كي تؤتي صناديق المؤشرات ثمارها

كشف رئيس مجلس هيئة السوق المالية النقاب عن إطلاق ''صناديق المؤشر'' نهاية الشهر الجاري. تعد ''صناديق المؤشر'' إضافة جديدة إلى عملية تنمية السوق المالية السعودية في سبيل الارتقاء بتنافسيتها في أداء دورها ضمن منظومة الاقتصاد السعودي.
تحمل هذه الإضافة في طياتها مجموعة من التطورات من الأهمية بمكان مدارستها من الناحية الفنية بما يسهم في التعريف بها كأداة استثمارية جديدة على السوق المالية السعودية. مدارسة شمولية مختصرة تهدف إلى التعريف بـ ''صناديق المؤشر''، وآلية عملها، وإيجابياتها، وسلبياتها، وآفاقها، وتحدياتها. تختتم هذه المدارسة باستقراء مختصر لما قد تضيفه ''صناديق المؤشر'' من جديد إلى السوق المالية السعودية.
تعرّف ''صناديق المؤشر'' بأنها صناديق استثمارية تتكون من حصص استثمارية متساوية أسوة بالصناديق الاستثمارية التقليدية. لكنها تختلف عنها في أن مكونات هذه الحصص الاستثمارية تكون متطابقة مع نسب الأسهم المدرجة في السوق المالية.
فلو أخذنا على سبيل المثال إنشاء ''صندوق مؤشر تداول'', وهذا الصندوق سيضم في سلته أسهم جميع الشركات المدرجة في السوق المالية السعودية بنسب مطابقة لنسب كل أسهم شركة مدرجة في السوق. ثم أخذنا أكبر ثلاث شركات مدرجة في السوق المالية السعودية من ناحية نسبة أسهمها الحرة إلى مجموع الأسهم الحرة في السوق المالية. فإننا نجد في أعلى القائمة الأسهم الحرة لمصرف الإنماء (6.74 في المائة من مؤشر تداول)، فمصرف الراجحي (4.77 في المائة من مؤشر تداول)، ثم بنك الرياض (4.70 في المائة من مؤشر تداول). فبالتالي، فإن تركيبة ''صندوق مؤشر تداول'' سيتوزع رأسماله حسب هذه النسب بوجود 6.74 في المائة من رأسمال الصندوق عبارة عن أسهم في مصرف الإنماء، و4.77 في المائة من رأسمال الصندوق عبارة عن أسهم في مصرف الراجحي، و4.70 في المائة من رأسمال الصندوق عبارة عن أسهم في بنك الرياض، وهكذا دواليك إلى باقي قائمة أسهم الشركات المدرجة في السوق المالية السعودية.
وقد تتنوع ''صناديق المؤشر'' حسب القطاعات المدرجة, فقد يكون هناك ''صندوق مؤشر المصارف والخدمات المالية''، و''صندوق مؤشر الصناعات البتروكيماوية''، و''صندوق مؤشر الأسمنتات''، و''صندوق مؤشر التجزئة''، و''صندوق مؤشر الطاقة والمرافق الخدمية''.
وربما تتنوع ''صناديق المؤشر'' كذلك حسب النشاطات الاقتصادية القائمة وأوراقها المالية المختلفة, فقد يكون هناك ''صندوق مؤشر التطوير العقاري'' ليضم أسهم وصكوك ووحدات صناديق ذات العلاقة بنشاط التطوير العقاري المدرج في السوق المالية السعودية. تعد هذه الأنواع المشتركة من الأوراق المالية مرحلة طرح متقدمة ستطرح في أوقات لاحقة في السوق المالية السعودية.
تتسم ''صناديق المؤشر'' بمجموعة من السمات الإيجابية التي تميزها عن مثيلاتها من الصناديق الاستثمارية التقليدية. من أهم هذه السمات انخفاض تكلفة إدارة ''صناديق المؤشر'' عن مثيلاتها الصناديق الاستثمارية التقليدية عطفا على عدم حاجة إدارة ''صناديق المؤشر'' إلى استخدام أدوات التحليل الاستثماري المختلفة للاستثمار في هذا السهم أو ذاك. هذا القرار قرار تم اتخاذه مسبقا من قبل مؤشر السوق ذاته عندما أدرج سهم هذه الشركة أو تلك. وبناء على ذلك فإنه يفترض أن تكون رسوم إدارة الصندوق التي يدفعها المستثمر لمدير الصندوق أقل من تلك المدفوعة لإدارة الصناديق الاستثمارية التقليدية.
التحدي الكامن الذي قد يحدث في هذا الجانب متى ما أغفل من قبل هيئة السوق المالية هو عندما يتجه مدير الصندوق إلى زيادة الرسوم الإدارية عن مثيلاتها في الصناديق الاستثمارية التقليدية بهدف زيادة الأرباح التشغيلية ما يجعل الاستفادة من جزئية انخفاض التكلفة مستحيلة من وجهة نظر المستثمر.
تتسم ''صناديق المؤشر'' في المقابل بمجموعة من السمات السلبية التي تميزها على مثيلاتها من الصناديق الاستثمارية التقليدية. من أهم هذه السمات المحاكاة الآنية لأوزان أسهم الشركات المدرجة في السوق المالية مع تلك الأوزان الموجودة في ''صناديق المؤشر''.
فمتى ما حصل تحديث على هذه الأوزان، كإدراج أسهم شركة إلى معادلة حساب المؤشر أو زيادة عدد الأسهم الحرة لشركة مدرجة، فإن ''صناديق المؤشر'' ستحتاج إلى بنية تحتية فنية تكون قادرة على التحديث التلقائي لأوزان الأسهم وما يرتبط بذلك من عمليات بيع وشراء أسهم بهدف تعديل الأوزان.
يكمن التحدي في هذا الجانب في عدم توفير تقنية التداول المتقدمة التي من شأنها تحقيق المحاكاة الآنية. وتقع هذه المهمة على عاتق تقنية التداول الموجودة لدى السوق المالية السعودية، من جهة، وتلك الموجودة لدى مدير الصندوق، من جهة أخرى. تأخذ هذه السمة في اعتبارها أن عددا من تقنيات التداول الموجودة لدى بعض شركات الوساطة المالية ما زالت تواجه تحديات فنية أكسبتها قصورا في إتاحة جميع خدمات التداول المقدمة من السوق المالية السعودية لعملائها.
طرح ''صناديق المؤشر'' هو تطور إيجابي سيضاف إلى حزمة المنتجات الاستثمارية الموجودة في السوق المالية السعودية، بدءا من الأسهم، مرورا بالصناديق الاستثمارية، ووصولا إلى سوق السندات والصكوك. ستشكل هذه الحزمة الاستثمارية خيارات متعددة أمام المستثمرين تتباين فرص عوائدها بتباين درجة جاذبية كل منتج استثماري.
تخبرنا صفحات تاريخ السوق المالية السعودية بتواضع جاذبية كل منتج استثماري عند بداية طرحه في السوق المالية السعودية, فالأسهم مرت خلال التسعينيات الماضية بتحدي انحصار تداولها في شريحة صغيرة من المستثمرين, ثم ما لبثت أن بدأت بتوسيع الدائرة بتدشين وسائل التداول الآلية المختلفة لتصل اليوم إلى شريحة كبيرة.
وصناديق الاستثمار كذلك واجهت التحدي ذاته عند طرحها مطلع التسعينيات الميلادية من العقد الماضي ثم احتاجت إلى موجة النمو الكبرى بداية العقد الحالي لتؤسس مركز جاذبية يليق بها اليوم. وسوق الصكوك والسندات لم تكمل بعد عامها الأول وما زالت تواجه تحديات في تأسيس مركز جذب يوازي دورها الاقتصادي متى ما لاحت في الأفق بوادر فرص تمويلية كبيرة. و''صناديق المؤشر'' كذلك ربما تحتاج إلى فترة زمنية لتؤسس قاعدة جذب تليق بدورها الاستثماري في السوق المالية السعودية.
ما يهمنا في هذا الجانب هو أبعد من موضوع مراكز الجذب الاستثماري إلى آلية المنافسة بين هذه المنتجات الاستثمارية المختلفة. هذه الآلية من الأهمية بمكان أن تأخذ شكلا يتوافق مع توجهات الاحتياجات الاستثمارية والتمويلية لقطاعات الاقتصاد السعودي المختلفة.
آلية من الأهمية بمكان ألا تترك لتطورات السوق لترسم خريطتها, بل على العكس من ذلك، أن تكون مبادرة الإمساك بريشة رسم خريطة التنافسية بين منتجات السوق المالية الاستثمارية المختلفة من هيئة السوق المالية بما يضمن المرونة والتنوع في تلبية احتياجات الاقتصاد السعودي من المنتجات والخدمات الاستثمارية والتمويلية المختلفة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي