هل تنتقل عدوى «دبي العالمية» إلى اقتصادات الخليج؟

هل تنتقل عدوى «دبي العالمية» إلى اقتصادات الخليج؟

طرح تقرير أصدرته شركة الأهلي كابيتال - الذراع الاستثمارية للبنك الأهلي - عدة تساؤلات حول الشفافية في الشركات الخليجية. وقال التقرير الذي أعده يارمو كيوتلاين كبير الاقتصاديين في «الأهلي كابيتال» إن مشكلات «دبي العالمية» تذكر بمجموعة من العقبات التي لم يوجد لها حل حتى الآن في قطاع الشركات في منطقة الخليج. ومن أهمها عدم وجود الشفافية ويوازيها في الأهمية الغياب النسبي لقواعد حماية المستثمرين والإجراءات الواضحة للأحداث الافتراضية. ونتيجة لذلك، فإن مصير دبي أن تمر بفترة من مشكلات النمو، التي قد مرت بها جميع الأسواق الناشئة بطريقة أو بأخرى. وما هو غير مألوف في قضية دبي هو النطاق الهائل من الطموحات، والاعتماد الشديد على تمويل الديون ورأس المال الخارجي، وجزئياً نتيجة لذلك، سرعة التطور والتصحيح الذي يتبعها. وبينما تبقى قدرة دبي على تخييب الآمال قائمة، إلا أن التطورات الأخيرة توحي بأن هناك احتمالا معقولا بتحقيق نتائج حميدة عموماً في ملحمة «دبي العالمية».
التقدم البطيء: إن التقدم البطيء للغاية تجاه النتائج الملموسة، إضافة إلى محدودية توافر المعلومات حول الخطوات الملموسة التي اتخذت حتى الآن، قد عاد بشكل دوري لإثارة حنق المستثمرين. وعادة ما تغذي الأسواق شائعات لا أساس لها، لتقييم مدى صحتها. وأهم نتيجة سلبية لهذا الانتظار الطويل كان مزيجا من التذبذب وانخفاض توافر الائتمان، من خلال زيادة انتشار مقايضة الديون وتجنب المخاطر من قبل البنوك. ولا تزال بنوك الإمارات حذرة حول منح مزيد من القروض كما أن الضغط يزداد لحاجتها لتملك سجلات خاصة بها في ظل انخفاض أسعار الأصول.
الاستعداد للأخبار السيئة: تشير التقارير الإعلامية الأخيرة إلى أن هناك مشروع اتفاق مبدئيا على طاولة المفاوضات، إلا أن الإعلان الرسمي عن الاتفاق غير متوقع قبل بداية آذار (مارس). ومن الواضح أن هذا القرار المزعوم يقدم بديلين. أولاً، يتوقع المستثمرون تعويضات تصل إلى 60 في المائة خلال سبع سنوات لكن سيكون عليها التخلي عن أي مدفوعات للقسائم والفوائد في الوقت الحالي. وبالمقابل، يمكنهم اختيار التعويض الكامل خلال سبع سنوات لكن هذا غير مضمون وقد يتحتم عليهم أخذ 40 في المائة منها على شكل أصول دبي العالمية، ربما الأراضي غير المستغلة.
وبينما كانت ردود فعل السوق سلبية حول هذه الإشاعات، فقد ارتفعت مقايضة الديون في دبي 660 نقطة و230 في منتصف كانون الأول (ديسمبر) وقد رفضت أكثر من قبل دبي العالمية، كما أنها لا تبدو ملائمة مع بعضها مقارنة بالاتفاقيات التي تم التوصل إليها في مناطق أخرى في المنطقة. وعلاوة على ذلك، فقد قوي موقع دبي التفاوضي بفضل الدعم الذي تتلقاه من أبوظبي. حتى لو لم يكن ذلك مفتوحا بشكل تام.
وقد تكون النتائج الإيجابية في هذه العملية دعم الاستقرار، الذي سيقلل من احتمالية حدوث اضطرابات جديدة ويخلق سابقة معقولة بالنسبة للآخرين. والمشكلة وقد ينطوي هذا على مواجهة وتكاليف باهظة على المدى القصير. ويخطط الدائنون مرة أخرى للضغط على «نخيل» لدفع السندات، حيث تستحق 980 مليون دولار في أيار (مايو) 2010 ويستحق سند الـ 857 مليون دولار في كانون الثاني (يناير) 2011 والذي لا يحمل ضمانات رسمية من دبي العالمية. وفي الوقت الحالي، بدأت دبي العالمية بالتخلص من أصولها. وتستعد استثمار حالياً لبيع خدمات الشحن.
عش وتعلم: وكما هي صعوبة الوضع الحالي فإن هذه الغيمة لها جانب مشرق أيضا ففي الأوقات الجيدة يتوق المستثمرون لرؤية ضمانات ضمنية أينما ظهرت، وفي أوقات الضغط فإن قيمة هذه المطالب تحددها القدرة على الدفع. وقد أعلنت الحكومة البريطانية أخيرا أنه إذا لم يتم سداد ديون دبي العالمية بالكامل فإن ذلك سيضر بسمعتها. ومع صحة ذلك، إلا أن الدفع بالكامل لا يعتبر توقعا معقولا بالنسبة لشركة تعاني مشكلات عويصة، كما لا يمكن للضغوط السياسية أن تكون الأساس في تحول الضمانات من ضمنية إلى صريحة. وحتماً ستتعرض طموحات دبي إلى صدمة إذا لم يعد المال وفيراً ورخيصاً كما كان أو قد يكون مع الضمانات الحكومية. ومع ذلك، فلا تستحق جميع الطموحات التي تم تصورها أن تتحقق. كما أن حب المال سوف يجبر المطورين على التفكير بحذر والشروع في العمليات اللازمة والمرغوبة لتقديم الجوهر على المظهر. وعلاوة على ذلك، فقد صنعت دبي لنفسها مكانة مهمة في المنطقة، وسوف تصبح جذابة مرة أخرى حينما تنخفض أسعار الأصول إلى مستويات تنافسية. وبقدر ما تخطط دبي لهبوط منظم، فإن بعض الشرائح الأخرى في السوق قد قامت بالتصحيح بشكل حاد. ومع وجود مستثمرين أكثر جدية وأقل مضاربة إضافة إلى اتباع استراتيجية إعادة التركيز الداخلي، فإن دبي لديها الفرصة لتكرار الانتعاش الذي حصل لسنغافورة بعد الأزمة الآسيوية، حتى إن استغرق ذلك عدة سنوات كما حدث مع سنغافورة.
إمارات جديدة أكثر شجاعة: بالنسبة للإمارات، أتاحت هذه الأزمة حاجة ملحة وفرصة لخلق معايير فيدرالية مناسبة للإدارة المالية والاستعارة الخارجية. كما زادت الحاجة لاتخاذ إجراءات أكثر تحديداً لمعالجة المشاكل على مستوى كل إمارة على حدة. والنتيجة النهائية قد تكون تنظيمات أفضل لتهدئة قلق المستثمرين حول حماية حقوقهم، إضافة إلى قوانين أكثر شمولا وتحديدا للشركات. لكن العبرة في الأفعال. على سبيل المثال، فقد أنشئ قانون إعادة الهيكلة محكمة للتعامل مع الدعاوى التي تم رفعها على دبي العالمية لكن لايزال هناك شكوك واسعة حول ما يمكن أن تفعله هذه المحكمة. إن العروض التنظيمية المناسبة لديها القدرة لجعل الإمارات في طليعة منافسيها الإقليميين في مجالات رئيسية، وبالتالي تعزيز المنافسة التنظيمية الإيجابية في دول الخليج بشكل عام.
انتقال العدوى؟ بقي تأثير ملحمة دبي العالمية واضحاً في أقتصادات دول الخليج ككل. إن المزيج المستمر من المشاعر الهشة وتقنين الائتمان يهدد بجعل الربع الأول (ربعا آخر مهدرا) للمنطقة، التي عانت للتغلب على العقبات طوال العام الماضي. ومع أن هذه أخبار سيئة على المدى القريب، إلا أنها تحمل في طياتها إمكانية الانتعاش في حال لم تتحقق الصفقة، ومفتاح ذلك هو ألا يقل الاستقرار عن الحد الأدنى المقبول لجميع الأطراف المهتمة، وقوي بما يكفي لتجنب مشكلات مشابهة على المدى القريب، ومدعوم بقاعدة سياسية متينة. ومن ثم، فإذا استطاعت دبي إيضاح هذا التعثر، فإن أساس النمو وإعادة التجمع سوف يظهر وإن كان بطيئا. وفي الوقت الراهن، قد تستفيد بقية دول المنطقة من الاختلاف المتزايد والمطرد، كما انعكس ذلك على قرار وكالة موديز هذا الأسبوع برفع مستوى السعودية.

الأكثر قراءة