رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


إلى متى الغياب عن ساحة المرور يا إدارة المرور؟

 كنت منذ عدة أيام أسير بمركبتي في أحد الشوارع الرئيسة في مدينة الدمام في المنطقة الشرقية، ومن شدة الزحام انتظرنا، ونحن نزحف زحفاً، حتى وصلنا إلى إشارة المرور عند تقاطع الشوارع بعد أن فتحت وأقفلت أكثر من خمس مرات. ولم تنته محنتنا عند وصولنا إلى الإشارة، كما كنا نتمنى، إذ وجدنا هناك قمة الفوضى بين منْ يُريد التوجه يميناً وهو على الطرف الأيسر من الشارع ومنْ يُريد الاتجاه شمالاً وهو على الجهة اليمنى. ومنهم منْ كان يُصرُّ على مواصلة السير حتى بعد أن تغيرت الإشارة من الأخضر إلى الأحمر، ونحن واقفون نتفرج، ننتظر السماح لنا بعبور التقاطع الذي لم نصله إلا بشق الأنفس. هذه صورة واحدة من المعاناة اليومية التي يقاسي منها المواطن في حياته اليومية، ليس فقط في مدينة الدمام، بل في معظم شوارع المدن في بلادنا. هل هذا وضع من الممكن تحمُّله على مدى الأعوام المقبلة، ونحن لا نرى في الأفق ما يدل على أن تغييراً ما سيحدث من أجل تسهيل أمور المواطنين؟ وهل هناك أفضل من وقتنا الحاضر لإنشاء المشاريع اللازمة لتذليل الصعوبات المرورية والعمل على إيجاد فرق مرورية تُراقب وتُنظم سير المركبات في الأماكن المزدحمة، أسوة بباقي دول العالم؟ فالدخل العام ولله المنة والشكر خلال السنوات الحالية من أعلى المستويات واهتمام المسؤولين - حفظهم الله - بما يجلب الراحة والطمأنينة والرفاهية للمواطن لا حدود له. إذاً أين الخلل؟ نحن نُلقي باللوم على المسؤولين في إدارات المرور، فهم الأقرب لمواطن المعاناة التي يشتكي منها المواطن، وهم شاهدون على ذلك وبإمكانهم، بل من أهم واجباتهم ومسؤولياتهم أن يحْملوا همَّ المواطن حول هذا الموضوع إلى أعلى المستويات في حكومتنا الرشيدة مع توصياتهم في كل ما يتطلبه إنجاز الهدف المنشود. فإذا كان الأمر يحتاج إلى فزعة رجال مرور ليُوجهوا السير عند المفترقات ومنع المخالفين من تجاوز خطوطهم الذي غالباً ما يُربك مرور المركبات عند فتح الإشارة، فليطلبوا من المسؤولين إمدادهم بما يحتاجون إليه من الكوادر البشرية، والبلد - ولله الحمد - تغُص بمن يبحثون عن عمل شريف. أما أنك تسير أياماً وليالي في وسط أي مدينة ولا يُصادفك رجل مرور واحد يقوم بمراقبة وتنظيم الحركة وتجريم المخالفين، فهو أمر شديد الغرابة في بلد ينعم أهله بالخير الكثير. ونحن هنا لا نتحدث عن وجود عدد أصابع اليد من رجال المرور الذين يقفون أحياناً عند بعض التقاطعات في الصباح الباكر ولمدة قصيرة لتنظيم سير مركبات الطلبة والطالبات، وهو فعل جميل تُشكر الإدارة على الاهتمام به. ولكن من حتى أولئك الإخوان الذين يتولون التحكم بالإشارة يدوياًّ هداهم الله، يُوقفون مركباتهم في وسط خط السير الأيمن فيتسبب ذلك في تعطيل حركة المرور، ما يضطر قائدي المركبات العامة إلى دخول الخط المجاور حتى يتجاوزوا مركبة رجل المرور المحترم، وكأنه يمن علينا بوجوده لأقل من ساعة واحدة ثم يغيب عنا حتى اليوم التالي. هل هذا عمل مقبول من إنسان وظيفته تسهيل السير؟ إن وجود أعداد كبيرة من العنصر البشري المؤهل علمياًّ والمدرَّب ميدانياًّ في نواحي المدن سيكون له أثر بالغ في تحسين الوضع على المدى القريب والمتوسط، ويُساعد على منع وقوع بعض الحوادث التي صارت تحصد البشر بالليل والنهار. أما بعد ذلك، فلا بُدَّ من وضع تصور دقيق لما ستصير عليه الحال في زمن الجيل المقبل. نحن مسؤولون الآن عن التخطيط لما سيصل إليه الأمر خلال المستقبل المنظور والعمل على ضمان تنفيذه حتى لا يكون حبراً على ورق.
 وما نريده اليوم من مسؤولي المرور هو توفير أعداد كبيرة من رجال الأمن، ليس فقط من أجل تنظيم حركة السير، بل أيضاً لكبح جماح المتهورين الذين يُعرِّضون حياتهم وحياة الآخرين إلى مخاطر جسيمة ويسرحون ويمرحون دون ذرة من خجل، والمخالفين في المواقف العامة، وكل عمل يُصنَّف على أنه مُخالف للنظام وللذوق السليم وتعدٍّ على حقوق الآخرين.
وهناك على أرض الواقع حقائق يجب أن تُؤخذ في الحسبان فيما يتعلق بالوضع الحاضر والمستقبل. فالشوارع التي تشهد ازدحاماً كبيراً ومُقلقاً لا يمكن توسعتها وستظل على حالها مدى الدهر. والمركبات التي تجوب الشوارع أغلب ساعات النهار وطرفاً من الليل سيتضاعف عددها خلال السنوات المقبلة وتزيد الطين بلة، حتى لو أنشأنا جسوراً وأنفاقاً عند بعض تقاطع الطرق الرئيسية فلن يُجدي ذلك كثيراً، مع تفاقم الوضع إلى مرحلة أسوأ مما هو عليه اليوم، وخاصة في غياب وجود نقل عام مناسب. وأي تخطيط جديد داخل المدن، وهو من اختصاص الشؤون البلدية، لن يُفلح في خلق واقع يختلف عما نراه في وقتنا الحاضر إلا في حالة استخدام وتطبيق ابتكارات وإبداعات تعمل على تسهيل سير وسائل النقل. وبالتأكيد، ليس هناك مجال ولا هو متهيئ اقتصادياًّ هدم البيوت والمحال التجارية لصالح توسعة الشوارع. وشعبنا، وعلى وجه الخصوص الذين هم في سن الشباب مجبول على ممارسة الفوضى وعدم الالتزام بالنظام إذا لم يكن هناك من يُراقب ويُعاقب وهو الشيء المفقود عندنا. ولنتخيل وضعنا بعد عشر إلى 20 عاماً, ونحن لم نعمل شيئاً يُساعد على تخفيف الزحام, وفك الاختناقات التي نُعاني منها اليوم قبل غد! وحتى كاميرات المراقبة التي ظلوا يعدوننا بتركيبها منذ سنوات لم نر لها أثراً إلى يومنا هذا، على الرغم من الحاجة الملحة لوجودها. وعندما نُشاهد ما هو حاصل اليوم من المشكلات المرورية وكثرة حوادث السير بسبب الانفلات المروري، يذهب البال إلى التفكير فيما يُخبِّئه القدر بالنسبة للجيل المقبل الذي سيرث منا مصاعب أكبر.
العالم يتطور ويبحث دوماً عن الإبداع والتغيير إلى الأفضل، ونحن نُغط في سبات عميق يضعنا دائماً في المؤخرة، رغم توافر المادة وتوجيهات قائد مسيرتنا السديدة يحفظه الله. الوضع جد خطير, ولا يصح السكوت عليه، بعد أن أصبح يمس مصالحنا اليومية ويُهدد سلامتنا, ويُسبب لنا كثيراً من المتاعب والصدامات الشخصية. وقد كتب كثيرون عن الموضوع, ولم نسمع عن أي نوع من إظهار التجاوب من قبل الجهات المسؤولة، وكأن الأمر يعني إحدى الدول المجاورة, وليس ما يجري على أرضنا. تحدثوا يا أصحاب القرار وطمئنونا، وإذا كان هناك مُعوقات لأي مشروع أو حل وسط، فضعونا في الصورة حتى نعلم أن بيننا منْ يعمل بإخلاص، وسنُقدر أي مجهود مهما كان مقداره.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي