سياسات تطوير قطاع المال الإسلامي في ماليزيا
تحتل ماليزيا دورا رياديا مركزيا في شرق آسيا وتحديدا في القطاع المالي الإسلامي، وامتيازها في التخطيط لهذه الصناعة يلفت النظر إلى الإمكانات التي تقف خلف هذا التطور اللافت، إن البنوك المركزية هي الأداة التنفيذية للرقابة على القطاع المالي في الدول, وغاية ما تطمح إليه هو تحقيق الاستقرار في السياسات النقدية, وهذا الهدف لا يختلف فيه أي بنك مركزي عن الآخر ولكن البعض ينجح في إدارة الدفة والبعض يفشل لفترة من الزمن والبعض الآخر يمتلك بعد النظر في التخطيط, وهذا ما امتاز به البنك المركزي الماليزي في سياساته الرائدة ومتابعته الحثيثة لتحقيق ذلك.
إن البنك المركزي الماليزي “بنك نيجارا المركزي” يستحق دراسة عن قرب ومن الداخل. لقد أعد خطة تمتد لعشر سنوات بدأت من 2001 وتنتهي عام 2011, تم تنفيذ ما نسبته 90 في المئة من أهدافها، هذه الخطة تنقسم إلى ثلاث مراحل وبين كل مرحلة وأخرى فترة لمتابعة الإنجاز والتصحيح. الفترة الأولى تمتد لثلاث سنوات ولها هدفان: الأول تعزيز القدرات للمؤسسات المحلية وتعزيز البيئة التنافسية, والهدف الثاني تعزيز البنية التحتية للقطاع المالي. أما المرحلة الثانية التي تمتد من ثلاث إلى أربع سنوات فهي تحمل هدفا رئيسا وهو تكثيف الضغوط على المؤسسات المالية لتوليد بيئة تنافسية. أما المرحلة الثالثة والأخيرة التي تأتي بعد سبع سنوات من التنفيذ لبنود الخطة المركزية فهي تحمل هدفا رئيسيا هو الاستيعاب والاندماج في الساحة المالية العالمية والتصدي للمنافسة الأجنبية.
إن قطاع المال الماليزي بعد تهيئته للمنافسة على البعدين المحلي والعالمي استجاب ولعب دورا أبعد مما هو مخطط له, ودلل على ذلك استمرار النمو بحيث حقق القطاع المالي ما نسبته 9.2 في المئة عام 2000 من إجمالي الناتج المحلي ليصل في عام 2008 إلى 11 في المئة.
إن التخطيط الذي انتهجه البنك المركزي الماليزي مدعوما بثقة الدولة استند إلى متابعة حثيثة للتنفيذ, مما ولد تطويرا لرأس المال البشري وتوليدا لفرص العمل, مما أدى إلى تعزيز البيئة التنافسية المحلية المنافسة التي ولدت بطبيعة الحال ابتكارا شمل المنتجات والسياسات.
إن نضج سياسات البنك المركزي الماليزي, إضافة إلى استجابة منظمة من القطاع المالي الإسلامي, قادا إلى تحرير السوق تدريجيا وعززا التكامل الإقليمي في منطقة شرق آسيا, إضافة إلى تقليدها دور الريادة في الأسواق الناشئة. تعزز جميع ما سبق برؤية واضحة إلى أن تطوير القطاع المالي بأسلوب أفقي يحقق نتائج أفضل بالنسبة للقاعدة, التي في مجملها تشكل رأس المال البشري.
في ظل هذه البيئات التنافسية المحفزة والتطور الفكري للسياسات الداعمة للتطوير والانفتاح المدروس، بدأت البنوك الإسلامية عملها منذ ما يزيد على ثلاثين عاما, وتحديدا منذ إقرار قانون البنوك الإسلامية رسميا عام 1983 واستمرت البنوك الإسلامية في تحقيق نجاحاتها ليصل حجم موجوداتها إلى 65.6 مليار دولار مع معدل نمو يراوح بين 18و20 في المئة سنويا.
يبلغ عدد البنوك الإسلامية الآن في ماليزيا 17 بنكا إسلاميا, منها 7 فروع لبنوك أجنبية، إضافة إلى وجود 8 شركات تكافل جميعها محلية.
إن الممارسة المثلى التي امتاز بها البنك المركزي الماليزي تجاه قطاع المال الإسلامي عززت بطريق غير مباشر ــ لكنه مقصود ــ الخطط التكاملية للدولة, التي شملت قطاع السياحة والقطاعات الإنتاجية الأخرى, إضافة إلى أنه لعب دورا مهما في التواصل المالي بين الشرق الأوسط وشرق آسيا. ومن المنجزات التي تحسب للدولة الماليزية أنها أطلقت في أغسطس 2006 المركز المالي الإسلامي الدولي MIFC كبادرة لتشجيع ماليزيا لأن تكون مركزا رئيسيا للتمويل الإسلامي، وهو يضم شبكة من هيئات المجتمع والسوق المالية التنظيمية والوزارات والوكالات والمؤسسات المالية ومؤسسات تنمية المال البشري وشركات الخدمات المهنية التي تشارك في تطوير التمويل الإسلامي.
إضافة إلى ما سبق تعد ماليزيا رائدة في تطوير المنتجات المالية الإسلامية, ومن أهمها الصكوك, التي قامت على هياكل وعقود متعددة منها الإجارة والمشاركة والمضاربة، وتخدم مجموعة متنوعة من القطاعات الاقتصادية بما في ذلك البنية التحتية والمرافق العامة والممتلكات والعقارات والتجارة والخدمات والمنتجات الصناعية والزراعية. وقد بلغ حجم إصدارات الصكوك في عام 2009, 17.6 مليار دولار، وبلغ مجموع الصكوك غير المسددة في نهاية يوليو 2009 ما يقارب 49.8 مليار دولار مقارنة بـ 45.3 مليار دولار في نهاية عام 2008.
إن السياسات المالية الماليزية عززت ودعمت بطبيعة الحال الأهداف العامة لسياسات الدولة، والتحلي ببعد النظر وفهم الواقع الدولي, عزز أدوارها المحلي والإقليمي والعالمي, مما يبشر بدور واعد تربعت إلى الآن على عرشه في منطقة شرق آسيا بالرغم من البيئة المنافسة في محيط نمور آسيا.
ينبغي على التوجهات المثيلة أن تسعي إلى تبادل الخبرات والتكامل بين الدول الإسلامية في الاتجاه المالي الإسلامي, مما يؤدي بلا شك إلى أن يمارس هذا القطاع البعد التنموي الحقيقي في المنطقة, وذلك بدوره يخدم النظرة العالمية للقطاع المالي الإسلامي، ويعزز الثقة به.
إن القيادة المالية التي تتحلى بعمق الفكر المؤسساتي, إضافة إلى الشفافية في عرض البيانات والوضوح في الاتجاهات, لا شك أنها تقود دفة القطاع المالي بنجاح وتتصدى للتحديات الحالية, خاصة في ظل الهزات المالية المتلاحقة التي يواجهها العالم حاليا.
علّق رئيس أحد أهم البنوك التي تمارس العمل المصرفي في ماليزيا على أن البنك المركزي الماليزي يفوق المصرفية ذاتها بتنظيم ورقابة أكثر حتى من المطلوب, وفي سعيه الحثيث للتميز يوصف بـ 0ver Banking, وعليه نتابع باهتمام تطورات العمل الرقابي والتشريعي في المسيرة المالية الماليزية.