سلامة المرضى من سلامة المجتمع تركيبا وتنظيما

هل نحن نتشارك فيما نتعلمه يوميا مما نقرأ ونشاهد ونسمع في مكاتب العمل أو في قاعات المحاضرات أو في المكتبات أو في غيرها من المواقع؟ هل يحفزنا ذلك على أن نفكر في حلول لمشاكلنا واقتراح ما يفيد الآخرين ويفيدنا في حياتنا؟. لقد أُثبت علميا أن المجتمع الذي يظهر أكثر تحفيزا هو المجتمع الذي يتشارك فيه العلماء والباحثون والمختصون والمهتمون والمفكرون في الشؤون المختلفة معلوماتهم بغرض تبادل المعرفة. الحرص على الحضور للاستماع لخبرات الآخرين وما ينفعهم من معلومات من مصادرها الموثوقة يؤصل لتكوين معارف ذات أساس علمي اشترك فيه صنعها مجموعة من المختصين ووثقوها للآخرين كي تعم الفائدة. ما يجري حاليا من أنشطة داخل مواقع بعض الوسائل الإعلامية وبالذات الصحافية، توجه أحسبه فريدا ومتميزا ومهما ومثمرا - بإذن الله - لقد دأبت جريدة «الاقتصادية» على عقد مثل هذه اللقاءات، وأملي أن تتبع باقي الوسائل الإعلامية على مثل هذه الأنشطة وبطرقهم الخاصة فيكون لدينا مجتمع معرفي معلوماته استقاها من المصدر وأفكاره تبلورت حول القضايا بما يولد حلولا متعددة لكل مشكلة في كل مجال فيكون الشكر موجها للقائمين على هذه الوسائل الإعلامية، وكل التمنيات بالتوفيق.
في واحدة من أهم القضايا التي لا يزال المجتمع يناقشها ولم تجد بعد طرحا إعلاميا صحيا محترفا هي «ضمان سلامة المرضى». لقد تكالبت في هذا الشأن الأقلام على الأطباء, وعلى المسؤولين سلطت الأضواء، وتم انتقاد الصحة في كل سياسة وإجراء. وليكون الرد واقعيا ومقبولا فلا بد من الاستناد إلى دراسات مسحية أولا ثم تجريبية ثم ميدانية عملية للخروج بحلول شمولية مبنية على أسس علمية منهجية. من الواضح أن للمشكلة عدة محاور، وشمولها في مقال واحد أو بحث واحد ضرب من التسطيح الفكري ولكن بتناولها في مواقع عدة وبزوايا مختلفة، فقد نشجع المختصين على المبادرة والمساهمة لجعل المعنيين بالأمر على اطلاع بما يدور في أذهان غيرهم ويساعدهم على استلهام أفضل الفكر لتحقيق سلامة المرضى كما ينبغي.
لقد نشرت مجلة JAMA الطبية في شباط (فبراير) الماضي بحثا غطى فترة تزيد على ثلاثة عقود ابتداء من 1976م بمسح أوضاع 116 ألف طبيب لقياس عدد ساعات العمل التي يقضيها الطبيب في العمل أسبوعيا. لهذه الدراسة الضخمة والطويلة أهداف أخرى عديدة، ولكن ما شدني هو أن مثل هذه الدراسة تعني لوضع الطبيب في السعودية الكثير وتعني أكثر للمسؤولين في القطاع الصحي، حيث يمكن التوصل إلى حلول حيال التباين في ساعات العمل بين الأجهزة المختلفة المقدمة للخدمات الصحية، وجودة أداء الممارسين الصحيين بمن فيهم الأطباء وقيمة ذلك ماديا لهم. وهذا بالطبع أحد أهم المحاور المؤثرة في تحقيق سلامة المريض.
كنتيجة لضغط العمل فقد يدور في ذهن المسؤول مسألة إعادة تنظيم العمل إداريا، أو التعويض المالي والمحفزات المادية. وفي ذهن آخر زيادة أعداد الكادر الطبي أو توزيع المرضى بين المرافق حسب التخصصات والقدرات الذاتية... إلخ. لا شك أن كل هذه حلول ويتم الآن اتخاذ التدابير في تطبيقها، ولكن ماذا عن استخدام التقنية وتطوير أو تحديث التجهيزات والأدوات الطبية في المرافق الصحية بإشراف مسؤولين متخصصين؟ لقد أثبتت كثير من الأبحاث أن هذه الآلية تمكن المسؤولين من تبنيها كحل إضافة إلى ما سبق. فهي تعد محفزات كبيرة لعمل الكادر الطبي، حيث تشعرهم بأهميتهم لدى الأجهزة الإدارية والمسؤولين في المرافق الصحية. وتمكنهم من إنجاز مهامهم بشكل أسرع وأفضل وأدق. هذا لم يثبت ببحث فريد بل بعديد من الأبحاث التي ترجع لعقود مضت تم تناولها بجدية منذ عام 1991م تقريبا.
لسلامة المرضى يمكن عمل الدراسات المسحية لتحديد ما إذا كان هناك تباين بين أداء المستشفيات ذات السعة السريرية الواحدة في المناطق المختلفة. فبتثبيت العوامل المؤثرة سنتمكن من وضع أيدينا على الخلل الذي يمكننا من دراسته والخروج بتوصيات قابلة للتنفيذ ــ بإذن الله. من ناحية أخرى نحن في حاجة إلى تعزيز الثقة بالرعاية الصحية المقدمة من خلال المستشفيات الحكومية ولا بد أن يتم ذلك في القريب العاجل، فالأجور والمزايا التي تمنح للأطباء والعاملين في القطاع الصحي دائما ما تتأثر بالأوضاع الاقتصادية، وهذا الكادر يجب ألا يتأثر بمثل هذه الكوارث لأن أهميته لدينا كبيرة جدا. من ناحية أخرى فهناك عوامل مؤثرة في علاقات العمل المتبادلة بين العمالة وأصحاب الأعمال, كالخبرة والمهارات المكتسبة ونوعية التدريب المتلقى والفروق في الأجور مما يساعد على التدخل ومحاولة التعديل في بعض السياسات والإجراءات التي من شأنها أن تنظم التزامات وأدوار كل طرف تجاه الآخر.
في الواقع أجد في جامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية أرضا خصبة لدراسات كهذه، ولكن ليت خدماتها تمتد إلى خدمة المجتمع العلمي والصحي والعام أيضا، فهي تملك كفاءات وخبرات متميزة ويتوافر بها بنية تحتية جيدة وأساتذة وخبراء في المجالين الصحي والتعليمي، مما يجعل إنشاء مركز للدراسات الاستشارية في الصحة والتعليم والدراسات الصحية التنموية تمهيدا لوضع الحلول كاستراتيجيات تساعد على القضاء على السلبيات بأسلوب نموذجي. مثل هذه الدراسات تفتح آفاقا بعيدة في كيفية النظر لوضع المرحلة الحالية، ونحن في حاجة للتوقف والتفكير وإعادة التدبر في قراراتنا والأنظمة الصادرة بخصوص القوى العاملة في كل القطاعات والتي في نظري أهمها القطاع الصحي. والله المستعان.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي