«النقدي الخليجي» يباشر أعماله بتشكيل لجنة عليا لوضع اللوائح.. والجاسر أول رؤسائه
بينما أطلقت دول مجلس التعاون الخليجي أمس مجلسها النقدي، وهو الجهة الفنية المعنية باتخاذ جميع الخطوات والإجراءات المتعلقة بالوحدة النقدية ويمهد لإنشاء البنك المركزي المنتظر، بدت الأجواء في الرياض أكثر هدوءا من ناحية التصريحات والتوقعات، وكان واضحا أن دول الخليج استوعبت العقبات التي واجهت بعض المشاريع المشتركة السابقة، وهو ما دعاها، حسب مراقبين، إلى السير بروية في هذا الملف الحساس.
إلى ذلك، أكد الدكتور محمد الجاسر محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي بعد تسميته رئيسا لأول مجلس نقدي لمدة سنة واحدة اعتبارا من أمس 30 آذار (مارس) الجاري، أن المملكة كما هو الحال في بقية الدول الأعضاء ملتزمة بالمضي قدما في مسيرة الاتحاد النقدي وعلى استعداد دائم للعمل على تذليل جميع التحديات التي قد تواجه هذه المسيرة، والعمل يدا بيد حتى إكمال متطلبات الاتحاد النقدي كافة، وتتويج الجهد المشترك بتأسيس البنك المركزي الخليجي وانطلاق العملة الموحدة.
ولكن في الوقت ذاته نبه المعنيين جميعا، بمن في ذلك مواطنو دول المجلس، من الوقوع في فخ المبالغة في التوقعات، مشيرا إلى أن الاتحاد النقدي والعملة الموحدة سيحققان تناسقا في السياسات النقدية وقدرة مقارنة الأسعار وسهولة وشفافية التعامل المالي بين مواطني دول المجلس والمقيمين فيها، ولكنها لن تحل المشكلات والمعضلات الاقتصادية الأخرى التي يجب التصدي لها عبر القنوات الاقتصادية الأخرى التي لا تقع ضمن مسؤوليات وصلاحيات المجلس النقدي أو البنك المركزي مستقبلا.
وبشأن آلية اختيار رئاسة مجلس إدارة المجلس النقدي الذي يدار من قبل محافظي البنوك المركزية، أوضح الجاسر لـ «الاقتصادية» أنه تم الاتفاق خلال الاجتماع على أن تكون الرئاسة الأولى لمجلس الإدارة للسعودية، على أن تكون فيما بعد دورية بين الدول الأعضاء في الوحدة النقدية وفق النظام الأبجدي.
وحول آلية توزيع الحصص بين الدول الأعضاء فيما يتعلق بالالتزامات والقضايا العامة والفنية والمالية (الميزانية) ذات العلاقة بإنشاء المجلس النقدي وتشغيله في الاتحاد النقدي، أشار إلى أن كثيرا من هذه الأمور سيتم تحديدها في النظام الأساسي للبنك المركزي الخليجي ومنوطة به، وسيعمل المجلس النقدي على تحضيره.
#2#
وفيما يتعلق بتحديد موعد زمني جديد لإطلاق العملة الموحدة، قال الجاسر «إنه لم يكن في الأساس موعد قديم ليتم بحث موعد جديد خلال الاجتماع، نحن جادون وملتزمون سواء على مستوى المحافظين أو أجهزة البنوك المركزية لتحقيق هذا الأمر، ولكن يجب عدم التسرع في مثل هذه الأمور الجوهرية، ما نريده أن نحقق جميع ركائز إيجاد بنك مركزي قوي وبالتالي عملة موحدة قوية، قبل ذلك أعتقد أنه من غير الملائم أو المناسب حتى أن نتحدث عن تاريخ محدد لهذه الخطوة، خاصة أن اقتصاداتنا تسير في مسارات جيدة وليس هناك أي مشاريع تنموية معطلة أو إشكاليات تجبر صناع السياسة النقدية على وضع تاريخ معين لإطلاق العملة الموحدة، ولكنها نقلة نوعية عندما تتحقق بالشكل الصحيح وتكتمل أركان ومتطلبات هذه الخطوة ستعلن التواريخ».
كما أوضح أن التقارب الاقتصادي بين دول المجلس لا يتم فقط عن طريق معايير جامدة ولكنها معايير تساعد على استشراف مؤشرات محددة تساعد على اتخاذ سياسات محددة، مشيرا إلى أن دول الخليج تجاوزت تلك المعايير الخاصة بالتقارب الاقتصادي ولذلك هي في موقف قوي جدا.
وباشر المجلس النقدي الخليجي أول أعماله أمس بتشكيل لجنة تحضيرية عليا لمتابعة إنجاز الخطوات الأولى لاختيار رئيس تنفيذي للمجلس، ووضع اللوائح والبنى التحتية لعمله، وتهيئة العمل المؤسسي بأسرع وقت ممكن.
كما أقر المجلس اختيار رشيد المعراج محافظ مصرف البحرين المركزي نائبا للرئيس لمدة عام.
ومعلوم أن تعيين المجلس التنفيذي للمجلس من أبناء الدول الأعضاء في الوحدة النقدية (السعودية، الكويت، قطر، والبحرين)، الذي يتكون من الرئيس التنفيذي الذي سيعمل بدوره على تعيين الكوادر التنفيذية الإدارية وغيرها في المجلس ليقوم بالجوانب الإدارية كافة، بحيث يكون دور مجلس الإدارة إشرافيا، فيما يتولى المجلس التنفيذي وضع الخطط وتنفيذ القرارات المتعلقة بالمجلس النقدي.
وأكد أعضاء مجلس الإدارة في اختتام اجتماعهم الأول الذي عقد بحضور عبد الرحمن العطية الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، أهمية توطيد العمل المؤسسي للمجلس النقدي وتأكيد استقلاليته، ومواصلة العمل الجاد لإنشاء البنك المركزي وإصدار العملة الموحدة.
واستعرض الأعضاء خلال الاجتماع، متطلبات المرحلة المقبلة المتمثلة في استكمال البناء المؤسسي والتنظيمي لأعمال المجلس النقدي، وتنفيذ المهام الرئيسة للمجلس التي حددها نظامه الأساسي، ومن أبرزها: تهيئة وتنسيق السياسات النقدية، استمرار تطوير الأنظمة الإحصائية، وتهيئة نظام المدفوعات والتسويات.
كما ناقشوا أيضا عددا من المواضيع اللازمة لعمل المجلس من بينها استكمال الجهاز التنفيذي للمجلس، وإعداد اللوائح المالية والإدارية والميزانية التشغيلية للمجلس للسنة المالية الحالية، إلى جانب الجهود المبذولة لاختيار مبنى مؤقت للمجلس التنفيذي في مدينة الرياض والمبنى الدائم في مركز الملك عبد الله المالي.
وأعرب المجتمعون، عن شكرهم الجزيل لقادة دول مجلس التعاون على الإنجاز المهم الذي يعد اللبنة الأساسية لإنشاء البنك المركزي لدول الاتحاد النقدي وإصدار العملة الموحدة، الذي يأتي في الوقت نفسه مكملا لما سبقه من خطوات مهمة في مجال التعاون والتكامل الاقتصادي المشترك بين دول مجلس التعاون، مثمنين أيضا الجهود المثمرة التي بذلتها لجنة محافظي البنوك المركزية ومؤسسات النقد ولجنة التعاون المالي والاقتصادي، بدعم متواصل من المجلس الوزاري، ومتابعة مستمرة من الأمانة العامة لمجلس التعاون.
وكان في بداية الاجتماع، لفت محافظ مؤسسة النقد إلى أن انطلاقة المجلس النقدي تأتي في وقت يشهد فيه العالم أخطر أزمة مالية يمر بها منذ نحو 80 عاما، مسببة آثارا سلبية على النمو الاقتصادي في كثير من الدول العالم ومحدثة كثيرا من المشكلات الاقتصادية، ومن خلال مثل هذه الأزمات الاقتصادية تبرز أهمية التعاون والتكامل الاقتصادي ومواصلة العمل لتعزيز مسيرة التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء.
وقال إن تحقيق ما نطمح إليه يحتاج إلى مضاعفة الجهود من الجميع والتركيز على العمل لتشعب متطلبات الاتحاد النقدي وتعدد مساراته، فعلى سبيل المثال لا بد من العمل على تنسيق السياسات النقدية للدول الأعضاء وزيادة التناغم بين البيانات الإحصائية، ومواصلة العمل على تعزيز الإشراف المصرفي وربط أنظمة المدفوعات، موضحا أن ذلك لا يقل أهمية عن استكمال الجوانب القانونية وتطوير الجوانب الإدارية.
واستعرض الجاسر ما تحقق منذ بدء مسيرة مجلس التعاون منذ نحو 30 عاما، مشيرا إلى أن قيام الاتحاد النقدي يعد تتويجا لمراحل مختلفة تدفع نحو التكامل الاقتصادي بين دول المجلس التي بدأت بإنشاء منطقة التجارة الحرة في عام 1981، ومن ثم تكوين الاتحاد الجمركي في عام 2003، تلاها إنشاء السوق الخليجية المشتركة في عام 2008، واليوم نشهد انطلاقة المجلس النقدي الذي يعد نقلة نوعية وتاريخية في مسيرة التكامل والترابط الاقتصادي بين دول مجلس التعاون ولا يقل عائده الاقتصادي عن الرمز التاريخي له.
كما تناول المحافظ مراحل تحقيق الاتحاد النقدي ودور مختلف اللجان لوضع معايير التقارب الاقتصادي وتحديد مكوناتها وطريقة حسابها والجهود التي بذلتها الفرق القانونية لإعداد الإطار التشريعي والتنظيمي للسلطة النقدية المشتركة، الذي توج بإقرار المجلس الأعلى في دورته التي عقدت في عام 2008 باعتماد اتفاقية الاتحاد النقدي واعتماد النظام الأساسي للمجلس النقدي، بما يحقق التقارب الاقتصادي لدول المجلس الأعضاء في الاتحاد النقدي ويسهل إصدار العملة الموحدة.
من جانبه، أكد عبد الرحمن العطية الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي أن دول المجلس خطت خطوات متميزة نحو تحقيق التكامل الاقتصادي بينها، حيث تم إطلاق الاتحاد الجمركي في عام 2003، تلاه إطلاق السوق الخليجية المشتركة في عام 2008، كما تم اعتماد اتفاقية الاتحاد النقدي في كانون الأول (ديسمبر) من العام نفسه، وجرى التوقيع عليها لاحقاً في حزيران (يونيو) 2009.
ووصف الاجتماع بأنه تجسيد عملي للرؤية الحكيمة والرعاية الكريمة لقادة دول المجلس نحو تحقيق التكامل الاقتصادي وثمرة مباركة لمسيرة طويلة من العمل الدؤوب الذي تكاتفت فيه الجهود بين جميع أجهزة ولجان مجلس التعاون، فضلاً عن كونه إيذاناً بدخول مشروع الاتحاد النقدي مرحلة جديدة من البناء والعمل المكثف الذي يتطلب مزيداً من التعاون بين الأجهزة واللجان المعنية حتى تتمكن من تحقيق رؤية قادة دول المجلس بإطلاق العملة الخليجية الموحدة وطرحها للتداول.
وتابع «إن جهودكم الحثيثة من خلال المجلس النقدي نحو استكمال المتطلبات التشريعية والفنية لمشروع الاتحاد النقدي ستكون موضع رعاية ودعم مستمر من قبل مقام المجلس الأعلى، حيث إن مهامكم اليوم تتجسد في وضع الخطوات التنفيذية لتعزيز التعاون بين البنوك المركزية الوطنية تمهيداً لقيام الاتحاد النقدي، وتهيئة وتنسيق السياسات النقدية وسياسات أسعار الصرف للعملات الوطنية إلى حين إنشاء البنك المركزي لمجلس التعاون، ومتابعة الالتزام بحظر إقراض البنوك المركزية الوطنية للجهات العامة في الدول الأعضاء، إلى جانب وضع القواعد اللازمة لتنفيذ ذلك، تحديد الإطار القانوني والتنظيمي اللازم لقيام البنك المركزي لمجلس التعاون بمهامه بالتعاون مع البنوك المركزية الوطنية، تطوير الأنظمة الإحصائية اللازمة لتحقيق أهداف الاتحاد النقدي، والإعداد لإصدار أوراق النقد والمسكوكات المعدنية للعملة الموحدة، وتطوير إطار عمل لإصدارها وتداولها، إضافة إلى التأكد من جاهزية نظم المدفوعات ونظم تسويتها للتعامل مع العملة الموحدة».
وقال العطية «إن لمشروع الوحدة النقدية دورا بالغ الأهمية في زيادة الحضور والتأثير للدول الأعضاء في المحافل الدولية ومؤسسات صنع القرار الاقتصادي العالمي، وإنني لعلى يقين من إدراككم هذا الأمر وأنه سيزيد عزمكم على تسريع مسيرة الاتحاد النقدي.
كما أن مساهمتكم في تحقيق المجلس النقدي مهامه ستكون خير وسيلة لتحقيق الهدف الأسمى المتمثل في تحقيق الترابط الاقتصادي بين دول مجلس التعاون من خلال إطلاق عملة موحدة تشكل هوية اقتصادية موحدة للدول الأعضاء، ناهيك عن كونها رمزاً للتكامل وخطوة عملية أخرى نحو تحقيق المواطنة الخليجية».
وأضاف «إن الأمل يحدونا في أن يكتمل عقد الاتحاد النقدي بانضمام البلدين الشقيقين، الإمارات المتحدة وعمان، اللتين تمثلان رمزين خالدين في دعم مسيرة مجلس التعاون بمساهماتهما الجلية في ريادة المشاريع التكاملية بمساراتها كافة منذ الانطلاقة المباركة في عام 1981 وبتوجيهات كريمة من القيادتين الحكيمتين للشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الإمارات المتحدة والسلطان قابوس بن سعيد المعظم سلطان عمان، حيث إن انضمام الدولتين الشقيقتين سيشكل إضافة مهمة للاتحاد النقدي».
ورفع أمين عام مجلس التعاون، لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين والنائب الثاني، أصدق مشاعر التقدير والامتنان لاحتضان مدينة الرياض هذا الاجتماع المهم، ولما قدمته وتُقدمه السعودية من تسهيلات ومساندة لإنجاح أعمال مجلس التعاون، ولما يلقاه العمل الخليجي المشترك من دعم سخي واهتمام من لدُن خادم الحرمين الشريفين وإخوانه قادة دول المجلس.