رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


سياسات الأجهزة الحكومية: تحقق أو تقوض التنمية؟

تحقيق الأهداف الاقتصادية التنموية من زيادة التوظف والحد من الفقر وزيادة التنافسية وفي النهاية الرفع من معدلات النمو الاقتصادي مرتبط بشكل مباشر بالسياسات التي توضع على كل المستويات الإدارية للدولة. فالسياسة التي تضعها أمانة من أمانات المدن يجب أن تصب في النهاية لتحقيق هذه الأهداف، وكذلك الأمر بالنسبة لسياسة كل من الإدارة العامة للمرور، والأمن العام، والتعليم العالي، والتعليم المهني، ووزارة العمل وغيرها من الجهات الحكومية. وهذا الهدف النهائي سيرتبط بالطبع بتحقيق أهداف على مستوى الجهات نفسها.
فهدف إدارة المرور زيادة الالتزام المروري ومن ثم تقليل الحوادث المرورية وهو ما سيؤدي إلى الحد من النزف الذي يحدث في الاقتصاد بسبب التكاليف العالية لهذه الحوادث سواءً من جانب الرعاية الصحية أو من جهة خسارة عناصر منتجة في الاقتصاد. في النهاية كل ذلك سيصب في الهدف الرئيس وهو رفع مستوى التنمية الاقتصادية وزيادة معدلات النمو الاقتصاد التي ستكفل التقدم الاقتصادي للدولة وتحقيق مستويات معيشة أفضل بالنسبة للمواطن. وهذا الأمر ينطبق على كل جهة حكومية كما أشرت، حيث إن أمانات المدن تعمل لتحقيق هدف أساسي وهو جعل المدن بيئة مثالية للعيش والعمل ولتكون حاضنة مثالية للتنمية الاقتصادية وهو ما سينعكس على تنافسية الاقتصاد ومعدلات نمو السنوية.
الواقع يدلل على أن هناك عدم تناغم واضح في سياسات كل جهة مع الأهداف الرئيسة، فكل جهة تضع تشريعات وتنظيمات وعقوبات ورسوما ربما لا تصب في خدمة الهدف الرئيس وهو تحقيق التنمية وزيادة معدلات النمو الاقتصادي، بل إنها قد تكون حافزاً سواءً للعاملين في هذا القطاع أو للمتعاملين معه للانحراف عن هذا الهدف الرئيس. وهنا سأركز على ضرب أمثلة فيما يتعلق بشكل وطريقة فرض الرسوم والغرامات من بعض الجهات للتدليل على أن هناك عدم وعي لدى القائمين على هذه الجهات بالأثر السلبي لها في الاقتصاد بشكل عام أو في تحقيق أهداف هذه الجهة بشكل خاص.
المثال الأول يتعلق بالحد الأعلى والأدنى من غرامات المرور، والتي تتضمن أن هناك حداً أعلى وحداً أدنى من الغرامة يطبق على كل مخالفة مرورية. الأمر في البداية يوحي أن هناك تسامحا من الإدارة العامة للمرور في موضوع الغرامة، حيث يطبق الحد الأدنى من الغرامة في البداية، وبعد مرور فترة لم تسدد فيها الغرامة يتم رفعها إلى الحد الأدنى. مجرد وجود هذا الحد الأدنى يعطي انطباعا عن الطريقة المرنة التي تتعامل فيها الإدارة العامة للمرور مع المخالفات، لذلك لا أستغرب أن ترى الكثير من المخالفات بما فيها قطع الإشارة تتم على مرأى من رجال المرور وهم لا يحركون ساكنا.
ويجب أن نتساءل قبل وضع أي رسم أو غرامة عن الهدف منها، ثم نتساءل عما إذا كان الشكل الحالي للغرامة يحقق هذا الهدف. وفي حالة المرور وغراماته أتساءل عن الهدف من وجود حد أدنى وأعلى وعن دورها في تحقيق هدف رفع الالتزام المروري والحد من الحوادث، فهذه الطريقة لا تفيد إلا في حث الناس على السداد بسرعة. وإذا كان المرور يريد رفع الالتزام المروري فليكتف بالحد الأعلى وليركز على زيادة الالتزام في الشارع من خلال أولاً حفز رجاله على الالتزام سواءً من خلال الحافز المادي أو الرقابي أو العقابي.
المثال الثاني هو رسوم الخدمات البلدية على لوحات المحال التجارية، فهي وإن كانت تحقق عائداً كبيراً لخزينة أمانات وبلديات المدن إلا أنها تحفز هذه الأمانات والبلديات على التساهل في منح رخص تلك المحال التجارية. لذلك، لا أستغرب عندما أقارن المملكة بأي بلد في العالم من حيث كثرة المحال التجارية فإذا عرف السبب بطل العجب. السؤال كيف تحقق هذه السياسة أهداف السياسة الاقتصادية العامة بما فيها زيادة التوظف في ظل حفزها لبيئة أسهمت في زيادة الطلب على العمالة الأجنبية وفي الوقت نفسه خفض تنافسية المواطن. هذا مثال آخر على سياسة ومنهجية تعمل بشكل معاكس لمسارات الاقتصاد الأخرى الهادفة إلى زيادة التوظف للمواطن في الاقتصاد.
هذان مثالان فقط على عدم تناغم السياسات التي تطبقها بعض الجهات مع الأهداف الاقتصادية العامة، والتي قد تؤدي في بعض الحالات إلى آثار سلبية في التنمية الاقتصادية. لذلك، من المهم أن يكون هناك علاقة مباشرة بين أي سياسة لكل جهة وبين تحقيق هذه السياسة لأهداف التنمية الشاملة. ولا أتحدث هنا عن الرسوم فقط، ولكن جميع السياسات العامة، بما في ذلك سياسات وأنظمة الخدمة المدنية الحالية التي تسهم بشكل كبير في تراجع إنتاجية الموظف الحكومي. هذا الأمر في النهاية سينعكس على تنافسية الاقتصاد السعودي بمفهومها الشامل الذي يشمل بجانب سهولة أداء الأعمال توافر بيئة قادرة على احتضان هذه الأعمال بما في ذلك الجوانب التنظيمية والتعليمية والثقافية التي تكفل أن يكون للمواطن الدور الأكبر في تعزيز هذه التنافسية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي