجارة الذي يُتقنه الشباب الفلسطيني ويكشف عورة الحكومة الصهيونية، كما فعل منذ سنوات وجلب لليهود الجنون. أما الذين يُصدقون مزاعم نتنياهو بأنه يدعو الفلسطينيين إلى الجلوس على مائدة المفاوضات، فهم إما أغبياء وإما لهم مصالح شخصية. نتنياهو لن يُفاوض بجدية إلا إذا مُرِّغ رأسُه في التراب، وهذا لن يحدث تحت الظروف الحالية، الدولية والمحلية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي