رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


نظام الصحة النفسية وثقافتها.. الجهود الاجتماعية

هل فعلا نحتاج إلى نظام للصحة النفسية أم أننا في حاجة إلى تطوير ثقافة لفهم الحالة النفسية؟ وما الجهود الاجتماعية المتاحة للمساهمة في إيجاد فهم وثقافة مجتمعية لمفهوم الصحة النفسية، والتعامل مع أصحابها؟ وجود نظام للصحة النفسية في مستشفياتنا أمر مهم وخدمة عظيمة، لكن الأهم من ذلك تنمية وتطوير الثقافة الاجتماعية تجاه الأمراض النفسية وتقبلها ومعالجتها من دون النظر إلى هذه الحالات على أنها حالات من الجنون، الذي يستوجب عزل المريض فيها عن الناس، وكف يده عن العمل، والنصح بعدم مخالطته، والتهرب منه. حتى مع عدم وجود النظام، فالجهود الاجتماعية قادرة على خلق ثقافة تحتوي هذه الحالات، والتعامل معها بالشكل المناسب إلى حين صدور النظام، وتجهيز قطاعات الصحة بالمرافق والإمكانات اللازمة للتعامل مع هذا الأمر.
طالعتنا «الاقتصادية» في عددها 5971 ليوم الإثنين الموافق 1/3/1431هـ في كلمة «الاقتصادية» عن دراسة مجلس الشورى لمشروع نظام الصحة النفسية، الذي تقدمت به مشكورة لجنة الشؤون الصحية في المجلس. وبينت الكلمة أننا نعيش واقعا من الندرة في الاهتمام بالصحة النفسية على المستويين الرسمي والشعبي، كما أسهب الكاتب العزيز في سبر بعض الأسباب والتطورات الاجتماعية الحاصلة في المجتمع التي ضاعفت من احتماليات الوقوع في الضغوط النفسية, وبالتالي الوقوع في الأمراض والمشكلات النفسية المعاصرة، وهذا ما يتفق معه الأغلبية.
لا أريد أن أكرر كل الأفكار التي وردت في المقال، ولا ما خطه الكُتاب الآخرون. لكني أتفق معهم جميعا في الحاجة الماسة إلى إيجاد ثقافة نفسية، تراعي الحالات النفسية التي ربما تؤثر في مجتمعنا والتعايش معها، ومعالجتها بالطرق الصحيحة. الواقع الذي يعيشه القطاع الصحي في معالجة الأمور النفسية ربما يكون مأساويا، ولا أحبذ التعمق فيه حتى لا أزيد الجراح. أيضا الاهتمام بإنشاء العيادات الطبية الحكومية المتخصصة في هذا الشأن ربما يكون قليلا جدا، وفي جانب العيادات الطبية الخاصة ينعكس الحال ليكون ذا هدف مادي في أغلب الأحيان. فتجد عيادة للطب النفسي تستقبل أكثر من 50 حالة في أقل من ست ساعات، ويحددون 15 دقيقة لكل حالة، والحقيقة أنهم لا يستغرقون سبع دقائق ونصف وهي الفترة اللازمة للنظر في ملف المريض وتكرار الوصفة الطبية السابقة، والتأكد من حضوره الجلسات بانتظام .. فكيف يكون هذا الطبيب قادرا على التعاطي مع مشكلة نفسية في ربع ساعة أو أقل؟
في مقال نشر في صحيفة «الاقتصادية» في عدد 5543 ليوم الأحد الموافق 16/12/1429هـ، تحدثت فيه عن الحاجة إلى وجود إخصائي نفسي للتعاطي مع مشكلات الطلاب المبتعثين، وأردت أن أعيد نشره لعله يستفاد منه أيضا، الذي جاء فيه: «تنتهج المملكة هذه الأيام برنامجاً شاملاً للابتعاث يهدف إلى تأهيل عدد كبير من الشباب السعودي للعودة والمساهمة في عجلة التنمية، هذا الجيل سيعود بأفكار جديدة ستكون ـ بإذن الله ـ صالحة لتطوير كثير من المفاهيم والعادات التي اعتادها أبناء البلد. ومع كل حسنات هذا البرنامج إلا أنه لا يخلو من عدد من المعوقات, خصوصا فيما يتعلق بالمرحلة العمرية للشباب المبتعث. كثير من هؤلاء المبتعثين غالبا ما يواجهون بمشكلات كثيرة دراسية وثقافية منذ دخولهم إلى بلاد الابتعاث ولفترات قد تمتد بالبعض إلى نهاية فترة ابتعاثهم. وبما أن الوزارة قد تكلفت بابتعاث هؤلاء الشباب والشابات وهي حريصة على عودتهم بكل نافع حتى يحقق هذا البرنامح الآمال والطموحات التي بُنيت عليه, لهذا فواجب الوزارة أن تبذل مزيدا من الجهد في متابعة وحل مشكلات أبنائها وبناتها المبتعثين إلى الخارج، وذلك من خلال توفير الإخصائيين النفسيين والأكاديميين المؤهلين لمساعدة الطالب على تخطي العقبات والوصول إلى الهدف المشترك وهو النجاح للطالب والنفع للبلد ـ بإذن الله».
لذلك أعتقد أن الحاجة أصبحت ماسة اليوم إلى إنشاء لجنة وطنية تطوعية للعناية بالصحة النفسية، وثقافة الصحة النفسية والتعاطي معها. وهذا الأمر يجب أن يتم قبل استصدار أي نظام في هذا الجانب حتى نهيئ المجتمع لتقبل النظام، والتعامل معه بما يضمن نجاحه، والله ولي التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي