رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


«تعال إلى حيث النكهة»

إن من أسوأ استخدامات تقنية المعلومات (علاوة على التسكع في مواقع الرذيلة والثرثرات المنحطة) تحويلها من قبل بعض المؤسسات والشركات في القطاع الخاص من أدوات للمصداقية والموثوقية وجودة الخدمة إلى وسائل للتدليس والضحك على عقول المستهلكين وتلميع جهاتها أو الأشخاص القائمين عليها.
إنك، مثلا، حين تتصل يأتيك صوت جهاز التسجيل مرحباً بك بحفاوة ليسرد عليك امتياز تلك الجهة وحرصها على جودة الخدمة والارتقاء بها وكسب رضا العملاء فيما لا يتطابق كل هذا الطبل والزمر مع ما خبرته وعرفته ولمسته على أرض الواقع في تعاملك معها، سواء في منتجاتها كسلع أو في مخرجاتها كخدمات، فضلا عن الصدمة التي تواجهك في التعامل المباشر، حين لا تجد من موظفيها سوى إهمالك وتركك في رمضاء الانتظار هذا إذا لم تقرر الاستغناء عما جئت من أجله مثل اضطرارك لطول ثرثرة جهاز السنترال إلى إقفال الخط حانقا لأنك لن تستقطع وقتك في هذر المأمور يجلدك عن مزايا الجهة وما من مجيب!!
إن أناشيد أجهزة التسجيل في عدد من مواقع الخدمة والإنتاج في قطاعنا الخاص لا تمل من إدارة أسطوانة مثالياتها عن سرعة الاستجابة والمبادرة، ولا تخجل من أن تجاهر بجودة الخدمة والارتقاء بها ليل نهار معيدة ذات الوعود البراقة وذات المزاعم الكبرى، وكأن لسان حالها يقول: «تعال إلى حيث النكهة», خصوصا تأكيدها نشدان رضانا كجمهور فيما لا يصمد هذا الزعم للوفاء ولو بجزء مما تغني به مآميرها الأوتوماتكيون!! ودعك من الاستقبال المباشر من قبل موظفي بعض الجهات سواء مقدمي الخدمة أو سماسرة البيع الذين لن يثلجوا صدرك بقدر ما يسهمون في رفع ضغط دمك من جرّاء ممارسة لغط المراوغة في لغة أقرب للتنفير منها للترغيب.
كم هو مثير لو أن مركزاً للدراسات والبحوث قام برصد ظاهرة ثرثرة أجهزة مآميرنا الإلكترونيين في منشآتنا ومؤسساتنا الخاصة وتقصي الحقيقة فيها من خلال المطابقة بين أقوال أجهزة تسجيلها المعسولة ووعودها الخلابة وبين مزاعم الجودة أو سرعة الاستجابة أو مصداقية التنفيذ ومعرفة ما يحدث فعليا على أرض الواقع بشهادات الناس أنفسهم وما اختبروه وعانوه في تعاملهم معها.
لسوف يكتشف المركز، حجم التناقض والتفاوت الشاسع بين القول والفعل، دلائل كثيرة تشير إلى صدق ذلك، منها: الشكاوى الكثيفة المستمرة التي تمتلئ بها الصحف عن مشكلات العملاء مع الشركات بأنواعها ومع نقاط البيع بمقالبها، وعن هدر حق المستهلك لا حمايته، وغموض والتباس مصداقية شهادات الضمانات للسلع والخدمات التي تقدمها الشركات والمنشآت الخاصة ووكالات الغذاء والدواء والسيارات والأجهزة الكهربائية والإلكترونية وفوقها «علعلات» أعمال الصيانة التي غالبا ما ينتهي الحال بالعملاء إلى الصيانة جملة وتفصيلا على حسابهم الخاص بأسعار عالية وعند وقوع الخلاف، وهو كثيرا ما يقع، (يبقى الحال على ما هو عليه، وعلى المتضرر اللجوء للقضاء) وغالباً لانفعل ونضطر لشراء الجديد. لأننا لم نعتد على المقاضاة بشأن خداعنا في السلع أو الخدمات، فثقافة التقاضي في أذهاننا مقصورة فقط على غير ذلك، ما جعل أجهزة التسجيل تثابر على الهذر الدعائي السمج ليل نهار وتثابر معها المؤسسات والشركات والوكالات على أخذ راحتها بالتلاعب بنا ليصدق عليها قول أشقائنا في مصر: «أسمع كلامك أصدقك، أشوف عمايلك أستعجب!».
فهل لوزارة التجارة ولهيئة حماية المستهلك عيون ترى وآذان تسمع؟!
نعم؟ ولكن!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي