الصحف في المواجهة اقتصادياً
إن الثورة المعلوماتية في عالم الإنترنت مثلما هي خلقت فرصاً اقتصادية جديدة أو مختلفة عن الأنماط السائدة في الأنشطة الاقتصادية إلا أنها أيضاً قللت من حظوظ أعمال أخرى خصوصا تلك النمطية التقليدية التي لم تجار هذا التسارع في التغيير في محيط أعمالها. ومن تلك الصناعات التي هدد ويهدد نشاطها التنامي الرقمي والمعلوماتي ووتيرة نمو تلك الصناعة في السوق صناعة الصحف الورقية في الإعلام، حيث صار عدد من جماهير تلك الصحف يتابع النسخ الرقمية (بالإنترنت) مما قلل نسب التوزيع والإعلان وبالتالي مداخيلها. ولذا فقد ذهبت بعض الصحف المرموقة إلى التفكير في استغلال هذا التغيير لصالحها بدلاً من أن يكون مصدر تهديد. فالبعض فرض رسوما على النسخ الرقمية مع تغيير تلك النسخ في التصميم عن تلك الموجودة في الموقع المعتاد في الإنترنت وآخرون فرضوا رسوماً على اشتراك قراءة مقالات كتاب العمود الأكثر شعبية على الإنترنت. ومثال ذلك «نيويورك تايمز» بين عامي 2005 و2007م و»لوس أنجلوس تايمز» في فرضها رسوم على أخبار الصحف في وقت من الأوقات ولم تقتصر تلك الرسوم على الصحافة والجرائد بل تعداها إلى المجلات والصحف المتخصصة مثل «فايننشيال تايمز» حين فرضت رسوماً على أولئك الذين يقرأون أكثر من عشر مقالات شهرياً على الإنترنت «المصدر: الإيكونومست العربية 1 أيلول (سبتمبر) 2009 نقلاً عن «الاقتصادية» (1) رمضان 1430». إلا أن مثل هذه الإجراءات تخلت عنها تلك المؤسسات الصحافية لاعتبارات تهم أخيرا مداخيلها الرأسمالية وبحساب الربح والخسائر.
ومن جملة هذه التوجهات هل ينظر إلى مستقبل صناعة الصحف بأنها مهددة بالانقراض أو عدم الجدوى الاقتصادية؟ في تقديري لا أظن ذلك. فالصحف لم تنقرض بوجود الإذاعة والتلفزيون وغيرها من وسائل الإعلام والتي تعتبر أكثر آنية وأكثر تصويراً للواقع علماً بأن مثل هذه الوسائل الإعلامية قفزت قفزات هائلة في تقليل التكاليف بالإنشاء وسهولة الربحية مما نتج عنه امتلاء الأفق بقنوات الإذاعة والتلفزة بشكل غير مسبوق. ولذا فقنوات الإذاعة (الراديو) لم تنته عندما خرج التلفزيون كوسيلة إعلامية أكثر جذباً بل إنني أراها تعاملت مع المتغيرات فيما يخدم رسالتها غير أن التنافس البيني في الصناعة صار أكثر حدة.
إن لكل صناعة أو جزئية في أي صناعة من الصعب أن تندثر تماماً أو تصير نسياً منسياً لكنها بلا شك إن لم تأخذ بأساليب مجاراة محيط الصناعة فستقل أهميتها إلى حدود الهامشية. وهذا بالطبع مآله اعتبارات محددات وخصائص كل صناعة وكل جزئية في أي صناعة ومحاور نجاحها وفشلها وكذلك مصادر التهديد والفرص في محيط أعمالها وبيئته. وفي سوقنا المحلية أعرف من خلال تعاملي المتواضع مع بعض المهتمين أو القائمين على بعض الصحف المحلية أن جزءاً منهم يستأثر بنجاحات متوالية بينما آخرون يسجلون خسائر متوالية. والسبب في ذلك خصوصاً أولئك الخاسرين هم من الذين لم يتعاملوا مع متغيرات الصناعة بشكل يدعم موقفهم اقتصادياً (مالياً) وتحكيم أساليب الإدارة الحديثة وجعل هذه المطبوعة أو تلك لا تعدو عن كونها في النهاية مشروعا استثماريا يجب على رعاته العناية بجزئيات النجاح والفشل في كل ما يخص نظم الإدارة المتكاملة وعلى وجه التحديد التسويق، الموارد البشرية وتكاليف التمويل والإنتاج والتقنية.