المقاول وثقافة الحماية أو التحوط المبكر
دائما عند تعثر أو تأخر أي مشروع حكومي سواء كان صغيراً أو كبيراً، نجد أن أسهم الاتهام بالتقصير والإخفاق تتجه تلقائياً نحو المقاول المنفذ للمشروع، ووصفه بأبشع الصفات، ومدى عدم تحمله للمسؤولية التي أوقعها هو على عاتقه، وغيرها من الاتهامات، التي تجر له الخسارة، وعدم الدخول في مشاريع أخرى على المستوى الحكومي.
ولو بحثنا هذا الجانب من عدة جهات، وبطرق واقعية وعملية، لوجدنا أن هذا المقاول قد غلب على أمره في جملة من المعطيات، فمثلا لا تراعي الجهات الرسمية في عقودها الجانب السعري للمواد المستخدمة في المشروع على مختلف أنواعها، كما أنها لا تراعي أيضا شح الأسواق أحيانا من مواد يحتاجها المقاولون في مشاريعهم، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى خسارته وعدم الوفاء بتاريخ التسليم الذي حدد للانتهاء من المشروع، وبالتالي هو غير كفء لما أسند إليه.
إن المتتبع لطريقة تعامل شركة أرامكو السعودية مع مقاوليها، يجد أن ذات المقاول الذي يتعامل معها يتعامل أو ينفذ مشاريع حكومية أيضا، وذات المقاول هو الذي خسر مع المشاريع الحكومية ولم يستطع بالوفاء، وربح مع شركة أرامكو السعودية ولم يخل بالتزامه في التسليم، فالسؤال هنا أين مكمن الخلل؟ هل هو في المقاول؟ أم في العقود التي أبرمها مع الجهات الحكومية لتنفيذ مشاريعها؟
الإجابة بسيطة جداً.. فهي بكل شفافية جراء تلك العقود الحكومية التي مضى عليها عدة عقود، ولم تراع التغيرات الاقتصادية، والأبعاد السعرية للسلع وتقلباتها، فهي لا تهتم إن ارتفعت سلعة معينة أو شحت في الأسواق المهم هو التنفيذ فقط، أما شركة أرامكو السعودية فتتبع نظماً محاسبية متطورة وكثيرة منها، حساب التكلفة والعمل والمواد والعمالة حسب المتغير الذي تعيشه، بعد إضافة نسبة أخيرة للربح، أي أنها تتماشى مع المتغيرات ولا تتجاهلها، فالمقاول لديها يقدم الفواتير شاملة وفي وقتها، تتضمن أسعار السلع والعمالة سواء ارتفعت أو بقيت على ما هي عليه، ويضمن في نهاية الأمر ربحه في المناقصة التي رست عليه من الشركة، وبالتالي يطمح لتنفيذ مناقصة أخرى لدى هذه الشركة.
ومن هنا يجب على الحكومة العمل على استقراء الطرق التي تأخذ في الاعتبار المتغيرات خلال بناء هذه العقود.. وفي حال استمرت العقود الحكومية كما هي عليه، فانه لابد أن يثقف المقاولون بثقافة الحماية أو التحوط المبكر عند تقدمهم للمناقصات، والتي تتمثل في شراء مشتقات مالية عن طريق البنوك، تؤمن لهم الحماية والتحوط ،حال ارتفاع الأسعار أو شح السلع في الأسواق إن وجد، حيث يستطيع المقاول من خلال هذه الثقافة، أن يخرج من مظلة الخسارة، أو الانتقاد، أو توجيه اللوم له.