الاستقرار المالي والإنذار المبكر يتصدّران أجندة البنوك المركزية الخليجية
اتفق ممثلو مؤسسات النقد والبنوك المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي، على أهمية التركيز في المرحلة الحالية على قضايا الاستقرار المالي والنقدي، وتبني الأجهزة الرقابية والإشرافية لأنظمة الإنذار المبكر وبما يعزز من إمكانات تدارك مسببات حدوث الأزمات المالية في التوقيت المناسب ومن ثم تجنب حدوثها.
وأكد الشيخ سالم الصباح محافظ بنك الكويت المركزي، الذي ترأس اجتماع محافظي البنوك المركزية الخليجية في الكويت أمس، أن إنجاز هذه المهمة ليس بالأمر اليسير، بل يكتنفه عديد من التحديات المرتبطة بالتطبيق العملي، وبصفة عامة، فإن المرحلة المقبلة تتطلب الاهتمام باستيعاب وتطبيق الأساليب التحليلية الحديثة، مضيفا أن عديدا من المؤسسات المالية الدولية قد اتجهت إلى استخلاص الدروس والعبر من الأزمة المالية والاقتصادية العالمية المعاصرة، حيث أشارت إلى ضرورة تفاعل بيانات الاستقرار النقدي والمالي ضمن إطار عام محكم من السياسات الاقتصادية الكلية التي تتسم بالسلامة والحصافة.
وقال الشيخ سالم، إنه ومن هذا المنطلق وعند الأخذ بعين الاعتبار تلك المتطلبات والمعطيات التي أفرزها الواقع الاقتصادي للمرحلة الراهنة، فإنه يمكن تكثيف الجهود وتركيزها في ثلاثة محاور رئيسية، هي: ضمان سلامة السياسات الاقتصادية الكلية المستندة إلى قاعدة راسخة من المعلومات والبيانات التي تتسم بالشمولية، وتعزيز الملاءة المالية للوحدات والمؤسسات الفاعلة في النظام المالي، واستيعاب المبادئ والمعايير الدولية والاستفادة منها في وضع إطار تنظيمي متكامل لأنشطة الأطراف المؤثرة في أداء النظام المالي كافة.
ولفت المحافظ إلى أن موضوع غسل الأموال يحظى بأهمية خاصة من السلطات النقدية في دول المجلس، مؤكدا أن هناك تنسيقا على أعلى المستويات بين الدول الأعضاء في هذا المضمار، والذي تصدر الساحة المالية والاقتصادية الخليجية على مر السنوات العشر الماضية وأخذ الوقت الكثير من عمل الجهات المعنية المختلفة والمتخصصة من حيث متابعة عمليات غسل الأموال.
وبشأن الاتحاد النقدي الخليجي، أكد أن الأزمة المالية العالمية لم تؤثر إطلاقا في تحقيق الاتحاد النقدي، وأن هناك اجتماعا هو الأول لمجلس إدارة المجلس النقدي سيعقد نهاية الشهر الجاري، حيث سيتم وضع البرنامج والخطط اللازمة ليحقق المجلس المهام المنوطة به في أسرع وقت ممكن، مشيرا إلى وجود بعض الإجراءات في البنى التحتية المالية والاقتصادية والتشريعية التي لم تستكمل، ووجود تطورات ملموسة لاستكمالها.
وذكر محافظ بنك الكويت، أن الواقع الاقتصادي الراهن لدول مجلس التعاون وآفاقه المستقبلية يختلف بدرجة مهمة عن معطيات البيئة الاقتصادية التي كانت سائدة خلال السنوات الماضية، مشيرا إلى أنه رغم انحسار الضغوط التضخمية في دول المجلس بشكل ملحوظ، إلا أن ذلك لا يعني مطلقا تلاشي تلك الضغوط بصورة كلية. وتابع «ولقد أتاح ذلك الانحسار في الضغوط التضخمية إمكانية أن تتجه مؤسسات النقد والبنوك المركزية لدول المجلس نحو تبني عديد من الإجراءات الرامية لمواجهة تداعيات الأزمة المالية الاقتصادية العالمية، وتباطؤ معدلات النمو الاقتصادي».
وقال الشيخ سالم إن فعالية الدور الذي تلعبه السياسات النقدية في تعزيز دعامات النمو الاقتصادي، وتكريس أجواء الاستقرار النقدي في دول المجلس إنما يرتبط ارتباطا وثيقا بالسياسات الاقتصادية الأخرى ولا سيما السياسة المالية، مضيفا أن هذا الأمر يأتي من منطلق الدور المحوري الذي تلعبه السياسة المالية في التأثير في تطورات الأوضاع الاقتصادية الكلية في دول المجلس، وبناء على ذلك، فإن هذه المرحلة بمعطياتها ومفرداتها إنما تتطلب بالضرورة أن ينصب جانب كبير من الاهتمام بالاستقرار المالي الذي بات محور اهتمام المجتمع الدولي والسلطات النقدية والرقابية في معظم دول العالم، خاصة في ظل ما طرحته العولمة من إفرازات تمثل جانب منها في تزايد درجة تشابك وترابط عمل الأسواق المالية العالمية وتطورها ضمن آليات جديدة نتجت في ظل ثورة المعلومات والاتصالات.
وشدد الشيخ سالم على ضرورة تيقن المجتمع الدولي من أهمية تحقق الاستقرار المالي والتأكد من سلامة أوضاع وأداء القطاع المالي، مع ارتفاع التكاليف التي تخلفها الأزمات المالية، وزيادة معدلات تكرارها، والنمو المتسارع في حجم المعاملات المالية، وتزايد درجة تعقيد الأدوات والابتكارات المالية المستجدة. كما أكد أن مؤسسات النقد والبنوك المركزية في دول المجلس أظهرت قدرتها في التخفيف من تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية المعاصرة. وقال إن ذلك عكس حرص البنوك المركزية الخليجية على انتهاج سياسات احترازية حتى قبل ظهور بوادر وقوع الأزمة، وهو ما أتاح الفرصة أمام السلطات النقدية والمالية في دول المجلس للتدخل وتوفير الدعم اللازم لمساندة عديد من القطاعات الاقتصادية، وذلك ضمن إطار عام من النظم والتدابير الرقابية والإشرافية.
وذكر المحافظ أن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية المعاصرة وتبعاتها أسهمت في إعادة النظر في كثير من الأولويات والأطراف المشكلة للمعادلات الحاكمة لعمل الأسواق وقطاع الشركات في دول المجلس، مشددا على ضرورة الاستمرار في توثيق أواصر التعاون ومواصلة الجهود في مجال تعزيز متانة أساسيات اقتصادات دول المجلس، والعمل على إرساء دعائم الاستقرار النقدي والمالي، مشيرا في هذا الصدد إلى أهمية تزايد الدور المحوري الذي تضطلع به الجهات الرقابية والإشرافية على الأجهزة المصرفية في دول المجلس، وهو ما يمثل حجر الزاوية للحفاظ على الاستقرار المالي.
وأشاد الشيخ سالم بقرارات القمة الخليجية الأخيرة، قائلا إن جانبا مهما من قراراتها جاء تتويجا لجهود اللجنة في مجال الإعداد لإقامة المجلس النقدي وتمكينه من القيام بمهامه. كما أنها تمثل علامة بارزة في مسيرة العمل الاقتصادي المشترك لدول المجلس، حيث عكست الرؤية الثاقبة للقادة وحرصهم الدؤوب على دفع تلك المسيرة لتحقيق الأهداف والطموحات المرجوة. وقال إنه انطلاقا من ذلك ينبغي التأكيد على أن قرارات وتوجيهات المجلس الأعلى التي تنقل مجلس التعاون إلى مرحلة نوعية جديدة تنطلق بالطبع من دروس العمل الاقتصادي المشترك على مدى العقود الثلاثة الماضية، وتتطلب في الوقت ذاته مواصلة الجهود وتكثيفها، ولا سيما بعد دخول اتفاقية الاتحاد النقدي حيز التنفيذ ومباشرة المجلس النقدي لأعماله.
من جهته، قال محمد المزروعي، الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية في الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، إن المجلس الأعلى وحرصا منه على تفعيل اتفاقية الاتحاد النقدي فقد كلف مجلس إدارة المجلس النقدي بتكثيف العمل لإنجاز المهام الموكلة إليه بموجب هذه الاتفاقية، وتحديد البرنامج الزمني لإصدار العملة الموحدة وطرحها للتداول في ضوء ذلك، لافتا في الوقت نفسه إلى أن قيام المجلس النقدي لن يقلل من المهام الملقاة على لجنة المحافظين في استمرار بحث ما من شأنه تحقيق التنسيق اللازم بين دول المجلس في السياسات النقدية والتشريعات المصرفية كافة، والعمل على تحقيق مزيد من الاستقرار المالي والنقدي في دول المجلس.
وأشار المزروعي في كلمة ألقاها نيابة عن الأمين العام لمجلس التعاون، إلى المواضيع المعروضة على الاجتماع كالجانب الاقتصادي من رؤية البحرين لتطوير مجلس التعاون، ومرئيات الهيئة الاستشارية حول الأزمة المالية العالمية وتأثيرها في اقتصادات دول المجلس، إضافة إلى توصيات اللجان الفنية التابعة للجنة في مجالات الإشراف والرقابة، ونظم المدفوعات والتدريب المصرفي، وتوصيات اللجنة الفنية للاتحاد النقدي. وأيضا دراسة تنسيق الإجراءات النقدية والقواعد والمفاهيم والأسس الإشرافية والرقابية للمؤسسات المالية والنقدية في دول المجلس.
من جانبه، قال سلطان السويدي محافظ البنك المركزي الإماراتي على هامش الاجتماع إنه لا تجري في الوقت الراهن أي مفاوضات لإعادة الإمارات إلى الاتحاد النقدي الخليجي. وهنا، عاد محافظ المصرف المركزي الكويتي ليوضح أن اجتماع المحافظين أمس لم يناقش مسألة عودة الإمارات إلى الاتحاد، نافيا علمه بأي مبادرة لحسم موضوع موقع البنك المركزي الخليجي.