الإعلام والصحة لم يخدما التوعية الصحية بعد (1 من 2)

من المعروف أن استخدام وسائل الإعلام اليوم بهدف الانتشار والانبهار، وإيصال الرسائل بين الصغار والكبار، ليعتبر أفضل أسلوب عرفه بشر في نقل المعلومات والتأثير في المجتمعات. عند الإعلاميين كل المجالات المتعلقة بخدمات المجتمع تتساوى في الأهمية، ولكن إذا ما طغى ظرف مؤثر في حياة المجتمع ليصبح هاجسا مقلقا أمنيا أو ماليا أو صحيا، فإن الحدث سيبقى محور الاهتمام شاغلا الناس بجميع فئاتهم إلى أن ينجلي بأي من الأسباب المتعددة الممكن ذكرها في موقع آخر. هذه العلاقة لا تشعر أفراد المجتمع بوجود أي تناغم في الجهود أو تحسن في أداء البرامج، أو ما يثبت نجاح أي نشاط صحي توعوي عاما كان أو على مستوى المناطق. هذا لأن الأمر برمته بدأ دون التأكيد على وجود استراتيجية وطنية وخطط تنفيذية لرفع مستوى الوعي الصحي بين أفراد المجتمع. كما أن الدراسات التي تؤكد النتائج وتقيس مستوى الإدراك والاستيعاب لا تجد مساحات منظمة ومؤقتة لنشر ما يشد اهتمام الفرد ويجعله يعي حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه تجاه مجتمعه ووطنه في هذا الموضوع أو ذاك.
لو أردنا أن نناقش أمثلة من العالم لنتعلم منها كيفية تناول الأوضاع الصحية، لكنا وضعنا أمريكا وكندا وبريطانيا وألمانيا والسويد في أعلى القائمة. ولو واجهنا نقدا لاذعا لأننا لا ننفك نقارن أنفسنا بهم والفرق واضح بيننا وبينهم. ولكن ماذا لو كانت الأمثلة آسيوية وحددناها بأستراليا ونيوزيلندا والهند والصين وغيرها من الدول؟. هل هذه أيضا مختلفة ولا مجال لمقارنتنا بهم. لقد عكفت أستراليا في إداراتها المحلية على نشر استراتيجيتها في هذا المجال والخطط التنفيذية منذ وقت طويل وأظهرت أيضا أهمية ارتباط التعليم بالشأن الصحي تنظيما وتنفيذا ونمط حياتي يومي. فهذه آخر استراتيجية لرفع مستوى الوعي الصحي في غرب أستراليا التي بدأت من 2007 إلى 2011م تحاكي المجتمع سنويا بنشر نتائج تطبيقها وما آلت إليه الدراسات في نهاية كل عام في المرتكزات الستة الأساسية. في هذا الخصوص وجدت الهند في استراتيجية اتبعتها ونشرت نتائجها في تفاصيل تشد الاهتمام بخصوص التغذية أو الأمراض المعدية أو اللجوء للرضاعة الطبيعية... إلخ. أما نيوزيلندا والصين فكانت تقاريرها الدورية لخططها التنفيذية السنوية تكشفت عن مسار منظم لتطبيق توعية صحية وطنية في دول تباينت بشدة كثافتها السكانية وحجم مواردها بالنسبة لاقتصادها وما تعتمد عليه لتحقيق أهدافها. واقعيا.. إذا ما قارنا أنفسنا بما يدور في شرق الأرض وغربها نجد أننا في حاجة (في هذه المسيرة) إلى الارتكاز على تحرك وطني علمي مؤطر يهتم بتنظيم وربط الجهات الصحية والتعليمية والإعلام لتكون بعد ذلك أنشطة التوعية الصحية موثقة التجارب محسنة المراجعة مجودة الأداء والنشر.
بعد حضوري عدة لقاءات وندوات إعلامية صحية في عديد من الجهات التابعة للقطاع الصحي ما زلت أرى أننا عندما نعقد ندوة صحافية «صحية» أو نريد أن نزيد من حميمية الروابط بين الصحة والإعلام فإن التفاصيل والأحداث بعينها هي ما تقود أجندة الندوة والحوار وهي المحرك للنقاش، حيث ينجرف في ذلك المتخصص والممارس والصحافي والمسؤول في جوانب مشكلة بعينها. لقد نسينا في خضم المشكلة اتباع قواعد الجودة في الطرح وإيجاد الحلول، وبالتالي نعود كما بدأنا فتزداد وتيرة اللوم وتوجيه أصابع الاتهام وكأن ما نبحث عنه هو أن ندور في حلقة مفرغة. هذا يعني أننا ننظر في كثير من الأمور ومنها مجال الإعلام الصحي فنكثر من الحديث عن تفاصيل الأحداث دون مرجعية إحصائية وطنية، أو نتكلم عن أبجديات بإسهاب كالتعاريف والأهداف والركائز والبرامج دون أن نهتم بمستوى الوعي الذي وصل إليه الفرد وبالذات الحضور لهذه الندوة أو هذا الملتقى. من الواضح أن لدينا أكثر من جهة يمكن أن تصدر نشرة عن نظافة الأسنان أو الكشف المبكر لسرطان الثدي وبكم معلوماتي كبير جدا، ولكن كيف استخدمنا الوسائل الإعلامية لإيصال الرسالة؟ وما نتائج هذه الحملة أو غيرها؟ وهل من الضروري تكرارها أم لا؟ وهل أشعر المجتمع بأن هذا كله جزء من استراتيجية للتوعية الصحية تمتد لخمس سنوات أو عشر سنوات نحاول الوصول بها إلى هذا المستوى أو ذاك؟ أن كل ذلك يشعر البعض بأن كل قطاع خرج أمام المجتمع في كل حملة ليُخدَم لا ليَخدِم!. حيث الأولى لإبراز أدواره فيلقى المديح، أما الأخيرة فهي مخاطبة المجتمع بمنطق صحيح وبلسان صريح.
إن مجرد ورود فقرة عامة من متطلبات الرعاية الصحية الأولية كالتي وردت في الأساس السابع من الاستراتيجية ليعني أن الاهتمام بالتثقيف الصحي هو شأن عابر خصوصا أنه كان آخر فقرة. لذلك أعتقد أن الاهتمام الذي بدأ أخيرا في هذا الشأن على المستوى الخليجي لا زال خجولا على مستوى أقطار الخليج. فلا استراتيجية موحدة أو منسقة أو متكاملة. ولا تعاون يبرز مدى ترابط الإعلام بالصحة المفترض فيه أنهما متلازمان. ولا نشر لنتائج الدراسات التي رصدت نتائج تطبيق هذا المشروع أو ذاك؟. كما أنه ما زالت تغطية تكاليف برامج التثقيف الصحي تدل على ضعف الدعم لهذا النشاط المهم جدا، والدليل لجوء بعض الجهات إلى فرض رسوم شهرية لكل من أراد الحصول على رسائل توعوية صحية على الرغم من توافرها وأكثر منها على الإنترنت وبجميع اللغات وفي كل الأوقات. وكان واقع الحال يقول إن إيجاد الروافد المالية لدعم القطاع الصحي يمكن أن يبدأ هكذا!. وللحديث بقية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي