مؤشرات لانقشاع الأزمة: المستثمرون يتخلون عن الحذر الشديد
من بين المؤشرات على انفراج الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، عودة حركة رؤوس الأموال عبر حدود القارات والأقطار. وتشير أحدث الأرقام إلى بعض النشاط للصناديق الاستثمارية وتخلي المستثمرين عن الحذر الشديد نحو المخاطرة الذي ميز فترة الأزمة.
وانتعش ضخ الأموال مجددا في منافذ ومشتقات مالية كانت تعد عالية المخاطر خلال عامي الأزمة الماضيين. ويقول في هذا الجانب أحمد مصطفى الكاتب الاقتصادي في «بي بي سي» إن الأمر يعطي مؤشرا بأن شهية المستثمرين انفتحت أكثر على السندات عالية العائد وديون الأسواق الصاعدة، فضخوا فيها في الأسبوع الاول من آذار (مارس) نحو 2.3 مليار دولار.
الواقع أن الأسواق الصاعدة ظلت مصدر جذب للرساميل، حتى خلال الأزمة العالمية لأسباب عدة. وللمرة الاولى، تجاوز نصيب الاقتصادات الصاعدة من الاستثمار الأجنبي المباشر عالميا نصيب الاقتصادات المتقدمة العام الماضي، فقد انخفض انسياب الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الأسواق الصاعدة في عام 2009 ليصل إلى 532 مليار دولار، متراجعا بنسبة 36 في المائة. لكن تراجعه كان أقل من التراجع في الاستثمار الأجنبي المباشر المتجه إلى الاقتصادات المتقدمة، الذي انخفض بنسبة 45 في المائة ليصل حجمه إلى 488 مليار دولار.
ويبدو ذلك تصحيحا لتوجه اعتاد على مخالفة القواعد البسيطة، إذ إن حركة الاستثمار الأجنبي المباشر ما كانت تخضع تقليديا للحكمة التقليدية. فالمنطق التقليدي يقول إن الرساميل تنساب من المناطق الغنية الأكثر وفرة إلى المناطق الأفقر والأقل أموالا.
ويوضح مصطفى «لكن توجه الاستثمار الأجنبي المباشر على مدى عقود كان بالعكس، أي أن الاقتصادات المتقدمة الغنية بتراكم الرساميل كانت تجذب القدر الأكبر من حجمه عالميا». ويرجع ذلك إلى أن المستثمرين يجدون في الاقتصادات المتقدمة مناخا استثماريا جيدا ومخاطر أقل. كما أن القدر الأكبر من حجم الاستثمار الأجنبي المباشر كان في عمليات الدمج والاستحواذ، معظمها في الاقتصادات المتقدمة. وتاثر الاستثمار الأجنبي المباشر سلبا بشدة خلال عامي الأزمة نتيجة التراجع في تلك العمليات.
وبشكل عام تراجع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في العالم في العامين الأخيرين، بعدما وصل إلى أعلى مستوياته عام 2007 متوجا أربعة أعوام من عمليات الدمج والاستحواذ ليبلغ 2.08 تريليون دولار. فقد انخفض حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في العالم عام 2008 بنسبة 17 في المائة ليصل إلى 1.72 تريليون دولار. ثم تراجع أكثر في العام الماضي إلى تريليون دولار فقط، منخفضا بنسبة 41 في المائة.
وبالنظر لتفصيل الأرقام ما بين الاقتصادات الصاعدة والاقتصادات المتقدمة، كان وضع الأولى أفضل خلال فترة حدة الأزمة. إذ تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر الداخل إلى الاقتصادات المتقدمة في عام 2008 بنحو الثلث تقريبا، فيما زاد الاستثمار الأجنبي المباشر المتجه إلى الأسواق الصاعدة بنسبة 11 في المائة.
وتشير الأرقام والتحليلات الاقتصادية والمالية أخيرا إلى أن ذلك التغير لا يعود فقط إلى التراجع الشديد في عمليات الدمج والاستحواذ في الاقتصادات المتقدمة، ولكن أيضا بسبب تغير عوامل جذب الاستثمارات في الاقتصادات الصاعدة ذاتها، ولا يقتصر الأمر على اقتصادات كبيرة سريعة النمو كما في الصين والهند، بل يمتد ليشمل أسواقا صاعدة أخرى منها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ولم تعد المخاطر عالية في الاقتصادات الصاعدة بسبب تطور المناخ الاستثماري وتحديث القوانين، إلى جانب النمو القوي في تلك الاقتصادات وضمان عائدات أعلى على الاستثمار فيها. ومع عودة الاستثمار الأجنبي المباشر إلى عافيته، أثر خروج الاقتصاد العالمي من الركود وانفراج أزمة الانكماش الائتماني، يتوقع استمرار إغراء الاقتصاد الصاعد لانسياب تلك الاستثمارات.
في الوقت ذاته، كشف الاستطلاع الشهري لبنك أوف أميركا ميريل لينش عن آذار (مارس) تحول مديري صناديق الاستثمار عن الاستثمار في الأصول الأوروبية لمصلحة الأمريكية واليابانية مع تزايد المخاوف حيال تعافي الأسواق الأوروبية بعد الأزمة اليونانية.
ووفقا للنتائج أعلن 46 في المائة من مسؤولي تخصيص الأصول أنهم عززوا حصة الأسهم في محافظهم الاستثمارية، عن حصتها التي بلغت 33 في المائة خلال الشهر الماضي. في المقابل، انخفضت الحصة النقدية في تلك المحافظ، حيث أفاد المشاركون في الاستبيان بأنهم بلغوا مرحلة محايدة في صافي المخصصات النقدية مقارنة بـ 12 في المائة منهم فضلوا تلك المخصصات في شباط (فبراير) الماضي.
ورصد الاستطلاع تحول مسؤولي تخصيص الأصول عن الاستثمار في الأسهم الأوروبية، حيث ارتفع صافي نسبة الذين خفضوا حصتها في محافظهم الاستثمارية إلى 21 في المائة الشهر الحالي مقارنة بـ 2 في المائة في كانون الثاني (يناير) وحدث في المقابل تحول لمصلحة الاستثمار في الأسهم الأمريكية، حيث ارتفع صافي نسبة الذين زادوا حصتها في محافظهم الاستثمارية إلى 19 في المائة الشهر الحالي مقارنة بـ 1 في المائة فقط . كما استعادت الأسهم اليابانية شعبيتها، حيث ارتفع صافي نسبة الذين زادوا حصتها في محافظهم الاستثمارية إلى 6 في المائة الشهر الحالي، في أعلى نسبة من نوعها منذ آب (أغسطس) 2007، مقارنة بـ 10 في المائة خفضوا حصتها في محافظهم الاستثمارية في كانون الثاني (يناير).