رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


المناهج الدراسية .. الإشراف الرسمي واللامركزية

قرأت في جريدة «الاتحاد» الإماراتية بتاريخ 21/1/1431هـ خبراً يفيد بأن وزارة التربية في الإمارات حظرت تدريس كتابين يدرسان في إحدى المدارس الخاصة الموجودة في الدولة, وبرر حظر الكتابين لأنهما يدرسان موضوع المحرقة التي يدعي اليهود حدوثها لهم في ألمانيا على أيدي النازيين، لكن الكتاب الأول لا يقتصر على تدريس الحدث التاريخي لكنه يبرر احتلال فلسطين من قبل اليهود، ويدعو إلى قيام دولة إسرائيل الكبرى, مؤلف الكتاب الأول, والمعنون Night with connection يهودي يدعى إيلعازر ويلز, ودخل الكتاب الإمارات بعد أن غير غلافه الأصلي الذي كان يحمل النجمة السداسية. هذا الخبر يجسد أموراً عدة أهمها السعي الدؤوب, والمستميت من قبل اليهود إلى جعل قضيتهم قضية العالم بأسره, وذلك بتحريك عواطف الناس ومشاعرهم حتى يتعاطفوا معهم, ويقفوا بجانبهم، إضافة إلى صرف الانتباه عن الجرائم، والمجازر، وتزوير التاريخ الذي يزاولونه ليل نهار على أرض فلسطين، وما حرب غزة، وهدم المنازل، وقتل الناس في بيوتهم، وتهويد القدس، وقرار نتنياهو بجعل الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال جزءاً من التراث اليهودي إلا مثال بسيط على التاريخ المليء بالجرائم التي لا تسعها المجلدات، ويضيق الشرفاء بها ذرعاً.
وبالتأمل في الخبر يتساءل المرء عن الدور الذي تمارسه المدارس الخاصة، والسبب الذي يجعل مدرسة أكاديمية دبي العالمية تدرس هذه الكتب, وما المصلحة من ذلك؟! هل هذه المدارس على الأرض العربية، وفي دولة عربية لها مصلحة مادية مباشرة, أم أنه توجد مصلحة لاحقة ذات علاقة بالقيم والثوابت المشتركة بين اليهود أصحاب قضية الهولوكوست, والقائمين على هذه المدرسة؟! المنطق يقول إن المصلحة المادية المباشرة تكون بتجنب هذه المدرسة وغيرها مخالفة قوانين وأنظمة الدولة التي أذنت لها بممارسة نشاطها، لكن يبدو أن المصلحة المؤجلة والمتمثلة في إيجاد أجيال يتم مسخهم من ثوابتهم، ويحل محلها ثوابت قوم آخرين يمثل هدفا أقوى لأنه يحقق مصالح أكبر في المستقبل خاصة إذا كان العقاب سيقتصر على حظر الكتب المخالف للنظام.
الغرب نصب نفسه بكل إمكاناته المادية، والمعرفية والإعلامية، والثقافية والاقتصادية والسياسية للدفاع عن المشروع اليهودي القائم على الظلم والقهر، وسلب الآخرين حقوقهم, ومشروع علاء الدين المتفق عليه بين «اليونسكو» ووزارة الخارجية الفرنسية هو آخر شواهد الدعم الغربي لليهود في ظلمهم وجبروتهم، حيث إن هذا المشروع يدعو إلى تدريس المحرقة التي مضى عليها 60 سنة في مناهج ومقررات المدارس في العالم أجمع سعياً إلى حشد التعاطف مع اليهود. يعجب المرء ذو العقل السوي, وهو يسمع مثل هذه الأخبار التي تعيد الناس والعالم إلى 60 سنة مضت في حين المجازر القائمة ليل نهار على أيدي اليهود، وبدعم غربي يتم إغفالها، وصرف الأنظار عنها. هل يراد من الآخرين خارج العالم الغربي أن يشعروا بالذنب إزاء فعل لم يرتكبوه؟ أم أن الغرب بمثل هذه المشاريع يسعى إلى التغطية على جرائمه وأفعاله المشينة في العراق وأفغانستان وغيرهما من العالم. الهولوكوست إن ثبت حدوثها تمت على أرض أوروبية، وارتكبها الألمان فما دخل الآخرين بها حتى تدرس لهم؟!
قد يجادل البعض ويقول هذه مأساة إنسانية، وعلى الجميع التعاطف مع الضحايا، وهذا أمر صحيح لو أن الضحية لم يتحول إلى جلاد يقتل ويدمر ويسلب الآخرين حقوقهم وإنسانيتهم، يكون التعاطف واجباً لو أن اليهود بقوا في بلدانهم الأصلية ولم يحتلوا فلسطين, ويقتلوا أهلها, ويدمروا ممتلكاتهم، أما وقد مارس اليهود جرائمهم في حق أناس لم يعتدوا عليهم أو يسيئوا لهم, فهذا أمر غير مقبول, ولا يمكن قبول مشروع «اليونسكو», التي يفترض أن تكون مركز إشعاع معرفي حقيقي يدعم الحق والعدل بدلاً من أن تكون أداة تحركها القوى الغربية.
الغرب ومعهم اليهود يعتبرون أنفسهم في قارب واحد نظراً للإرث والثقافة والمصالح المشتركة، لذا لا نستغرب مواقف الغرب العدائية نحونا نحن العرب, والمسلمين، لكن الغريب مواقف بعض المثقفين العرب الذين يظهرون على الفضائيات يبررون مشروع علاء الدين, ويتناسون المآسي التي أحدثها اليهود, ويحدثونها على الأرض العربية. ما من شك أن المناهج الدراسية تحدث أثرها العميق في عقول الناشئة ومشاعرهم, ولذا تم التحرك من خلال «اليونسكو» كمظلة دولية يمكن من خلالها التأثير في الدول, وابتزازها باسم عدم معاداة السامية، ولذا من واجب المثقفين، والكتاب ورجال التربية والتعليم أن يدركوا خطورة ما يخطط له وعلى المكشوف. لقد تساءلت, وأنا أتابع موضوع مشروع علاء الدين عن موقف مندوبي الدول العربية والإسلامية في «اليونسكو» من هذا المشروع, إذ إنني لم أقرأ أو أسمع أي موقف قد أخذ سواء بصورة فردية أو جماعية في وجه هذا المشروع الخطير.
تحية تقدير واحترام لوزارة التربية والتعليم الإماراتية, ولولي الأمر الذي بلغ عن الكتب، وحبذا لو وجدت آلية محددة تتيح للوزارة إمكانية متابعة المدارس الخاصة التي لا تخضع للمناهج الرسمية، على أن هذه الدعوة لجميع الدول العربية والإسلامية حتى لا تتحول المدارس الخاصة إلى معول هدم في مجتمعاتنا. إن اللامركزية جيدة متى احترم من يعملون في إطارها قيم وثوابت المجتمع الذي يعملون فيه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي