مهرجان الجنادرية .. ما له وما عليه
أصبح مهرجان الجنادرية السنوي من أبرز المعالم الثقافية والتراثية في بلادنا، وحري به أن يسير إلى الأفضل مع مرور السنين. وقد كانت فكرة رائعة من البداية بغرض عرض الأشكال المتنوعة من التراث والتقاليد الاجتماعية التي تزخر بها جميع مناطق المملكة على اختلاف العادات والمشارب. وشمول المهرجان للندوات الأدبية والعلمية أضفى عليه نكهة عالمية بحضور ومشاركة الأدباء والعلماء المتميزين من نواح كثيرة من العالم. وقد بذل المسؤولون في الدولة والمشرفون المباشرون على مهرجان الجنادرية مجهوداً جباراً من أجل إخراجه بالصورة التي تليق بمكانة وقيمة تراثنا العريق. واختيار منطقة الجنادرية مكاناً للمهرجان كان اختياراً مُوفقاً، نظراً لكونه خارج العمران والازدحام الذي هو آفة العصر الحديث لما يترتب على ذلك من مشقة مع كثرة المركبات وخطورة السير داخل المدن. ونحن نعلم ونشاهد التغيُّرات والتحسينات الإيجابية التي يُجريها المنظمون من سنة إلى أخرى حتى يظهر المهرجان في كل مناسبة جديدة أفضل من التي قبلها، وفي الوقت نفسه، يتفادوا تكرار الهفوات التي قد تطرأ على بعض الفقرات أو أي مرحلة تتعلق بالتنظيم العام.
ولكن مهما كان الأمر ومهما تضاعف الاجتهاد، فلا بُدَّ من أن هناك دائماً وأبداً مجالاً واسعاً لتحسين الأداء وتنظيم برامج العرض وتسهيل وصول زوار المهرجان من مدينة الرياض وداخل أسوار المعرض حتى تكتمل المتعة وتقل الحوادث، إضافة إلى زيادة راحة الذين يأتون من أماكن خارج منطقة الرياض وأوقاتهم محدودة. فلو، على سبيل المثال، تهيأت للزوار المحليين وسائل نقل عامة ومريحة لمنْ يُريد منهم ذلك ودون مقابل، تسير من مواقف مُعينة داخل المدينة، مثل مواقف استاد الملك فهد وأماكن أخرى في نواحي الرياض، وتوصيلهم إلى موقع المهرجان في الجنادرية حسب جدول زمني مُنظم ودقيق ذهاباً وإياباً، مع توفير مواقف كافية وآمنة لمركباتهم. فإن أمكن جذب نسبة كبيرة من الذين يريدون الذهاب إلى المهرجان، فإن ذلك سيُقلل من ازدحام المركبات في منطقة الجنادرية وفوضى المواقف هناك، التي عادة ما تربك المنظمين ورجال المرور. وعندما يدخل الزائر إلى أرض المهرجان ويتجه نحو أماكن العرض وحفلات التراث الشعبي يجد صعوبة وهو يجتاز طرقاٌ وممرات بعضها ترابي، مع قِلة في اللوحات الإرشادية التي توضِّح لكل اتجاه المعالم المقصودة. وقد لاحظنا خلال السنوات الماضية عدم وجود ما يدل على وقت ابتداء عرض بعض الأنشطة اليومية المهمة مثل ''السواني'' التي تُمثل عملية رفع الماء من البئر إلى البركة بواسطة الجِمال والحمير قبل وصول المضخات الميكانيكية الحديثة إلى المملكة. ومن أجل إضافة تسهيلة مهمة لزوار معارض التراث الشعبي، يُستحسن أن تكون هناك، بجانب اللوحات الإرشادية، شرح قصير ومُبسَّط عن تاريخ واستخدام بعض الأنشطة الرئيسة في المجتمع القديم، وحبذا لو يكون جزء من الشرح على هيئة تسجيل صوتي مثل الذي نشاهده في المتاحف. ونود لو يجد المشرفون حلاًّ للزحام الشديد الذي يحدث أحياناً داخل مساحة المهرجان، حتى ولو تطلب ذلك تركيب كاميرات مُراقبة تُساعد على التنظيم وحفظ الأمن. وقد كان حفل الافتتاح في السنوات الأولى من عمر المهرجان، يشمل استعراضاً جميلاً لمعظم الفرق المشاركة في مناسبة الجنادرية برقصاتها وأهازيجها مما كان يدفع ملل المشاهد خلال ساعات العرض الأول. ولكن حفل افتتاح اليوم الأول للمرجان تغير في السنوات الأخيرة وتحول إلى ''أوبريت'' يُعاد كل سنة وبالطريقة نفسها حتى أصبح مملاً لكثرة تكراره. ولا بأس من تقديم ''أوبريت'' قصير لا يتعدى زمن عرضه نصف ساعة، تليه فقرات مُختارة من أنواع التراث الشعبي الذي تشتهر به بعض مناطق المملكة.
ومن الملاحظ خلال المهرجانات السابقة العناية الكبيرة والتنظيم المتميز الذي يوليه المنظمون للوفود الرسمية في الصباح، وهو فعل محمود ويُشكرون عليه. ويود جمهور المساء أن يلقى الاهتمام نفسه من المسؤولين والمرشدين على أرض المهرجان. ويشتكي بعض الزوار من المواطنين من خشونة المعاملة التي يلقونها من رجال الأمن والمشرفين على برامج المهرجان، ويستغربون حدوث مثل تلك التصرفات، وإن كانت قليلة وليست ظاهرة، في وقت تتعامل فيه أجهزة الأمن والجهات المساندة لها مع حجاج بيت الله وهم بالملايين بحرفية فائقة وفي منتهى اللطف واللباقة وحسن الخُلق.
وبما أن القصد الرئيس من إقامة المهرجان هو عرض ما تبقى لنا من تراث وعادات الآباء والأجداد، فمن الأولى أن تُحصر جميع الأنشطة داخل سور المهرجان على السعوديين بكل ما تعني هذه الكلمة، وهي مناسبة طيبة يشترك فيها الشباب الذين يبحثون عن العمل، وإن كان ذلك لفترة قصيرة. ومن المؤمل أن يكسب الشباب الجاد من وراء اشتراكهم في العمل خبرة طيبة في طرق التنظيم والعمل الجماعي التي ستفيدهم في حياتهم المستقبلية، ويمنحون مُكافآت مُجزية وليست رمزية من أجل أن يتضاعف جهدهم. ولا نعلم لماذا لا تمتدُّ عُروض مهرجان الجنادرية إلى مدة أطول لإتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من المواطنين من منطقة الرياض والمناطق الأخرى للاستمتاع بمشاهدة الأنشطة المختلفة. فإذا لم يكن المانع من التمديد محدودية ميزانية الصرف، فنتمنى من الهيئة المشرفة أن تنظر في مسألة زيادة عدد أيام العرض لتكتمل الفائدة المرجوة. وحبذا لو عملت الجهات المسؤولة ترتيبات مع بقية المناطق في المملكة لتسهيل أمر حضور وفود طلابية مُنتخبة لقضاء على الأقل يوم واحد أو يومين لكل مجموعة من أجل نشر ثقافة التراث بين أفراد المجتمع الكبير. وقد تكون الفائدة أكبر لو أن وقت افتتاح المهرجان يُصادف عطلة الربيع حتى يتسنى لأكبر عدد ممكن من الزوار اغتنام فرصة الحضور.
ومن أجل تحسين المنظر العام لموقع المهرجان، يُلاحظ المرء كثرة وجود محال البيع بشكل فوضوي وعشوائية ظاهرة خارج مداخل أرض المهرجان، مما يُشوِّه الصورة التي تُمثلها هذه المناسبة الطيبة. وإذا كان لا بُدَّ من وجود هؤلاء عند بوابات المعرض الرئيسة، فلا أقل من تنظيم محالهم ومعروضاتهم بطريقة مُنظمة وحضارية أمام الزوار من المواطنين والأجانب. وبعضنا قد زار أماكن تاريخية وتراثية مشابهة خارج بلادنا وشاهد العناية الفائقة التي يبذلها المشرفون في مثل تلك المناسبات من تنظيم وحرص شديد على حسن الترتيب والمظهر والنظافة العامة.
وهذه الملاحظات والاقتراحات ما هي إلا إضافة بسيطة لعمل كبير ومجهود ضخم يقوم به المُنظمون والمُشرفون من إعداد دقيق لبرامج العروض والحفل يستغرق أشهراً طويلة واستقبالاً مُنظماً لضيوف المهرجان، برعاية سامية من أبي الجميع - حفظه الله - فجزى الله المخلصين من أبناء شعبنا خير الجزاء.