التأمين وصديقي الأعزب!

حدّق في وجهي قليلاً وهو يحاول أن يستجمع قوته وأفكاره وكأنه يريد أن يقيس كذلك ردة فعلي سلفاً عن الموضوع الذي سيطرحه عليّ. صديقي هذا شأنه شأن أي قانوني لا يؤمن بالحلول التوفيقية، فالأبيض أبيض والأسود أسود ولا توجد لديه منطقة وسطى ليطرح فيها بعضاً مما يعتقد أو ليتنازل فيها عن بعض أفكاره.
بدأ حديثه قائلا لي إنك كتبت كثيراً عن التأمين ولم تترك موضوعاً عن التأمين إلا وتكلمت أو كتبت فيه، ولكنك للأسف نسيت أهم موضوع ولم تتحدث عن التأمين فيه، فقلت له مع أن المواضيع التي يمكن أن يدخل التأمين فيها كثيرة ولم أكتب سوى عن 10 في المائة من تلك المواضيع، ولكن مع ذلك هات موضوعك لنرى أهمية التأمين بالنسبة له؟.
قال لي: تعرف أنني مقبل على الزواج وأنني لن أُقدم على هذا القرار المصيري إلا بعد أن آخذ جميع الضمانات والاحتياطات الممكنة لنجاح هذا المشروع الخطير بالنسبة لي. واستطرد قائلاً، بالفعل فقد درست الموضوع من مختلف جوانبه ولكنني متخوف من مجموعة من المسائل التي لا يمكن استدراك نتائجها، وهذه المسائل من الخطورة بمكان، ومن الممكن أن تتسبب في انهيار الزواج برمته، فكيف سيكون حالي وقد حمّلت نفسي بالخسائر وبالقروض من أجل تأسيس بيت الزوجية، خصوصاً أن هذا الضرر سيمتد أثره إلى المستقبل وسيمنعني من تكوين مشروع زواج آخر إلا بعد حين؟!
ولذلك فإنني أرى ـ والقول لصاحبي ـ بأهمية التأمين ضد مخاطر الطلاق بالنسبة للأزواج. وبعد أن استوعبت مفاجأة صاحبي هذه، قلت له هل تعتقد أن شركات التأمين ستوافق على طرح برنامج تأميني ضد مخاطر الطلاق وتضع نفسها رهينة لرعونة المتزوجين وما أكثرهم، ثم يا صاحبي هل تعرف أن من أهم شروط الخطر الذي تقبل شركات التأمين بالتأمين عليه هو ألا يكون لإرادة الإنسان دخل في حصوله، والطلاق لدينا يحصل لأتفه الأسباب وبكلمة واحدة وهو تعبير عن سلطة الرجل المطلقة على المرأة في الطلاق، ثم أن من فنيات التأمين وأصوله المتعارف عليها أنه لا ينبغي أن يكون للمستفيد من التأمين مصلحة في حصول الخطر، بل العكس فإنه ينبغي ألا يكون له مصلحة في حصوله، وهو ما يعرف فنياً بالمصلحة التأمينية، وبناء على ذلك فالسؤال المطروح في هذا المجال هو ما الذي يضمن لشركة التأمين أن الزوج لمن يطلق تلك الزوجة (المسكينة) إلا بهدف الحصول على تعويض من شركة التأمين ليتزوج مثلاً من امرأة أخرى ثم يقوم بعد ذلك بمراجعة زوجته الأولى أو ليستفيد من التعويض بأي شكل من الأشكال؟
يا صاحبي الموضوع جد خطير والمثل الشعبي يقول (خلك على قردك لا يجيك من هو أقرد منه) وليس لك عند الزواج إلا التأمين الصحي واحرص على أن تشمل التغطية أمراض الضغط والسكري والجنون في بعض الأحيان. ثم يا صاحبي العزيز لنكن منصفين ونقول إن الأولى بالحماية وبالتأمين ضد مخاطر الطلاق ليس الزوج وإنما الزوجة، فهذه المخلوقة الرقيقة هي المتضررة بشكل كبير من خطر استخدام سلاح الطلاق فهو كالسيف المعلّق على رأسها صباحاً ومساء، والزوج هو من يملك حق التهديد باستخدام هذا السلاح (في الرايح والجاي على رأي إخواننا في مصر) والزوجة لا تملك إلا الانصياع للزوج خوفاً من غضبه أو نشوته بوجود هذا الحق القابع على لسانه فتنطلق من فمه كلمات الطلاق الكفيلة بتدمير مستقبلها وإلصاق صفة المطلّقة بها. فهل عرفت يا صاحبي من هو الأحق بالتأمين ضد مخاطر الطلاق؟!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي