رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


مشروع عملاق في زمن عملاق

قبل ما يقارب السنة كان المكان أرضاً خالية تذروها الرياح وتحرك رملها ذات اليمين وذات الشمال, صحيح أنها في شمال الرياض, وفي موقع مميز حيث تحيط بها الشوارع الرئيسية والطرق السريعة, لكن لم يتوقع المرء أن يحدث لها ما حدث من تغير, وبهذه السرعة المذهلة. المعدات الثقيلة والرافعات بدأت تغزو المكان وتعمل فيه عملها حتى تحول المكان إلى ورشة عمل صاخبة, ليل نهار, وعلى مدار الساعة, ثم ما لبث الناس أن بدأوا يشاهدون المباني تظهر شيئاً فشيئاً وكأنها أشجار تنمو بفعل المياه والتربة الخصبة, لكن نمو هذه المباني أسرع حيث يشاهد المرء النمو السريع والتغير في كل يوم وبلا مبالغة في الأمر.
مشروع عملاق وفي زمن عملاق من تاريخ وطننا, أبراج وعمائر بمحاذاة الدائري الشمالي وبين طريق الملك فهد وشارع التخصصي, إنه مركز الملك عبد الله المالي الذي بدأت أبراجه تعانق السماء نظراً لسرعة الإنجاز وكفاءة الشركات القائمة على تنفيذه, هذا المشروع العملاق لا شك أنه سيمثل حين اكتماله واجهة حضارية كبرى في العاصمة الرياض, لكن الأمر في ظني يحتاج إلى مزيد من الأضواء على نوع النشاطات التي ستتم في هذا المركز, لا يكفي أن نقول إنه أحد المرافق المالية والاقتصادية, بل الأمر يتطلب كشف التفاصيل بشأن ما سيتم وكيف سيتم؟ كلما مررت بجانبه أتساءل: هل يا ترى سيكون هذا المركز على شاكلة بورصة نيويورك للبضائع وبورصة طوكيو وغيرهما من البورصات العالمية؟ وهل سيكون مركز تسوق كغيره من المراكز التجارية المترامية في الرياض وغيرها من مدن المملكة؟ أم أنه سيكون ملتقى ممثلي الشركات العالمية والمحلية حيث تعقد الصفقات التجارية؟ أم أنه سيكون مركزاً للشركات والبنوك العملاقة الموجودة في السوق المحلية حالياً, وما يمكن أن يفد من خارج الحدود, أو يتم إنشاؤه؟ تساؤلات عدة أملتها علي, وربما على غيري, قلة المعلومات بشأن مركز الملك عبد الله المالي الذي لا شك أنه سيكون أحد الروافد الاقتصادية الكبيرة في الوطن.
من أجل الاستفادة القصوى من هذا المشروع الضخم, ومن أجل إعطاء الفرصة لأكبر عدد ممكن من المواطنين للاستفادة من هذا المركز والأنشطة التي ستعقد, وتتم فيه, ومن خلاله, أعتقد أن الأمر يتطلب مزيدا من المعلومات من قبل وسائل الإعلام, وبالذات الصحافة, ولعل جريدة «الاقتصادية» تقوم بهذا الدور بحكم التخصص, وذلك بتوعية المواطنين بالأنشطة التي سيضطلع بها المركز, والأنظمة التي ستحكمها, وإذا ما كان المركز سيركز على الأنشطة الكبيرة سواء كانت مالية أم تجارية, أم أنه سيتاح للأنشطة المتوسطة والصغيرة؟ وهل سيكون مقراً للشركات وملتقى لأعضاء الوفود المالية, والتجارية والصناعية مع نظرائهم من أبناء الوطن, وإذا ما كان سيصدر من المركز مجلة أو نشرة تعنى بالأنشطة الاقتصادية, والتجارية التي تجري في المركز؟
بقي أن أقول إن قلة المعلومات بشأن مركز الملك عبد الله المالي أعطتني الفرصة لأطلق العنان لعقلي للتفكير في عدة أمور وأنشطة ربما ليس لها علاقة بأنشطة المركز المرسومة, ذلك أنني حتى هذه اللحظة لا أرى إلا الجانب المادي من المشروع الضخم, وهذا يمثل أحد أسس البنية التحتية التي لا بد من الاهتمام بشقها الآخر ألا وهو الإنسان القادر على العمل في المشروع بكفاءة عالية, ولذا أرى أن مثل هذا المركز من الممكن أن تعقد فيه الندوات والمؤتمرات ذات الطابع الاقتصادي, كما أتوقع أن يسهم في تقليل نسبة البطالة التي وصلت إلى 9 في المائة, لكن هذا يتطلب وعياً من قبل المواطنين بشأن الأنشطة المستقبلية لهذا المركز, كما يتطلب إعداداً وتهيئة لمن سيعملون في المركز من إداريين, وأفراد أمن, وصيانة, وفنيين, ومتخصصي اتصالات, وتدريب على الأعمال التجارية, والاقتصادية. إن جميع الجهات المعنية بالمركز سواء مصلحة التقاعد أو هيئة سوق المال أو الغرفة التجارية والصناعية أو وزارة المالية أو وزارة التجارة والصناعة ووزارة العمل, أو أي جهة أخرى, مطالبة بإعداد خطة عمل يتم بموجبها إعداد الكوادر الوطنية القادرة على العمل في هذا المرفق العملاق حتى لا يجد المواطنون أنفسهم على الهامش, خاصة أنهم سيجدون منافسة شرسة من أفراد لديهم الخبرة والمعرفة والمال والعلاقات, وفي هذا إضعاف لدور المواطن وإسهام في إبقائه في هامش الفقر, وتكريس للثروات في أيد قليلة, وهذا ما حذر منه القرآن حيث وجه بضرورة تجنب أن يكون المال دولة بين الأغنياء فقط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي