رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


توزيع الأرباح في ظل ندرة التمويل بين العقل والعاطفة

نتمتع في بلادنا بقوة اقتصادية وإنفاق حكومي غير مسبوق، الأمر الذي قلل من آثار الأزمة المالية العالمية الطاحنة على بلادنا بشكل كبير، إلا أنه في الوقت نفسه لا يمكن أن نغمض أعيننا عن صعوبة حصول منشآت القطاع الخاص السعودي على التمويل من المؤسسات والأسواق المالية المحلية والعالمية، فندرة التمويل ظاهرة عالمية تكافح جميع الدول لمعالجتها بآليات وبدائل متعددة.
ضرر الأزمة المالية الحالية واقع على كل المنشآت بصورة أو بأخرى، ولكن بدرجات متفاوتة والمنشأة الأفضل هي التي تمتلك السيولة أو تلك القادرة على تسويق منتجاتها أو خدماتها بأسعار جيدة، وجمع النقد واستثماره في تحقيق الاستمرارية في خط إنتاجها دون تأخير أو توقف، فالسيولة شحيحة والممولون في حالة ترقب مقرونة بنقص شديد في الأموال المتاحة للإقراض، ما يجعلهم أكثر انتقائية لعملائهم وبشروط تمويلية متشددة نوعا ما إذا ما قورنت بمرحلة ما قبل الأزمة المالية.
أجزم بأن المرحلة الحالية هي مرحلة إدارة أزمة لكل المنشآت الاقتصادية التي تدرك حجم الأزمة التمويلية العالمية، كما أجزم بأن المرحلة الحالية هي مرحلة إدارة التدفقات المالية بامتياز وهي مرحلة تستدعي تنسيقا وتكاملا لحظيا بين الإدارات الإنتاجية والتسويقية والمالية للمنشآت بقيادة مدير الشركة ومجلس الإدارة، وكل هؤلاء ينطلقون في قراراتهم من حسابات ومبررات عقلانية منطقية للسير في سفينة المنشأة إلى شاطئ النجاة في عاصفة مالية خطيرة أغرقت كثيرا من السفن فضلا عن إصابتها وتعطيلها الكثير.
على الجانب الآخر يقف حملة الأسهم الذين ينطلق معظمهم من منطلقات عاطفية، حيث يريدون الأرباح مهما كانت الظروف الاقتصادية في انتعاش أو انكماش دون تفكير في الآثار المترتبة على الشركة في ظل ندرة السيولة، كما يريدون لسعر السهم أن يرتفع لرفع قيمة أصولهم المتداولة لتسييلها بأسعار مرتفعة ولتعزيز قدراتهم الائتمانية لدى المؤسسات المالية للاقتراض بضمانها إذا أرادوا ذلك.
محمد العبار رئيس شركة إعمار العقارية قال في الجمعية العمومية لشركة إعمار العام الماضي ''إن توزيع الأرباح وعدم توفيرها للمشاريع كالذي يقوم بهدم بيته بعد أن أوشك على إكماله''، وهو كلام منطقي 100 في المائة. إذ إن توزيع الأرباح للمساهمين وإيقاف المشاريع المدرة للأرباح بسبب شح السيولة يعني قتل الشركة مستقبلا، ما يعني أن المساهمين سيفرحون بالأرباح لمدة قصيرة ثم يحزنون لفقدان كل قيمة أسهمهم بسبب تعثر أو إفلاس الشركة لعدم قدرتها على الإنتاج والتسويق وتحقيق الإيرادات لانعدام السيولة اللازمة لتطوير المشاريع التشغيلية.
الراسخون في العلم الاقتصادي وقياديو الشركات الكبرى يقولون إن الوضع الحالي الذي يمرون به أسوأ منه منذ عام، إذ إنهم استطاعوا الاستفادة من التمويل المتاح لهم قبل الأزمة المالية لتطوير مشاريعهم وتشغيل عملياتهم، ونظرا لندرة السيولة وضعف قدرات الجهات الممولة أصبحت المعاناة أشد والتباطؤ في العمليات التشغيلية والإنتاجية أكبر والجميع ينتظر حلولا حكومية تعالج شح التمويل العالمي، فكل الأرقام المتاحة تشير إلى مستقبل غير واعد على أقل تقدير إن لم يكن مستقبلا مظلما.
شركاتنا تنقسم إلى عدة أنواع حسب الجهات المالكة وحسب القطاع الذي تنشط فيه ولا شك أن توزيع الأرباح يتأثر تأثرا إيجابا إذا كانت المنشأة مملوكة بنسبة كبيرة للحكومة، على اعتبار أن الحكومة لن تبخل في تمويل منشآتها كما هو وضع شركات سابك والكهرباء والاتصالات، كما يتأثر إيجابا إذا كانت الشركة تنتج سلعا استهلاكية لا يستغني عنها السوق في جميع الأحوال كما هو حال شركات الأسمنت على سبيل المثال التي استثمرت فترة الانتعاش بامتياز في توسيع مصانعها وزيادة طاقاتها الإنتاجية، وغير هذه من الشركات أعتقد أن عليها أن تتروى بشكل كبير قبل توزيع أي ريال للمساهمين من باب حرصها على حقوق المساهمين أولا الذين لا يريدون أن يروا شركتهم متعثرة بعد توزيع الأرباح بمدة قصيرة أو متوسطة وإلا قد تجد نفسها أمام أزمة مالية خانقة ولا تجد من يمد لها يد العون المنقذة.
بعض المساهمين يخشى أن يؤثر عدم توزيع الشركة جزءا من أرباحها على المساهمين سلبا على قيمة السهم في سوق الأسهم، وأعتقد أن ذلك غير منطقي وغير مبرر فقيمة الأسهم اليوم تتأثر بشكل كبير بالقيمة الدفترية والربحية، ولا تتأثر بشكل كبير بالأرباح الموزعة وكبار المتعاملين في سوق الأسهم يدركون هذه الحقيقة ويتعاملون مع سعر السهم على أساسها، وأعتقد أن سعر السهم سيتأثر سلبا إذا كان توزيع الأرباح يشير بطريقة أو بأخرى إلى مشكلات ومصاعب ستواجهها الشركة. بل إنه من المعروف أيضا أن المؤسسات الاستثمارية وكبار المضاربين في سوق الأسهم لديهم القدرة على التنبؤ بالربح أو الخسارة ما يجعلهم يعطون السهم سعره الأعلى قبل تحقق الربح وسعره الأقل قبل تحقق الخسائر، وكلنا يرى كيف يقل سعر السهم بعد توزيع الأرباح مباشرة نتيجة هذا السلوك الاستباقي لقطف الثمار قبل الآخرين بناء على معلومات وتحليلات غير متاحة للعامة من المتداولين.
ختاما: أود أن أبين أن نظرية توزيع الأرباح من أهم نظريات الإدارة المالية لعلاقاتها المباشرة بالمساهمين ولآثارها على مستقبل الشركة وسعر سهمها المتداول بشكل متفاوت حسب الظروف الاقتصادية، وهي من القضايا التي ما زالت تخضع لكثير من الجدل في حقل الإدارة المالية والاستثمارات المالية إلا أنه من المعلوم أن الشركات المدرجة تعاني بشكل كبير من هذه القضية وقت الانكماش الاقتصادي وندرة السيولة والتمويل، حيث يتنبه المساهمون لهذا المصدر المالي ويطالبون به بشدة لتحسين أوضاعهم المالية بخلاف الوضع أيام الانتعاش، حيث لا يسألون عن الأرباح لاكتفائهم بالارتفاعات السعرية التي يحققها السهم، والمطلوب من مجالس إدارات الشركات والمساهمين أن يرجحوا كفة مصلحة الشركة على المدى البعيد على حساب إيرادات قليلة آنية ذات أضرار بالغة على مستقبل الشركة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي