هل انطلت خدعة نتنياهو على أوباما؟
ما المغزى الحقيقي للتحركات الأمريكية الأخيرة في منطقة الخليج، وعزمها في هذا الوقت بالذات على تعزيز قوتها العسكرية في البر والبحر والجو، ربما على حساب دول المنطقة كما هي عادة أمريكا. فمن الواضح أن أمريكا بهذه الأنشطة العسكرية تُريد أن تستفز الحكومة الإيرانية خدمة للمصالح الصهيونية العالمية، وإسرائيل على وجه الخصوص. وهي بطبيعة الحال لا تنوي مُهاجمة الدولة الإيرانية لأنها تعلم يقيناً أن ذلك سيقود إلى التأثير السلبي المباشر في الإمدادات النفطية في المنطقة، وهو آخر ما يتمنى حدوثه المجتمع الدولي. هل يُضير الولايات المتحدة على عظمتها لو أن إيران صنعت قنبلة ذرية؟ فهي لم تعترض على القنابل الذرية التي صنعتها الهند وباكستان منذ سنوات قليلة، وتتعامل برفق ورويِّة مع تهديدات كوريا الشمالية حول عزمها هي الأخرى الانضمام إلى نادي القوى الذرية. وإسرائيل تمتلك عشرات القنابل الذرية، وهي حتماً أكثر تهديداً لأمن المنطقة من إيران. فما الذي يا تُرى يُثير قلق أمريكا من احتمال تملك الإيرانيين لسلاح نووي، مع أنهم لم يُعلنوا عن نيتهم في المستقبل لامتلاك سلاح نووي؟ الجديد حول الموضوع هو أن الدولة الصهيونية، وعلى رأسها الآن نتنياهو، كانت قد دأبت خلال السنوات الأخيرة على محاولة صرف الأنظار عن القضية الفلسطينية وجعلها مسألة ثانوية، وإحلال قضية التسلح الإيراني وتهديده الموهوم لأمن إسرائيل وجعله من أولويات السياسة الإسرائيلية. وهذا ما أكد عليه رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو في أكثر من مناسبة منذ تسلمه الحكومة، واستطاع أن يُقنع الرئيس الأمريكي باراك أوباما وأركان حكومته بأن إيران تُهدد أمن إسرائيل. ويظهر أن هذه الحركة من جانب إسرائيل قد انطلت على مؤيديهم في أمريكا، وفي الوقت نفسه أضرَّت كثيراً بالقضية الرئيسة بين إسرائيل والشعب الفلسطيني. والمتابع لمسيرة العلاقات الدبلوماسية والاجتماعية بين الحكومات الإيرانية المتعاقبة واليهود خلال السنوات الماضية لا يجد ما يدل على أنه كان هناك ما يُبرر ادعاء نتنياهو بعدوانية السلطة الإيرانية تجاه الشعب اليهودي. وإذا كان ما يصدر من الرئيس الإيراني الحالي من تصريحات شاذة ومُبطَّنة بتهديد لإسرائيل هو ما يُشير إليه نتنياهو فهو أول منْ يعلم أنها لا تعدو كونها مُوجهة للاستهلاك المحلي والإقليمي من أجل أن يُمهد لتوسيع النفوذ الإيراني في المنطقة. ولو عملنا تحليلاً بسيطاً لمدى خطورة وجود القنابل الذرية والهيدروجينية على حياة البشر في أيٍّ من بلدان العالم، الكبيرة والصغيرة، لتوصلنا إلى نتيجة مغايرة لما يرى البعض. فنحن نعتقد أن أي دولة تمتلك سلاحاً نووياًّ سوف لا تستخدمه ضد دولة أخرى، حتى ولو كان الطرف الأخير لا يملك قوة نووية. وذلك لأسباب كثيرة، لعل أهمها الخوف من الانتقام من الدولة نفسها المُعتدى عليها إذا كانت تملك أسلحة نووية، أو أن الضرر من استخدام التفجيرات النووية سيمتد إلى بلدان مُجاورة ليست طرفاً في النزاعات الإقليمية، فيتسبب الحدث في إحراج للطرف الأول. ولا يمكن أن نتخذ حالة إسقاط الولايات المتحدة القنابل الذرية على المدن اليابانية خلال الحرب العالمية الثانية مِثالاً لإمكانية الحدوث مرة أخرى، لأن أمريكا كانت تعلم آنذاك أنها الوحيدة في العالم التي كانت تمتلك القوة الذرية. ولو فرضنا أن إحدى الدول الكبرى من الذين لديهم قدرات نووية هائلة اعتدت بسلاح نووي على دولة أخرى تمتلك القدرة نفسها، فسيكون هناك رد فعل مماثل يقود إلى نهاية العالم بأكمله. ولعله من نافلة القول أن ندَّعي أن انتشار وجود القنابل الذرية والهيدروجينية لدي عدد من الدول ربما أنه كان أداة ردع لمنع اشتعال حرب عالمية مُدمرة. ولكننا نود لو أن جميع الدول تتوصل إلى اتفاق يمنع امتلاك الأسلحة النووية.
ونعود إلى أرض فلسطين المحتلة ونتساءل: هل لا يزال هناك ما يُسمى بالقضية الإسرائيلية ــ الفلسطينية، بصرف النظر عن أولوياتها عند الحكومة الإسرائيلية؟ فنحن لا نسمع هذه الأيام إلا عن رفض إسرائيلي كامل لكل أنواع المفاوضات الجدية ووضع شروط تعجيزية في وجه المفاوض الفلسطيني، وبالمقابل سلسلة من التنازلات من جانب ما يُطلق عليها السلطة الفلسطينية. ولا نُجانب الصواب إذا قلنا إن القضية أصبحت اليوم فلسطينية ــ فلسطينية. وحتى هذه الصفة في طريقها إلى الزوال لصالح ظهور دويلات فلسطينية فوق ما سيتبقى لهم من الأراضي الفلسطينية المُحتلة. ولو وافقت إسرائيل، وهي التي لا يوجد في قاموسها كلمة موافق، على تأسيس عِدة دويلات وإمارات محلية للفلسطينيين، فإنها ستُحيط بأراضيهم من الشرق أيضا بقوات إسرائيلية، كما أعلن عن ذلك أخيرا نتنياهو. ومن المعروف أن هذا الإنسان غريب الأطوار، فمنذ أن ارتقى إلى سدة الحكم وهو يأتي كل يوم بإضافة عقبة جديدة أو فرض واقع مرير على الساحة الفلسطينية، يجعل القضية أبعد ما تكون عن مصير الحل. والجو العام داخل الحياة الفلسطينية مُلائم لقبول مثل هذه العجرفة ما دام أن أولويات الإخوة الفلسطينيين معكوسة. فبدلاً من أن يقفوا وقفة رجل واحد في وجه استمرارية العدوان الإسرائيلي، نراهم يتقاتلون على اقتسام كعكة ليست موجودة أصلاً. فالعدو اليهودي لم يترك لهم من أرضهم إلا الوهم الذي أشغل بالهم، وراح كل فصيل ومنظمة يجري وراء السراب.
ولعله من المضحك المبكي أننا لا نزال نسمع من مسؤولي السلطة تصريحاتهم الرنانة وتهديداتهم التي يطلقونها من وقت لآخر حول تمنعهم عن بدء المفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية حتى تُوقف الأخيرة بناء المستوطنات داخل الأراضي المحتلة. ولأن حكومة العدوان لا يُسعدها إجراء أي مفاوضات قد تُحرج موقفها، فقد وجدتها فرصة ثمينة أن تدفع عنها المفاوضات بالاستمرار في بناء المستوطنات وتحصل على مكسبين، البناء وتأخير بدء المفاوضات. وحتى لو وجد الفلسطينيون ألا فائدة من المساومة مع عدو معروف بالمراوغة وعدم الجدية وتنازلوا عن آخر مطالبهم وهو إيقاف بناء المستوطنات لمدة ثلاثة أشهر فقط، وهو أمر مُتوقَّع، فسيجد نتنياهو وزمرته من الحِيل ما يحول به دون عقد أي نوع من المفاوضات. ولو فرضنا جدلاً أن الجانبين استطاعا أن يجلسا مع بعض تحت الضغوط الدولية، فمن الذي سيُمثل الشعب الفلسطيني ويكون مسؤولاً عن نتائج أي اتفاق مستقبلي، السلطة الفلسطينية المتهاوية أم حركة حماس المعزولة أم مجموعة الفصائل الأخرى التي تطغى المصالح الشخصية لمسؤوليها على المصلحة العامة للشعب الفلسطيني المنكوب؟