الحوار مع إيران
لا شك أن إيران دولة جارة للعالم العربي تربطنا بها أواصر الدين الواحد وإن اختلفنا مذهبيا، ولا شك أيضاً أن من مصلحة إيران أولاً ثم العالم العربي ثانياً بناء علاقات تقوم على التعاون والتكامل بينهما سياسياً واقتصادياً لمواجهة أطماع خارجية في منطقتنا وثرواتها، إلا أن المؤسف أن علاقات إيران العربية كانت دوما وعبر التاريخ وخصوصا الحديث منه تفتقد حسن النوايا من قبل إيران وليس العرب، ولو قمنا برصد لهذه العلاقات منذ عهد الشاه ومن ثم عهد الثورة الإيرانية وحتى اليوم لوجدناها قائمة على ممارسة إيران لسياسات لا تساعد على بناء ثقة جوارها العربي بها، ففي عهد الشاه أقامت علاقات تعاون وثيق مع كيان العدو الصهيوني على حساب الحقوق العربية، وقامت باحتلال الجزر العربية الثلاث التابعة للإمارات، وحين جاءت الثورة، التي يحسب لها قطع كافة العلاقات مع الكيان الصهيوني، إلا أنها بدأت عهدها بتهديد أمن الدول العربية والخليجية تحديداً بتبنيها آنذاك مبدأ «تصدير الثورة»، وفي الوقت الحالي ها هي تستغل كل نقاط الضعف العربي بانتهازية واضحة لا توفر أجواء بناء ثقة مع جوارها العربي، وخير مثال عليه محاولاتها لسلخ العراق من عروبته وإلحاقه بإيران.
هذه السياسات الإيرانية التي لا يمكن وصفها على أقل تقدير إلا بالانتهازية، هي التي أوجدت شعورا عربيا عاما بعدم الثقة بصدق النوايا الإيرانية، ولهذا السبب لم يجد اقتراح الأمين العام للجامعة العربية في القمة بإقامة حوار عربي - إيراني قبولاً واسعاً عربياً، فالاقتراح وإن كان جيداً وإيجابياً، إلا أن المناخ العام للعلاقات العربية - الإيرانية لا يتوافر حالياً، وفي ظل سياسات إيرانية لا تساعد على بناء ثقة في أي حوار، المعطيات لإقامته ونجاحه، وهذا ما أشار إليه الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية، وقد كان محقاً في ذلك، فالحوار بحد ذاته ليس مرفوضاً، ولكن لم يحن وقته، وهو ما يدفع للتساؤل متى إذن يحين وقته..؟
الجواب في اعتقادي لدى إيران وفي يدها وحدها، فعليها أن تقرر أحد موقفين، إما أن تسعى لبناء علاقات صحية واضحة مع العالم العربي، وهو ما يتطلب منها إجراء مراجعة معمقة وموضوعية لسياساتها الخفية والمعلنة حيال جوارها العربي، وترجمة ذلك في مواقف عملية برفع يدها تماماً عن العراق، وقبول فض النزاع حول الجزر العربية الثلاث من خلال محكمة العدل الدولية، وعدم تدخلها في الشؤون العربية الداخلية مذهبياً، وإما أن تستمر في سياساتها الانتهازية الحالية، وعندها سوف تفقد موقفا عربيا إيجابيا لصالحها حتى الآن وهي تخوض صداما خطرا حول برنامجها النووي المتهم بأنه لأغراض عسكرية، وسوف تجد نفسها في عزلة إقليمية تحتاج للخروج منها لعلاقات عربية وإقليمية إيجابية حتما، وليس لعنتريات عسكرية فيها مخاطرة غير محسوبة.
هذا الجمود الذي يلف العلاقات الإيرانية - العربية، كما بدأ جليا في موقف القمة من الحوار معها، يمكن الخروج منه من خلال تحرك الأطراف العربية التي لها علاقات حميمة مع إيران، وهذا في تصوري دورها المطلوب، فعلى هذه الأطراف وتحديدا سورية أن تبادر بإقامة حوار تمهيدي مع إيران تنقل فيه إليها المآخذ العربية عليها، وتسعى من خلاله لإقناع إيران إن أرادت حوارا جاداً مع العرب يقوم على التكامل والتعاون، أن تغير من استراتيجيتها القائمة على موروثات تاريخية ومذهبية وأطماع آنية لا تستقيم مع متطلبات سياسية جديدة ترتكز إلى مصالح مشتركة، وتلغي سياسات الاستغلال السياسي السلبي والانتهازية الواضحة لأحلام استعادة أمجاد إمبراطورية تعداها الزمن وطواها، وتتبنى سياسات جديدة تبني من خلالها جسورا من الثقة والتعاون مع العالم العربي، كما تفعل تركيا اليوم بنظرة مستقبلية لا ماضوية.
نعود لنقول إن قيام علاقات تعاون بين العالم العربي وجواره مصلحة إقليمية، ومن ذلك تحديدا مع إيران، إلا أن مشكلتها منذ عهد الشاه وحتى اليوم أن سياساتها لا تخدم بناء مثل هذه العلاقة، والتجارب والمحاولات القريبة العهد لم تكن مشجعة. نتمنى حقيقة أن تفكر إيران تفكيراً عقلانياً وواقعياً، وأن تدرك أن جوارها العربي من القيمة السياسية والجغرافية والاقتصادية بما لا يجعله لقمة سائغة في فم دولة إقليمية حتى ولو كانت لها أنياب نووية.