باستثناء الصفوة الغنية.. الاقتصاد الإيراني يواجه صعوبات كبيرة

باستثناء الصفوة الغنية.. الاقتصاد الإيراني يواجه صعوبات كبيرة

لا يتحرج أغنياء إيران من التباهي بثرائهم. باعت شركة بورشه أكثر من 100 سيارة فارهة يوم حفل استقبال أقامته بمناسبة افتتاح وحدتها في إيران قبل بضعة أشهر لزبائن لم تردعهم الأسعار الباهظة أو رسوم الجمارك التي تبلغ نسبتها 100 في المائة.
ويقول سيروس رزاقي رئيس شركة أرا لاستشارات الأعمال إن هذا التباهي يظهر حجم الدخل المتاح لقلة في إيران خامس أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم التي تضم أراضيها احتياطيات للغاز تحتل المركز الثاني بعد روسيا. لكن هذا لا يمكن أن يخفي المشاكل الاقتصادية التي تواجهها الجمهورية الإسلامية التي يرجح أن تفاقمها أي عقوبات جديدة قد تفرض عليها بسبب برنامجها النووي إضافة إلى الاضطراب السياسي الناجم عن انتخابات رئاسية جرت في حزيران (يونيو) الماضي وثارت نزاعات حول نتائجها.
وقال رزاقي الذي وصف إيران بأنها أكبر مصدر للعقول في العالم حيث يسافر ما بين 150 و300 ألف معظمهم من المتعلمين إلى الخارج سنويا «لا أحد .. يتوقع أن ينهار النظام لكن عدم التيقن يدفع الناس للسفر». ويقول مسؤولون إن البطالة انخفضت إلى 11 في المائة في كانون الثاني (يناير) من 12.5 في المائة في نيسان (أبريل) لكن النمو المتباطئ وقلق العاملين في مجال الأعمال يعوقان طالبي الوظائف من الشباب خاصة في ظل تزايد طلب النساء على العمل.
ويقول البنك الدولي إن نسبة الدارسات إلى الدارسين في الجامعات الإيرانية اثنان إلى واحد. وقال دبلوماسي غربي في طهران إن الاقتصاد ليس في أزمة لكنه يواجه صعوبات كبيرة. وأضاف «إنه تراجع تدريجي ومستمر. لا يبدو أن أحدا يعمل على وضع سياسات من شأنها تغيير هذا الوضع على سبيل المثال من خلال السماح بمزيد من الاستثمار الاجنبي وتقليل حجم القطاع الحكومي وخفض قيمة الريال لمساعدة القطاع المحلي».
وأقرت الحكومة خطة لإصلاح الدعم تهدف إلى توفير 100 مليار دولار من ميزانية الحكومة على الرغم من أن منتقدين يقولون إن خفض الدعم على البنزين والكهرباء والغاز الطبيعي الذي يستخدم في الطهي والمواد الغذائية والصحة والتعليم سيذكي التضخم.
ويقول البنك المركزي إن التضخم الذي نادرا ما قل عن 10 في المائة في الأعوام الأخيرة انخفض إلى 7.8 في المائة في كانون الثاني (يناير) مقارنة بالشهر نفسه عام 2009 بعد أن بلغ ذروته عند 30 في المائة في أواخر عام 2008 . وينتهج الرئيس الإيراني المحافظ محمود أحمدي نجاد سياسات اقتصادية تحظى بشعبية كبيرة منذ انتخابه للمرة الأولى عام 2005 حيث وزع مبالغ نقدية وقروضا لإشباع المطالب المحلية بينما أبطأ من وتيرة الإصلاحات الاقتصادية والخصخصة التي بدأها أسلافه.
وقال محمد شاكيل الخبير في الاقتصاد الإيراني في وحدة الاستخبارات الاقتصادية التابعة لمجلة الإيكونوميست «مازالت الخصخصة على جدول الأعمال لكن التباطؤ الرسمي مستمر لضمان سيطرة حكومية شبه كاملة على كبريات المؤسسات التجارية.» وتباهى أحمدي نجاد في أيار (مايو) بأن الاقتصاد ينمو بمعدل يراوح بين 5 و6 في المائة وهو أعلى كثيرا من تقديرات صندوق النقد الدولي بأن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمعدل 1.5 في المائة عام 2009 و2.2 في المائة عام 2010 . ويشير بعض الاقتصاديين إلى أنه حتى الرقم الذي أعلنه صندوق النقد الدولي متفائل.
وقال شاكيل «نقدر أن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي سيكون قد ضعف في 2009 - 2010 إلى مجرد 0.5 في المائة نتيجة انخفاض عائدات النفط على مدار العام الذي سيؤثر في معدل الاستهلاك الخاص ونمو الاستثمار». وأضاف أن هناك تكهنات بأن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي باطراد إلى 2.9 في المائة في العام الفارسي حتى آذار (مارس) 2011 وأرجع هذا إلى ارتفاع أسعار النفط وزيادة طفيفة في إنتاجه.
في الوقت نفسه يقول البنك الدولي إن العمالة ترتفع بنسبة 4 في المائة سنويا. ويتهم منتقدون أحمدي نجاد بإهدار عائدات النفط الاستثنائية التي جنتها إيران حين ارتفعت أسعار الخام بشدة في النصف الأول من عام 2008 مما يجعل إيران أكثر عرضة للتأثر بأي عقوبات جديدة قد تفرضها عليها الأمم المتحدة.
وتبحث الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون عن سبل للضغط على إيران لتتخلى عن برنامج يشتبه أنه للتسلح النووي. وتقول طهران إن أنشطتها النووية مخصصة لأغراض سلمية. وربما تركز العقوبات الأكثر صرامة على البنوك الإيرانية إلى جانب الأفراد والشركات المرتبطين بالحرس الثوري الإيراني الذي اتهمته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون هذا الأسبوع بدفع إيران لتصبح «دكتاتورية عسكرية.»
حتى إذا قاوم الغرب نداءات إسرائيل بفرض «عقوبات معوقة» على واردات إيران من البنزين أو صادراتها من النفط فإن أي إجراءات جديدة ستساعد على ردع الاستثمار خاصة في قطاع الطاقة وهو مصدر 80 في المائة على الأقل من إيرادات الحكومة. وكانت إيران تنتج أكثر من خمسة ملايين برميل يوميا من النفط عام 1978 قبل عام من قيام الثورة الإسلامية وهو مستوى لم تبلغه منذ ذلك الحين بسبب الحرب ونقص الاستثمارات والعقوبات. غير أن طهران كانت قد حددت هدفا طموحا بأن تصل طاقة إنتاج النفط إلى 5.6 مليون برميل يوميا بحلول عام 2010.
وقال شاكيل «من دون مساعدة خارجية كبيرة سيكون تحقيق ذلك غير واقعي بالمرة» مضيفا أن المؤسسات الأوروبية تقع تحت ضغط للانسحاب من إيران بينما يفتقر منافسوها من الصين وروسيا وشرق آسيا الخبرات الفنية. وتكهن بأن تصل عائدات إيران من النفط هذا العام إلى 65 مليار دولار من إنتاج يقدر بأن يكون 3.82 مليون برميل يوميا وهو مستوى يماثل ذلك الذي حقق 82 مليار دولار عام 2008 حين قفزت أسعار النفط.
وقال شاكيل إن إيران حققت ما يقدر بنحو 54 مليار دولار من 3.47 مليون برميل يوميا العام الماضي عندما قيدت منظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبك» الحصص المستهدفة للإنتاج. وساعدت الثروة النفطية إيران على تحسين الخدمات في قطاعي الصحة والتعليم في الأعوام العشرين الماضية، لكن حتى أحمدي نجاد يقول الآن إن البلاد لم تعد قادرة على تحمل الدعم الذي لا يوجه لمستحقيه والذي يفيد الأثرياء أكثر مما يفيد تسعة ملايين إيراني مصنفين كفقراء.
وقال رزاقي استشاري الأعمال إن طبقة متوسطة صغيرة في تنام على الرغم من التفاوت المتزايد بين الإيرانيين المحرومين ومن يستطيعون الإنفاق على شراء سيارة بورشه، وأضاف «من يعانون الفقر المدقع يزدادون فقرا وفاحشو الثراء يزدادون ثراء».

الأكثر قراءة