نحو تنظيم وتقنين تدريب المدربين وإعداد القياديين (1 من 2)
نتيجة للمتغيرات في «سوق العمل» والحاجة إلى المواءمة مع متطلباته، أو كما يستسيغها ويفضلها البعض، «متطلبات التنمية» تبرز الحاجة إلى التدريب وبالذات المهني المتخصص. لم يتم اللجوء إلى هذا الحل إلا بعد أن وجدت كثيرا من المؤسسات المدنية والعسكرية؛ أن هناك بعدا بين ما يقوم به الموظف أو المنسوب، وما يجب أن يفكر فيه ويؤديه بطريقة نموذجية أو بأسلوب منهجي يحقق متطلبات العمل. هذا البعد إما أنه يؤخر هذه المؤسسات في الأداء وبالتالي في نوعية المخرجات، أو يجعلها عشوائية العمل مما يجعل المستفيد متلقيا لخدمة أو حتى منسوبا، يختار جهة أخرى تفيده بشكل أفضل. هنا تبدأ مرحلة ارتكاب الأخطاء إذا لم تعد خطة لمواجهة مثل هذه التحديات. فقد تلجأ المؤسسة إلى أن تسخر إمكانات أفرادها لتحديد ماهية وحجم الخلل ليتم التعاون مع جهة خارجية للقيام باللازم. أو أن ترمي بهذا العبء على شركة أو مؤسسة، وطنية كانت أم خارجية، فيتم إعداد مسودة برنامج يضع جميع ما تراه المؤسستان استراتيجيا للشروع فيه بأسرع ما يكون، لرفع مستوى الأداء والإنتاجية. واقعيا المشكلة هنا أبعد من كونها تحديد ماهية الخلل ووضع برنامج للحل؛ حيث إن حجمي المؤسستين الراغبتين في التحسين والمقدمة للخدمات التدريبية قد لا يتوافقان ولا يوجد تصنيف نظامي لذلك. كما أن معايير وأطر التدريب واعتماد فئات المدربين في التخصصات المختلفة غير منشور أو معتمد إلى الآن. هذا يجعل عملية التدريب تحتاج إلى اهتمام أكبر، لأننا في السعودية نعيش مرحلة انتقالية في جميع الحقول نحاول بها اختصار الزمن وترجمة ما يبذله ولاة الأمر ــ يحفظهم الله ــ بأن التطور ليس ظاهريا أو كميا فحسب بل هو أيضا نوعي ومخطط له أن يستديم ـ بإذن الله.
إن مما يؤكد هذا الطرح ما شوهد ولوحظ في كثير من المواقع ونتج عن كثير من الدورات التدريبية والتأهيلية لمنسوبي القطاعين الحكومي والخاص خلال السنوات الثلاث الماضية. فنجد أن المتدربين أصبحوا عارفين ولكن مازالوا غير قادرين على الأداء بالكفاءة المتوقعة نفسها بعد حضورهم الدورة. ما يزيد في حجم المشكلة هو أن تكون الدورة لتدريب «المدربين» أو إعداد «القياديين» أو تطوير مهارات «أعضاء هيئة التدريس». سأركز هنا على هذا النوع من التدريب وهذه الفئات لأهميتها في قيادة الفكر والإدارة والنظم مستقبلا. كما يعول عليهم إكمال مسيرة التنمية إلى استدامة ـ بإذن الله. لقد وجدت في البداية: أن (1) مسببات وتقدير الحاجة إلى التدريب مبني على نقاط منقولة أو معاد صياغتها من بعض مواقع على الإنترنت أو خلافه ولا تمثل واقع المشكلة. (2) محتوى برنامج الدورة كأنه نسخة من حقائب أخرى اعتمدت لمواقع أخرى ولم يراع فيها اختلاف نوعية العمل وتطور المهارات واستخدام الوسائل الحديثة في هذا العمل أو ذاك. (3) في الدورات التي تتعلق بالتربية أو التعليم في مرحلتيه، يتم الاجتهاد في بعض الحقائب حيال تقدير أعمار الملتحقين أو مستوى التعليم أو المستوى الوظيفي ... إلخ. (4) في المحتوى يكثر ويصبح ممجوجاً أن تستخدم المترادفات وبتكرار من دون اهتمام بسبب استخدام المفردة أو التركيز على المطلوب وكأنه استعراض لغوي لمصمم الحقيبة. فقد لاحظت أننا نستخدم «البيانات/ المعلومات/ المعرفة» كمصطلحات في تبادل وخلط غير مستساغ لدى كثير من المتخصصين والعارفين في حين أن المفترض في هكذا دورات أن أول ما تعنى به هو تعليم المتدرب بطريقة نموذجية وعلمية صحيحة. مثال آخر، العبارات التي تدور حول «الوضع الاقتصادي» وبالذات في الدورات التي تلامس مواضيعها الاهتمام بالنواحي الاقتصادية، أراها مستغلة لإقناع المجتمع بأن الدورة متوائمة مع أحداث الساعة. (5) تكون شخصية المدرب مفقودة في الدورات التي يلتحق بها جميع فئات المتدربين المعروفة لأي دورة، فيفقد البعض تواصلهم مع المادة ومقدمها ولا يجني الكثير سوى إضاعة الوقت. (6) لقد أصبح استخدام التقنية أمر بديهي إلا أن بعض الدورات لا تحتوي في الحقيبة على قرص CD أو ذاكرة مضيئة Flash Memory أو إشارة إلى عنوان على الإنترنت لأمثلة خاصة موضحة بإسهاب. وإذا تم ذلك لا يستطيع المتدرب تطبيق 25 في المائة مما تعلمه مما يعني أن هناك فجوة جديدة لابد أن تردم. (7) عملية التقييم للنساء عادة ما تكون نظرية أو تقديرية عشوائية في كثير من الدورات المنقولة عبر الدائرة التلفزيونية دون الاهتمام بأنه يعول عليهن الكثير في القادم من البرامج والمشاريع وبالذات في قطاعي التعليم والصحة وما يرتفق بهما. (8) الانتهاء بالحصول على شهادة الحضور أو الاجتياز، هو همُّ المتدرب الوحيد في كثير من الأحيان، ولكن لا يبدو واضحا أن من هم المدرب أن يحصل المتدرب على أكثر من ذلك وهو تطبيق ما استفاده من الدورة عمليا.
إن دورات التدريب للقياديين وبالذات في بعض التخصصات التطبيقية لا أعتقد أنها تؤدي الغرض منها بشكل متميز، ولكن لا يمكن الجزم بذلك، لأنه لم تتوافر بعد الأرقام والنسب في دراسة تنشر وتعلن من جهة رسمية أو خاصة بغرض الإفادة والتطوير المستمر. وللحديث تتمة.