رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


البنك الأهلي بين مؤشر القيادة ومؤشر الرعاية

بداية يمثل هذا المقال انطباعات مراقب متخصص ومستقل على بعض فعاليات منتدى جدة الاقتصادي, ونتحدث تحديدا عن الجلسة الثالثة والمتعلقة بالمصرفية والتمويل: إعادة بناء الثقة في المؤسسات المالية.  
أشارت دراسة صدرت في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي إلى العلاقة الإيجابية بين الاستقرار ومعدل انتشار الأعمال والانتعاش المستدام لقطاع الأعمال محليا وعبر الحدود, وطرحت كمثال لتلك العلاقة دخول شركة مثل ماكدونالدز إلى أسواق خارج الحدود الأمريكية كمؤشر استقرار في تلك الدول, حيث صادف حينها بداية دخول شركة ماكدونالدز إلى أسواق أوروبا الشرقية وروسيا بعد تفكك منظومة الاتحاد السوفياتي وتحول معظم دوله إلى نظام السوق والتوجه نحو الاقتصاد المفتوح.
نسوق هذا المثال لتوضيح نقطة مهمة وهي أن الاستقرار تقوده الشركات المتميزة بمنتجاتها وعلاقاتها وانتشارها والولاء المتولد من هذا التميز.
هذه الدراسة خرجت بنتائج كان من أهمها «إن دخول ماكدونالدز مستثمراً في مكان ما تتبعه بعض الشركات الأخرى حتى من قطاعات مختلفة عن طبيعة أعمال شركة ماكدونالدز ولاحظنا في تلك الفترة كيف كان التسابق على دخول السوق الروسية وأسواق أوروبا الشرقية الأخرى سواء في صناعة النفط أو (ماركات) الملابس أو تقنيات الاتصال وغيرها من الصناعات الرأسمالية المتطورة.
لكن, لماذا هذه العودة بالذاكرة لما يزيد على عقدين من الزمان ونحن نتكلم عن قراءة بين السطور لما حدث في منتدى جدة الاقتصادي في دورته العاشرة؟
حقيقة وفي يوم الافتتاح حدث أن تم تكريم البنك الأهلي التجاري لرعايته المستمرة للمنتدى منذ دورته الأولى في عام 2000, إضافة إلى التكريم المعتاد للرعاة ليخرج من هذه الدورة بتكريمين. وهنا نشير إلى أن استمرار رعاية البنك الأهلي وعلى مدى عشر دورات منتدى جدة الاقتصادي شجع كثيرا من الشركات ومراكز الأبحاث على التنافس في رعاية المنتدى, وهذه حقيقة لا تخفى على المراقبين, خاصة أن إشارة مثل هذه تفيد في توجيه الآلة الإعلامية الإعلانية, فوجود البنك الأهلي في رعاية معينة لمجلة أو صحيفة أو فعالية مؤشر لعمق فهم القائمين على البنك الوضع الاقتصادي والتغيرات المحتملة, ولذلك نجد كثيرا من النشرات والمجلات والفعاليات الناشئة دائما ما تطرق باب العلاقات العامة في البنك الأهلي للحصول على دعم البنك رعاية ومشاركة وإعلانا, ما يضع قيادة البنك الأهلي محليا وإقليميا كقيادة «ماكدونالدز» عالميا الذي بوجوده ضمن الرعاة والداعمين يعطيها ميزة بل قيمة مضافة.
 من جهة أخرى, خلال أعمال المنتدى خاصة في اليوم الأول بعد الافتتاح, وأخص بالذكر الجلسة الثالثة والأخيرة لليوم الأول والمخصصة للمصارف والتمويل وإعادة الثقة في المؤسسات المالية التي رأسها كبير الاقتصاديين في البنك السعودي الفرنسي الدكتور جون سفاكياناكيس, وقد كان من ضمن المعقبين الأربعة عبد الكريم أبو النصر الرئيس التنفيذي في البنك الأهلي التجاري وكان أول المعقبين تبعه جون ويلز رئيس المعهد الدولي للتنمية الإدارية ثم ديفيد روينشتاين من مجموعة كارلايل وأخيرا الدكتور نور برث والتر كبير الاقتصاديين لمجموعة دويتشه.
كانت الجلسة الثالثة كسابقتها «الثانية» على قدر عال من المهنية والتخصص والجرأة في الطرح بحضور مثل الدكتور محمد الجاسر محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي والدكتور جاسم المناعي مدير عام صندوق النقد العربي.
كان موضوع التمويل والمصارف والتركيز على إعادة الثقة بالمؤسسات المالية حقيقة من أهم الموضوعات حيث وبمنتهى شفافية الطرح تم نقاش سلبيات وإيجابيات المصارف خلال الأزمة المالية العالمية العصيبة خاصة الـ 18 شهرا الماضية, ما تطلب معه كثيرا من العصف الذهني والتفكير العميق لإظهار أثر الابتكار, كما نوه بذلك عبد الكريم أبو النصر الرئيس التنفيذي للبنك الأهلي, حيث ذكر أن لا مفر من تطبيق السياسات الحكيمة, في إشارة مهمة إلى دور مؤسسة النقد العربي السعودي, وتناول باهتمام أهمية التركيز على التنمية الاقتصادية المستدامة سواء في السعودية أو على مستوى العالم العربي, إضافة إلى التنافس المسؤول مركزاً على أهمية الشفافية والحوكمة التي تحفظ حقوق المساهمين والشركة وتحفظ حقوق الوطن التنموية وتوالت الإضافات من بقية المعقبين التي ركزت على أهمية الربط الأخلاقي للمكافآت والمسؤولية الاجتماعية, إضافة إلى أهمية تدريب الكوادر وتأهيل العاملين في المصارف للتعامل مع التغيرات والمتغيرات, خاصة أن المصارف تعد الحلقة المهمة في الاقتصاد الحقيقي.
ما لفت الانتباه أيضا النقاشات الحامية والمثيرة للجدل في بعض الأحيان, خاصة أن بعض الطروحات أو المداخلات التي جاءت طويلة وبعيدة عن الواقع مثل مداخلة الاقتصادية المعروفة الدكتورة ناهد طاهر الرئيسة التنفيذية لبنك جلف ون التي تركزت مداخلتها على التشكيك في شفافية البنوك الوطنية واتهامها بإخفاء خسائرها خلال الـ 18 شهرا الماضية وتجاهلت الربحية الجيدة لبنوكنا الوطنية التي كان يمثلها في الجلسة الثالثة مسؤولان مصرفيان هما رئيس الجلسة من البنك السعودي الفرنسي والرئيس التنفيذي للبنك الأهلي.
والأمر المؤكد في تقديري هو أن الاتهامات التي وجهتها الدكتورة ناهد للمصارف الوطنية غير صحيحة لعدة أسباب منها:
1- أن البنوك السعودية هي الشركات الوحيدة العاملة في المملكة التي تشترط الأنظمة اعتماد بياناتها المالية من قبل جهتين معروفتين دوليا من مدققي الحسابات.
2- أن الدكتورة ناهد لو اطلعت على التقارير السنوية للبنوك السعودية لعام 2008 لوجدت أن مصارفنا أوضحت تفاصيل خسائرها سواء في محافظ الاستثمار أو القروض, ولعرفت أيضا مقدار المخصصات.
3- أما بالنسبة لنتائج البنوك لعام 2009 فإن التقارير السنوية لم تصدر بعد, إلا أن البيانات الصحافية التي نشرت عن النتائج أشارت إلى حجم المخصصات التي رصدتها البنوك لمحفظة القروض التي قاربت تسعة مليارات ريال. وآمل أن تتفق معي الدكتورة ناهد على أن المعلومات أعلاه تنفي تماما أي شبهة أو اتهام للبنوك الوطنية بمحاولة إخفاء الخسائر أو التغطية عليها.
4- ومما لا شك فيه فإن رئيسة «جلف ون» تعلم أنه لا ينبغي للبنوك ولا يمكنها أن تشير إلى أسماء عملائها المتعثرين حفاظا على سرية تعاملات العملاء وامتثالا للأعراف وللأنظمة البنكية الواضحة تماما في هذا الجانب.
5- وأخيرا فإن الدكتورة ناهد تدرك أن البنوك هي من الجهات القليلة في المملكة التي يتم تقييم أدائها بشكل دوري من قبل جهات التصنيف الدولية مثل «ستاندرد آند بورز».
ولعل السؤال الذي يمكن أن يطرح على الدكتورة ناهد يتعلق بدور بنك جلف ون في تطوير وتمويل المشاريع الصغيرة, وكذلك عن نتائج البنك للعامين 2008 و2009.
وأعتقد أن رئيس جلسة المصرفية والبنوك جامل كثيرا الدكتورة ناهد على حساب وقت المتداخلين الآخرين حيث منحها وقتا طويلا في توجيه كلمتها التي لم تتضمن سؤالا محددا أو موجها لمعقب محدد وإن كانت في آخر حديثها قد خصت بالذكر عبد الكريم أبو النصر الرئيس التنفيذي للبنك الأهلي بالقول « آسفة عبد الكريم»!!
ومع ابتسامات رئيس الجلسة - كبير الاقتصاديين في البنك السعودي الفرنسي الدكتور جون - فإنه لم يوجه أي من المعقبين للرد على المداخلة حيث كان من الممكن أن يطلب من أبو النصر أن يعقب خاصة أنه ذكر بالاسم.
ومن وجهة نظر المراقبين المستقلين فإن عدم إعطاء فرصة التعقيب للرئيس التنفيذي للبنك الأهلي أضاع فرصة جيدة لإثراء الحوار من قبل أبو النصر الذي مثل سكوته التزاما بمهنية الحوار, خاصة أن البنك الأهلي يعد من رواد دعم الفكر الاقتصادي برعايته الدائمة المنتديات والأحداث الاقتصادية الوطنية الرئيسية كمنتديي الرياض والتنافسية وتقاريره المنشورة من الأسبوعية والفصلية إلى السنوية, التي تسهم في تعزيز الوعي العام بقضايا الاقتصاد والمال, ومشاركات البنك المستمرة في أيام المهنة للجامعات وتبنيه أخيرا مفهوم الاستدامة العالمي ليكون بذلك أول مؤسسة مالية محلية وإقليمية تتبنى مثل هذا الطرح.
وبصفتي أحد الحضور خلال هذه الجلسة فإن لدي أيضا ملاحظتين على تقرير محرر «الاقتصادية» الذي تابع الجلسة حيث لم يكن دقيقا فيما نشر على «الاقتصادية» لتغطية تلك الجلسة المهمة بتاريخ 15 شباط (فبراير) 2010, وقد يعود ذلك ربما لسوء الترجمة العربية أو غير ذلك, حيث ذكر المحرر أن الدكتورة ناهد طاهر وجهت سؤالا لعبد الكريم أبو النصر حول تراجع ربحية البنوك, والحقيقة لم يكن هناك أي سؤال, لكن مداخلة ركزت على جانب تم تناوله مسبقا من قبل أبو النصر نفسه والمعقبين الآخرين.
وملاحظة أخرى على تقرير محرر «الاقتصادية» وهي أن طرح الدكتورة ناهد جاء في بداية فترة النقاش التي أعقبت الجلسة وليس في آخر فترة النقاش. وهذه نقطة مهمة, فلو كانت في آخر النقاش لما جاءت تساؤلات عديدة من قبل عديد من الحضور بعد مداخلة الدكتورة ناهد.
خلاصة القول إن أبو النصر والشيخ صالح كامل وغيرهما من الاقتصاديين المحليين وأنا واحد منهم والعالميين ثمنوا دور مؤسسة النقد في إدارة الأزمة, خاصة في توجيهها المصارف الوطنية ما مثل حماية للنظام المصرفي والبنوك السعودية التي حققت أرباحا جيدة رفعت مكانة التصنيف الائتماني للمملكة وفقا لوكالة موديز العالمية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي