كسل اقتصادي
لدينا طريقة عجيبة.. وأقصد هنا نحن معشر الشباب السعوديين، في طريقة تفكيرنا الاقتصادي والاستثماري، أقل ما يمكن القول عنها إنها «كسل اقتصادي»، نعم كسل لا معنى له ساعد كثير من العوامل الثقافية والاجتماعية وأحيانا الإدارية والقانونية في تكريسه، وجعله جزءا من طريقة عملنا الاستثماري، بل مفخرة نتغنى بها في المجالس كما سنعرف لاحقا في هذا المقال.
وكي تتضح الصورة أكثر.. أنا هنا لا أتحدث عن «التستر»، بل أتحدث عن المئات من الشباب الذكي والمتعلم الذي قرر تحسين دخله المادي عبر الاستثمار في مشاريع صغيرة أو حتى متناهية الصغر، ولكنه قرر لأسباب نعلمها وأخرى نجهلها أن يوكل ذلك العمل أو المشروع في المحصلة النهائية لوافد مقيم يتمتع هو وثلة من بني جلدته به أعواما مديدة وجني أرباح كبيرة إن لم تكن طائلة، فيما يكتفي هو بإيراد شهري ثابت لا علاقة له بحجم نمو المشروع.
لدي صديق برع في هذا «الكسل» الذي يسميه ذكاء استثماريا حادا..فبعد أن كان قد بشرني بأنه اشترى قبل عام «وايت مياه» موديل قديم بنحو 30 ألف ريال، وسلمه حينها لمقيم باكستاني يقوم بدوره بتحويل مبلغ 1500 ريال شهريا إلى حسابه الخاص .. جاءني قبل أيام ليدعوني للمشاركة في استثماراته البارعة وهي تجهيز محل حلاقة بديكور مميز وسبعة مقاعد وتسليمه لصديق تركي يعرفه مقابل سبعة الآف ريال شهريا.. كل ما علي فعله هو تجهيز المحل ومن ثم إعطاء الصديق الوافد رقم الحساب الخاص ببنكي ليقوم بدوره بالتحويل الفوري والشهري.
الفكرة رائعة أن تؤمن دخلا شهريا إضافيا إلى مرتبك، كما أن في الحركة بركة، ولكن لماذا لم يقم صاحبي بتجهيز المحل والإشراف عليه ومنح هؤلاء الحلاقين راتبا أو نسبة يقررها من خلال متابعته الأسبوعية لأداء «الحلاق»؟
السبب بكل بساطة كما يقول صاحبي متهكما بالمصري «ما ينفعش».. لأن الصديق التركي هو من سيؤمن العمال على طريقته، كما أنه سيؤمن المواد الأولية وطريقة العمل وفق مقدراته، إضافة إلى أن الإجراءات البلدية وغيرها باتت أسهل له منك كمواطن، إلى جانب أن منحه راتبا لا يحفزه على العمل .. وهنا توقفت وقلت بالتأكيد فإن المرتب لا يساوي شيئا عند محصلة شهرية تتجاوز 20 ألف ريال على الأقل.
ما أود التأكيد عليه أن هناك المئات من المشاريع الصغيرة التي يبدع الشباب السعودي في تبنيها، ولكن هناك ما يمنعهم من النهوض بها وحدهم فيتسلمها المقيم الوافد .. بمعنى أن الحال ينطبق على 99.9 في المائة من المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر العاملة في الاقتصاد الوطني، ومنها على وجه التحديد (المطاعم، محال الإلكترونيات، سيارات السحب «السطحات»، الفوالين، المفروشات، نقل البضائع...).
والسؤال: هل هذه الطريقة في العمل صحية أم لا.. وكيف يمكن إيقافها!؟