صندوق النقد: الاقتصاد العالمي في حاجة إلى مزيد من الضرائب

صندوق النقد: الاقتصاد العالمي في حاجة إلى مزيد من الضرائب

أقر صندوق النقد الدولي في تقرير نشر قبل عدة أيام بقصور السياسات الاقتصادية التي كان يقترحها لحماية الاقتصاد العالمي قبل نشوب الأزمة العالمية، مقترحا أن تتم إضافة مزيج من السياسات التنظيمية إلى جانب السياسات النقدية خلال المرحلة المقبلة، كما طالب بتفعيل السياسات المالية وخاصة الضرائب خلال الأزمات المالية، ملوحا بحاجة جميع دول العالم لمثل هذه الضرائب بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي. وقال خبراء أن السياسات المقترحة هي دعوة مفتوحة لصانعي السياسات الاقتصادية لتشريع المزيد من سياسات التدخل في توجيه الاقتصاد، ونوهوا بأهمية تطبيق تلك المقترحات خاصة في دول المجلس التي تعاني ضعف سياساتها النقدية وغياب الضرائب.
وقال في تقرير تحت عنوان «إعادة النظر في سياسة الاقتصاد الكلي» نشره قبل عدة أيام ويعتزم مناقشته من بين عدة تقارير في مؤتمر يعقد أواخر هذا الشهر في العاصمة الكورية سيئول، أنه ومع استمرار الأزمة في الانحسار ببطء، حان الوقت لإعادة تقييم ما نعرفه عن كيفية إدارة السياسة الاقتصادية الكلية.
وأضاف كان المغري بالنسبة لخبراء الاقتصاد الكلي وصانعي السياسات أن يُرجِعوا لأنفسهم كثيرا من الفضل في التراجع المطرد للتذبذبات الدورية منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي وأن يخلصوا إلى القول بأننا نعرف كيف تدار السياسة الاقتصادية الكلية. ولم نقاوم هذا الإغراء في واقع الحال، لكن الأزمة تجبرنا بطبيعة الحال على التشكك في استنتاجاتنا السابقة، وهو ما نسعى إليه في هذا التقرير.
وقال أن الهدف من التقرير هو طرح بعض الأسئلة حول تصميم أطر السياسة الاقتصادية الكلية، وبلورة بعض الأفكار حول كيفية تقوية هذا الأطر. وبالنظر إلى المستقبل، سنحتاج إلى النظر بمزيد من العمق في كيفية تصميم المشورة التي نقدمها بشأن السياسات وفق ظروف البلدان المتقدمة والأسواق الصاعدة والبلدان النامية.
لكنه أكد أن العناصر الأساسية في سياسة ما قبل الأزمة لا تزال صالحة للتطبيق، فإبقاء الناتج قريبا من المستوى الممكن والتضخم منخفضا ومستقرا هو أحد الهدفين اللذين ينبغي أن تركز عليهما السياسة. غير أن الأزمة أوضحت أن صناع السياسات ينبغي أن يتابعوا كثيرا من المتغيرات، ومنها مكونات الناتج وسلوك أسعار الوصول ومستوى الرفع المالي لدى مختلف المشاركين في الاقتصاد. وأوضحت أيضا أن هناك أدوات كثيرة ربما تكون متاحة لهم بخلاف ما كانوا يستخدموه قبل الأزمة. والتحدي الراهن هو معرفة أفضل الطرق لاستخدام هذه الأدوات. وهناك طريقان واعدان في هذا الصدد، هما الجمع بين السياسة النقدية التقليدية والأدوات الرقابية، وتصميم أدوات ضبط تلقائي أفضل لسياسة المالية العامة.
وعلى سبيل المثال، إذا كان الرفع المالي يبدو مفرطا، يمكن زيادة نسب رأس المال التنظيمي؛ وإذا كانت السيولة تبدو شديدة الانخفاض، يمكن زيادة نسب السيولة التنظيمية، ولتخفيض أسعار المساكن، يمكن تخفيض نسب القرض إلى القيمة، وللحد من زيادات أسعار الأسهم، يمكن زيادة هامش الضمان الإلزامي. هذه التدابير يمكن الالتفاف عليها إلى حد ما، ومع ذلك يرجح أن يكون تأثيرها أكثر مباشرة على التغيرات التي تحاول التأثير فيها إذا ما قورنت بسعر الفائدة الأساسي.
وإذا تم الجمع بين الأدوات النقدية والتنظيمية بهذه الطريقة، فمن الطبيعي أن تكتسب الأطر التنظيمية والاحترازية التقليدية بُعدا اقتصاديا كليا. والتحدي الأساسي هنا هو العثور على التوازن الصحيح بين نظام مركب يتم ضبطه بدقة للتواؤم مع كل تغير هامشي في المخاطر النظامية، ومنهج يقوم على منطلقات تشغيل بسيطة من حيث الإعلام بها وقواعد سهلة من حيث إمكانية تنفيذها.
وإذا قبل المرء فكرة ان السياسية النقدية والتنظيم يقدمان معا مجموعة كبيرة من أدوات التعامل مع الدورة الاقتصادية، فإن ذلك يثير مسألة تتعلق بكيفية التوصل إلى التنسيق بين السلطات النقدية والتنظيمية، أو ما إذا كان البنك المركزي ينبغي أن يكون مسؤولا عن كليهما. والاتجاه العام بالفعل هو أن الفصل بين الاثنين يرجح أن ينتهي.
وفيما يخص دور سياسة المالية العامة، قال التقرير إن الأزمة الراهنة أدت إلى عودة هذه السياسة إلى بؤرة الاهتمام كأداة اقتصادية كلية لسببين رئيسيين: أولا، إذا كانت السياسة النقدية، بما فيها التيسير الائتماني والكمي، قد بلغت حدودها القصوى أو تكاد، فإن صناع السياسات لم يعد أمامهم خيار يُذكر عدا الاعتماد على السياسة المالية العامة. ثانيا، كان يتوقع للركود منذ مراحله المبكرة أن يمتد لفترة طويلة، حتى أنه كان واضحا أن دفعه التنشيط المالي سيتاح لها الوقت الكافي كي تحدث أثرا إيجابيا رغم فترات التأخر في التنفيذ.
وقد أوضحت الأزمة أهمية وجود «حيز مالي»، وهو وجود فرصة التصرف والحركة في وقت الأزمات. وهناك بعض الاقتصاديات المتقدمة التي دخلت الأزمة وهي مثقلة بمديونية مرتفعة وكم كبير من الالتزامات غير الممولة وجدت أمامها مجالا محدودا فحسب لاستخدام سياسة المالية العامة فأصبح عليها الآن إجراء تعديلات صعبة.
وأكد أن التدابير المالية عادة تتأخر لمكافحة الهبوط الاقتصادي، لأن إجراء تخفيضات ضريبية أو اتخاذ تدابير جديدة للإنفاق يستغرق وقتا. وبالتالي، يوجد مبرر قوي لتحسين ما يعرف بأدوات الضبط التلقائي للمالية العامة. ويذهب التقرير إلى ضرورة النظر بحرص في التدابير التي تبدأ في العمل تلقائيا في فترات الهبوط وتترك تأثيرا ملحوظا في الاقتصاد. فيمكن أن التفكير في سياسات ضريبية مؤقتة تستهدف الأسر منخفضة الدخل، أو خصومات ضريبية على الاستثمار، أو تحويلات اجتماعية مؤقتة يبدأ تطبيقها عندما يتجاوز أحد المتغيرات الاقتصادية الكلية حدا معينا (كأن يتجاوز معدل البطالة 8 في المائة).
وتعليقا على هذه المقترحات، قال خبراء اقتصاديون إنه من المؤكد أن الخصائص الاقتصادية لها تأثير حاسم في تركيب البنيان النقدي والمالي، وخاصة في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، حيث تعدّ هذه الدول عمومًا، عدا السعودية، كيانات سياسية واقتصادية صغيرة ومتشابهة نسبيًا، ولذلك لا يستطيع أي منها توفير الحماية الأمنية الكافية بمعزل عن باقي الدول، علاوة على ارتفاع نسبة السكّان غير المواطنين في دول مجلس التعاون، والتي أدّت إلى ارتفاع نسبة العمالة الوافدة، وضآلة حجم العمالة المواطنة.
كما تتماثل الدول المذكورة في مراحل تطورها الاقتصادي والاجتماعي، علاوة على أن اقتصادياتها اقتصاديات مفتوحة على نطاق واسع؛ فتجارتها الخارجية شكلت نسبة كبيرة في نواتجها المحلية الإجمالية، وذلك لسدّ احتياجاتها المختلفة من السلع والخدمات. وأيضًا تعتمد دول المجلس في صادراتها على النفط الخام بصورة رئيسة مما يكشف عن مدى القصور في القاعدة الإنتاجية لهذه الدول، وعجزها عن تلبية احتياجاتها المحلية من السلع الغذائية والمصنعة. كما تتحكم الأوضاع الخارجية في الصادرات النفطية لهذه الدول، حيث تعتمد عوائد صادرات دول المجلس النفطية على توقعات العرض والطلب وتطورات السوق النفطية في ظلّ الأسعار السائدة في الأسواق العالمية.
وأيضًا ضعف الطاقة الاستيعابية لسائر دول مجلس التعاون، فرغم الزيادة الكبيرة في حجم النفقات الاستهلاكية التي حدثت نتيجة للتطورات الاقتصادية في هذه المنطقة، فإن الاستهلاك الكلي العام والخاص لم يتجاوز 62.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا يرجع إلى ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون، وضيق نطاق السوق المحلية، وقلّة الموارد الاقتصادية غير المالية كالأرض والمياه والعمالة.
لذلك، وفي ضوء تلك الخصائص، يقول أحد الاقتصاديين، تتسم السياسة النقدية في دول مجلس التعاون عمومًا بضعف أدواتها النقدية الكمية، وخاصة فيما يتعلق بعمليات السوق المفتوحة في مراحلها الأولى. وتستند هذه السياسات أساسًا إلى هيكل نقدي ومالي غير مكتمل يتصف بضيق الأسواق النقدية والمالية، وعدم تطورها. ودول المجلس هي من الدول المُصدِّرة للرساميل، وليست مستوردة لها، وهذا ما يجعل عملية خلق وتوسيع سوق مالية محلية تجمع بين عرض المدخرين وطلب المستثمرين - أمرًا في غاية الصعوبة؛ نظرًا إلى ضيق فرص الاستثمار المحلية، واعتياد الأفراد استثمار أموالهم في مشاريع تعطي إيرادًا أعلى مما تعطيه السندات.
ومع ذلك، فإن البنوك المركزية في دول مجلس التعاون تستخدم أدوات نقدية كمية ونوعية مختلفة تنظيم السيولة المحلية، وللتأثير في حركة الرساميل الوطنية في الداخل والخارج.
كما تنتهج دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية حاليًا سياسات مالية تستهدف التكيف مع مستويات أقل من الصادرات النفطية، وفي الوقت نفسه تحاول التقليل من الاعتماد على هذه الصادرات، قد سعت هذه الدول إلى ترشيد الإنفاق الحكومي، وتشجيع القطاع الخاص على القيام بدور أكبر في النشاط الاقتصادي، والتنويع في الاقتصاد الوطني وهيكل الصادرات، وأخذت بمبدأ ضبط الميزانية الحكومية لتحقيق الاستقرار المالي من خلال خفض مستويات الإنفاق الجاري والاستثماري.
وترتبط السياسات المالية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بالإيرادات النفطية بصورة وثيقة، مما يجعلها عرضة للتقلُّب في فترات كبيرة، يعرض ميزانياتها إلى العجز دائمًا، ولعل هذا ما حدا بدول مجلس التعاون الخليجي إلى تمويل العجز المالي، من خلال السحب من الاحتياطيات، وذلك نظرا لافتقادها الأدوات الضريبية كما التي يمكن أن تستخدمها بما في ذلك الأدوات الضريبية المؤقتة كما يقترح صندوق النقد الدولي، لكن الدعوة الأخيرة للصندوق جاءت صريحة سواء من حيث الأدوات التنظيمية المقترحة او الأدوات الضريبية، فهل تلقى هذه الدعوات صدى لدى دول التعاون وذلك بهدف تعزيز سياساتها التوجيهية للاقتصاد والتقليل من تأثيرات تقلبات النفط؟.

الأكثر قراءة