إصدار العملة النقدية بعد 10 سنوات .. هل يعد مبالغة في الحذر؟
لا بأس أن تأتي تصريحات المسؤولين الخليجيين حذرة هذه المرة فيما يخص تحديد موعد إطلاق العملة الخليجية الموحدة، حيث خضعت البرامج الزمنية لإطلاق المشاريع الوحدوية الخليجية، وما زالت، لعديد من الامتحانات، بدءا بتكرار تأجيل تفعيل الاتحاد الجمركي الموحد، وتفعيل قيام السوق الخليجية المشتركة، وانتهاء بالاتحاد النقدي.
لكن مراقبين يتساءلون على هامش تصريحات وزير الخارجية الكويتي الشيخ محمد السالم الصباح بأن تبني عملة خليجية موحدة قد يستغرق ما يصل إلى عشر سنوات، هل هذه التصريحات تأخذ جانب الحذر في ضوء التجارب المشاريع الخليجية السابقة أم أنها حقا تمثل الواقع؟
البيان الذي صدر في ختام الاجتماع الأول لمجلس النقد الخليجي، الذي اختار الدكتور محمد الجاسر رئيس مؤسسة النقد العربي السعودي رئيسا له، أكد أن المجلس ما هو إلا اللبنة الأساسية لإنشاء البنك المركزي لدول الاتحاد النقدي وإصدار العملة الموحدة، ويأتي في الوقت نفسه مكملاً لما سبقه من خطوات مهمة في مجال التعاون الاقتصادي المشترك بين دول مجلس التعاون.
لذلك، فإن أمام المجلس كثيرا من المهام المتمثلة في استكمال البناء المؤسسي والتنظيمي لأعمال المجلس النقدي، وتنفيذ المهام الرئيسية للمجلس النقدي التي حددها نظامه الأساسي، ومن أبرزها تهيئة وتنسيق السياسات النقدية واستمرار تطوير الأنظمة الإحصائية وتهيئة نظام المدفوعات والتسويات. وكذلك استكمال الجهاز التنفيذي للمجلس، وإعداد اللوائح المالية والإدارية والموازنة التشغيلية للمجلس للسنة المالية الحالية.
وأوضح الدكتور محمد الجاسر في كلمته خلال الاجتماع، أن انطلاقة المجلس النقدي تأتي في الوقت الذي يشهد فيه العالم أخطر أزمة مالية يمر بها منذ نحو 80 عاماً، مسببة آثاراً سلبية في النمو الاقتصادي في كثير من الدول، معتبراً أن تحقيق ما نطمح إليه يحتاج إلى مضاعفة الجهود من الجميع والتركيز على العمل لتشعب متطلبات الاتحاد النقدي وتعدد مساراته وضرورة العمل على تنسيق السياسات النقدية، وزيادة التناغم بين البيانات الإحصائية ومواصلة العمل على تعزيز الإشراف المصرفي وربط أنظمة المدفوعات، مؤكداً أن ذلك لا يقل أهمية عن استكمال الجوانب القانونية وتطوير الجوانب الإدارية.
وحذر المواطنين والمعنيين جميعاً من الوقوع في فخ المبالغة في التوقعات، مشيراً إلى أن الاتحاد النقدي والعملة الموحدة سيحققان تناسقاً في السياسات النقدية وقدرة مقارنة الأسعار وسهولة وشفافية التعامل المالي بين مواطني دول المجلس والمقيمين فيها، ولكنها لن تحل المشكلات الاقتصادية الأخرى التي يجب التصدي لها عبر القنوات الاقتصادية الأخرى التي لا تقع ضمن مسؤوليات وصلاحيات المجلس النقدي أو البنك المركزي مستقبلاً.
ويرى محللون أنه بالنظر إلى تجربة الوحدة النقدية الأوروبية، فقد تم تأسيس البنك الأوروبي الموحد الذي تولى منذ البدء تقريب وتنسيق وتوحيد السياسات النقدية والمالية الأوروبية، وبعد ذلك بثماني سنوات تم توحيد العملة الأوروبية (اليورو). ولذلك فقد كان من المفترض التوصل إلى تأسيس مجلس النقد الخليجي قبل ثماني سنوات على الأقل لو كان يراد للوحدة النقدية الخليجية الانطلاق عام 2010.
ولتأكيد حجم المهام الملقاة على عاتق مجلس النقد الخليجي، أوضحت دراسة مصرفية أن قيام ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺨﻠﻴﺠﻲ تعد الخطوة الأولى ﻧﺤﻮ إﻧﺸﺎء اﻟﺒﻨﻚ اﻟﻤﺮكزي اﻟﺨﻠﻴﺠﻲ. وبينت الدارسة التي أعدها بنك الكويت الوطني أن ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻨﻘﺪ الخليجي ﻗﺪ ﻳﺘﺮكز دوره في البداية ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺤﻀﻴﺮات اﻟﻔﻨﻴﺔ وﺗﺤﺴﻴﻦ ﺁﻟﻴﺔ اﻟﺘﻨﺴﻴﻖ، وﻋﻠﻰ اﻷرﺟﺢ، ﻓﺈن ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻨﻘﺪ اﻟﺨﻠﻴﺠﻲ ﺳﻴﻤﺎرس ﻣﻬﺎﻣﻪ ﺑﺎﻟﻤﻮازاة ﻣﻊ اﻟﺒﻨﻮك اﻟﻤﺮكزﻳﺔ ﻟﺪول اﻟﺨﻠﻴﺞ، إﻻ أﻧﻪ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ذاﺗﻪ ﻟﻦ ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﺴﻠﻄﺔ رﺳﻤﻴﺔ أو رﺑﻤﺎ ﺑﺴﻠﻄﺔ ﻣﺤﺪودة ﺟﺪاً ﻓﻲ إدارة اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ، ﺣﻴﺚ ﺳﻴﻨﺤﺼﺮ دوره في اﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﻟﻰ ﻓﻲ ﺗﺤﺴﻴﻦ ﺁﻟﻴﺔ اﻟﺘﻨﺴﻴﻖ ﺑﻴﻦ دول اﻟﺨﻠﻴﺞ، وﺗﺸﺠﻴﻊ ﻋﻤﻠﻴﺔ اﻟﺘﻘﺎرب ﻣﺎ ﺑﻴﻦ اﻷﻧﻈﻤﺔ اﻟﻤﺎﻟﻴﺔ، إﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ اﻟﻘﻴﺎم ﺑﺎﻟﺘﺤﻀﻴﺮات اﻟﻔﻨﻴﺔ اﻟﻼزﻣﺔ ﻹﺻﺪار اﻟﻌﻤﻠﺔ اﻟﻤﻮﺣـــﺪة، وﺗﻮﻓــــﻴﺮ ﺑﻴﺎﻧــــﺎت اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ وﻣﺎﻟﻴﺔ ﻣﺘﺠﺎﻧﺴﺔ ﻋﻦ دول اﻟﻤﺠﻠﺲ ﺑﺎﺳﺘﺨﺪام ﻣﻨﻬﺠﻴﺔ اﺣﺘﺴﺎب ﻣﻮﺣﺪة.
وتتكون اتفاقية تأسيس المجلس النقدي الخليجي الذي أقره قادة دول المجلس في قمتهم في مسقط من 20 مادة، إذ أقروا إنشاء المجلس النقدي الذي يمارس مهامه إلى حين قيام البنك المركزي الخليجي الـذي سيحل بصفة تلقائية محل المجلس النقدي فـور الانـتـهـاء مـن الإجــــراءات المتعلقة بإنشاء البنك المركزي.
ويهدف المجلس النقدي بصفة أساسية إلى تهيئة وتجهيز البنى الأساسية المطلوبة لقيام الاتحاد النقدي، وعلى الأخص إنشاء البنك المركزي وإرسـاء قدراته التحليلية والتشغيلية. وتشمل المهام المنوطة بالمجلس تعزيز التعاون بين البنوك المركزية الوطنية لتهيئة الظروف اللازمة لقيام الاتحاد النقدي، وتهيئة وتنسيق السياسات النقدية وسـيـاسـات أسـعـار الـصـرف الوطنية إلـى حين إنـشـاء البنك المركزي، ومتابعة الالتزام بحظر إقراض البنوك المركزية الوطنية الجهات العامة في الدول الأعضاء، ووضع القواعد اللازمة لتنفيذ ذلك، ثم يحدد الإطار القانوني والتنظيمي واللوجستي اللازم لقيام البنك المركزي بمهامه بـالـتـعـاون مـع الـبـنـوك الـمـركـزيـة الـوطـنـيـة، حـيـث يـتـم تـطـويـر الأنظمة الإحصائية للبنك المركزي لتمكينه من القيام بمهامه، والإعداد لإصدار أوراق النقد والمسكوكات النقدية للعملة الموحدة، والعمل على وضع وتطوير إطـــار عمل إصـدارهـا وتـداولـهـا فـي منطقة العملة الموحدة، حيث يتم التأكد من جاهزية نظم المدفوعات ونظم تسويتها للتعامل مع العملة الموحدة.
وفي مجال الرقابة سيتم الإعداد لدور البنك المركزي في مجال الرقابة على المؤسسات المالية، ومتابعة وفاء الدول الأعضاء بالتزاماتها تجاه الاتحاد النقدي وإصدار العملة الموحدة وتحديدا فيما يتعلق بمعايير تـقـارب الأداء الاقـتـصـادي، والتوصية بشأن التشريعات اللازمة لقيام الاتحاد النقدي وإنشاء البنك المركزي وإصدار العملة الموحدة.
وتلتزم الدول الأعضاء بالتشاور مع المجلس النقدي فيما يتعلق بأي تشريع مقترح يتعلق بالاتحاد النقدي، وتتألف العضوية في المجلس النقدي من البنوك المركزية الوطنية، ويحظر على المجلس النقدي وعلى أي عضو من أعضاء مجلس إدارته وجهازه التنفيذي تلقي أي تعليمات أو توجيهات من أي من أجهزة مجلس التعاون أو حكومات الدول الأعضاء أو من الغير، من شأنها التأثير في أداء واجباتهم ومهامهم الموكلة إليهم بموجب الاتفاقية.
ويؤكد محللون أن رﺳﻢ إﻃﺎر اﻟﺴﻴﺎﺳﺔ اﻟﻨﻘﺪﻳﺔ اﻟﻤﻮﺣﺪة ﻗﺪ ﻳﻼﻗﻲ ﺗﺤﺪﻳﺎت أكبر ﻣﻦ إﻧﺸﺎء ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻨﻘﺪ وﻣﻦ وﺟﻬﺔ ﻧﻈﺮ اﻟﺠﻬﺎز اﻟﻤﺎﻟﻲ، وتطول نقاط الحوار التشريعات اللازمة في المجال النقدي، وصلاحيات البنك المركزي الخليجي، وإنشاء هيئة قضائية كإحدى منظمات مجلس التعاون تسمى ''محكمة الاتحاد النقدي''.
كما ستزيد لائحة المهام والتعقيدات بصورة أكبر أيضا إذا ما نظرنا إلى مؤشرات التقارب نظرة بعيدة المدى. وكانت معايير الوحدة النقدية الخليجية المتفق عليها تتمثل في الآتي: ألا تتجاوز نسبة العجز في الموازنة 3 في المائة، وألا تتجاوز نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي 60 في المائة، إلى جانب عدم تجاوز نسبة التضخم 2 في المائة، كذلك تبرز قضية التضخم كتحد آخر أمام تفعيل أداء السوق الخليجية المشتركة، ويرتبط التضخم في الخليج بمؤثرات محلية وخارجية، تتمثل الأخيرة في الربط بالدولار المتراجع واضطرار مصارف المنطقة المركزية خفض فوائدها تماشيا مع قرارات الاحتياطي المركزي الأمريكي.
ويضيف خبراء حتى في حالة إمكانية تحقيق معايير التوصل في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، فإن إضفاء الاستقرار طويل الأجل على هذه الوحدة يتطلب إعادة النظر في بعض معايير الوحدة النقدية المشتقة من التجربة الأوروبية نظرا لاختلاف الأوضاع والهياكل الاقتصادية للبلدان في كلتا المجموعتين. ففي حالة الدول الخليجية الست، فإن الاستقرار طويل الأجل للوحدة النقدية سوف يعتمد على ثلاثة عوامل رئيسية، أولا الانخفاض التدريجي في الإيرادات النفطية، حيث من المعروف أن ثلاث دول خليجية هي البحرين وقطر وسلطنة عمان يتوقع نضوب مواردها النفطية خلال العقود المقبلة .. غير أنه في حالة قطر سوف تعوض ذلك عن طريق إنتاج الغاز الذي يتوقع أن تكفي احتياطياته لمدة 300 سنة وفقا لمعدلات الاستهلاك الحالية. وثانيا عملية التنويع الاقتصادي وخفض الاعتماد الكبير على الإيرادات النفطية، حيث يلاحظ هنا أيضا تفاوت درجة نجاح الدول الست في تحقيق هذا الهدف. وثالثا، الضغوط المتعلقة بالنمو السكاني وأسواق العمل، حيث تعاني بعض الدول الخليجية من ضغوط حادة فيما يخص توفير فرص العمل للمواطنين بينما لا تزال هذه الضغوط في بدايتها في دول أخرى. وتبلغ نسبة المواطنين الخليجيين ما دون سن العشرين نحو 50 في المائة من السكان، بينما يتوقع نمو حجم القوى العاملة بنسبة 3 في المائة حتى عام 2020. لذلك، فإن معدلات البطالة في بعض هذه الدولة بدأت منذ الآن بالارتفاع إلى مستويات مقلقة. ونظرا لهذه الأوضاع، فإن دول الخليج الست سوف تواجه تحدي التعويض عن الإيرادات النفطية في أزمنة متفاوتة بعضها خلال 20 عاما والبعض الآخر مثل دولة الإمارات خلال 100 عام. كما أن زيادة مساهمة العمالة الوطنية في القوى العاملة سوف يكون له مردود إيجابي على الاقتصاد ككل، إلا أنه سيقلص من مرونة تكيف هذه الأسواق من حيث الأجور في حالة تراجع النشاط الاقتصادي. كما أن معدلات الصرف سوف تتأثر بدورها من هذه الفروق في الأداء الاقتصادي.
ونتيجة لهذه المعطيات، توضح الدراسة أن معايير الوحدة النقدية الأوروبية غير دقيقة في حالة الدول الخليجية الست، وخاصة معيار نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي الذي يفترض ألا يتجاوز نسبة 60 في المائة.
لذلك، تقترح الدراسة أن يتم تبني معايير مالية للوحدة النقدية تمثل بشكل أدق العوامل الأساسية المتحكمة في استقرار الأوضاع المالية في دول التعاون الست، وتساعدها في المحصلة النهائية على الاستعداد التدريجي لمرحلة نضوب النفط والإيرادات المتأتية منه.