من أجل نجاحات وطنية في بيئتنا السعودية
أن ينجح سعودي أو سعودية في اكتشاف أو اختراع أو تطوير يمنحه مرتبة أو جائزة عالمية فذاك نجاح نفخر به دون أدنى شك لكونه نجاحا يثبت أن موروثاتنا الجينية لا تختلف عن غيرنا, وأن لدينا كسعوديين قدرات ابتكارية وإبداعية تمكننا من تحقيق نجاحات عظيمة متى ما توافر لنا التعليم السليم والبيئة المحفزة للابتكار والإبداع, التي تتمثل في خط إنتاج ابتكاري متكامل ينطلق من مراكز الأبحاث والتطوير المتطورة وينتهي بالمنشآت (خصوصا الاقتصادية) التي توظف الناتج الابتكاري والإبداعي من مخترعات أو اكتشافات أو نظريات مرورا بالمؤسسات المشجعة للموهوبين والمخترعين والمبدعين وهيئات حفظ الحقوق الفكرية وغيرها.
بكل تأكيد النجاحات الوطنية الفردية في البيئات الخارجية التي سمعنا وسنسمع عنها لا تشكل مفخرة لتعليمنا وبيئتنا السعودية اللتين لم تمكنا هؤلاء من إطلاق طاقاتهم الابتكارية والإبداعية ومن ثم توظيف نتاج ما توصلت إليه عقولهم بعد طول صبر ومعاناة لمصلحتهم ومصلحة بلادنا ومنشآتها حكومية كانت أو مدنية أو خاصة على شكل منتجات منافسة أو خدمات متفردة.
نعم, النجاحات الوطنية الفردية في البيئات الخارجية تولدت خارج أسوار الوطن وستعزز تنافسية تلك البيئات, ذلك أن البيئة التي حفزت المبتكر والمبدع السعودي على إطلاق طاقاته وإبداعاته هي التي ستوظف إنتاجه على شكل منتجات أو خدمات متميزة أو متفردة تلبي حاجات المستهلكين, الأمر الذي يعزز قدراتها التنافسية بالمحصلة باحتكار القيمة التي أطلقتها الطاقات الفردية الوطنية في تلك البيئات التي تشكل عنصرا مهما في تحقيق مفهوم ما فوق التنافسية التي تسعى الدول إلى تحقيقه بينما نتغنى نحن من خلال وسائل الإعلام بتلك النجاحات وتبقى قدراتنا التنافسية تراوح محلها.
في محاضرة للدكتور أحمد زويل العالم المصري الأمريكي الحائز جائزة نوبل في الكيمياء قال إنه تمت إعادة تعليمه من جديد في أمريكا من خلال المنحة التي حصل عليها وإن جامعة كال تك التي أنجبت أكثر من 35 عالما حازوا جائزة نوبل وفرت له بيئة بحثية متطورة وفريق بحث مؤهلا مكناه من الوصول إلى النتائج التي وصل إليها والتي أهلته للحصول على جائزة نوبل, وإن الجامعة هي صاحبة الحق في توظيف نتائج البحوث, وكل ذلك يوضح لنا أن البيئة الأمريكية هي التي جذبت وهي التي حفزت وأطلقت طاقات هذا العالم المصري العربي وهي التي استفادت من نتائج ما توصل إليه.
وإذا كان الأمر كذلك فكيف لنا أن نطور بيئة محفزة لمواردنا الوطنية للابتكار والإبداع ثم نجني ثمار ذلك لمصلحة أفراد المجتمع والوطن بالمحصلة؟ بكل تأكيد هذه مهمة ليست بالسهلة لكنها بكل تأكيد أيضا ليست بالمستحيلة، وهي مهمة ليست سهلة لأنها تواجه عوائق كثيرة ومتعددة من أفراد المجتمع السعودي ذاته ممن هم في موقع المسؤولية وممن هم دون ذلك, حيث يقف كثير من المسؤولين حجر عثرة أمام تطوير بيئات محفزة للابتكار والإبداع وأمام المبتكرين والمبدعين من أبناء الوطن لأسباب تراوح بين الجهل والخوف من التغيير والمجهول وعدم الرغبة في أخذ روح المبادرة والمحافظة على المصالح الخاصة, التي تشكل سنام تلك العوائق على اعتبارها فسادا لا شك فيه يرغب صاحبه في تحقيق منافع خاصة على حساب المصلحة العامة لا يمكن له تحقيقها في بيئات محفزة للابتكار والإبداع والتطوير.
هذه العوائق لا يمكن لجهود فردية أن تقضي عليها أو تحد منها مهما تعاظمت هذه الجهود, الأمر الذي يستدعي جهودا متكاملة ونزيهة مخططة ومقصودة ومستمرة ومركزة مرحليا من قبل أجهزة حكومية ومؤسسات مدنية ذات صلة ومنشآت خاصة عملاقة تسعى إلى رفع تنافسيتها محليا وعالميا على أن تطلق أي منها خطة استراتيجية برعاية من لدن خادم الحرمين الشريفين تشتمل على برامج فاعلة في جميع مسارات تحقيق هذه الغاية ومن ثم تعمل على تنسيق الجهود وتكاملها لتحقيق رسالة هذه الاستراتيجية المتمثلة في تطوير بيئة حاضنة ومحفزة للعناصر الوطنية لاستثمار طاقاتهم الابتكارية والإبداعية على شكل مخترعات واكتشافات ونظريات علمية تفسر ظواهر عجز الآخرون عن تفسيرها.
دون خطة استراتيجية لإيجاد بيئة محفزة للابتكار والإبداع سنبقى معتمدين على جهود فردية مبعثرة ومشتتة من قبل موهوبين ومهتمين سعوديين لمواجهة عوائق لا قبل لهم بها, خصوصا من أولئك الذين يمسكون بزمام المسؤولية ويسعون إلى تحقيق مصالحهم الخاصة بكل الطرق والوسائل وإن كان ذلك على حساب المصلحة العامة بالقاعدة التي تقول ''أنا والطوفان من بعدي''، وللأمانة كم من القصص المحزنة والمبكية في الوقت نفسه نسمع بشكل شبه يومي لشباب سعودي موهوب قتلت موهبته ووهنت عزيمته أمام هؤلاء الذين لا يرون إلا مصالحهم الآنية حتى إن ارتد سوء أفعالهم عليهم على المديين المتوسط أو البعيد ومن أولئك الذين لا يرون أبعد من أرنبة أنوفهم في التعامل مع الواقع والمستقبل.
أعتقد أن مجلس الغرف كمؤسسة مجتمع مدني تسعى إلى تحسين البيئة الاستثمارية لمصلحة التجار والصناعيين بما يعزز قدراتهم التنافسية, خصوصا في مجال التصدير يمكن أن يلعب دورا كبيرا في قيادة استراتيجية من هذا النوع, خاصة أن محصلة منتجات الابتكار والإبداع الوطني ستصب في مصلحة القطاع الخاص بما يمكنه من احتكار القيمة التي أصبحت اليوم من أهم عناصر تحقيق التنافسية والاستمرارية والنمو، كما أن القطاع الخاص هو القطاع الوحيد الذي يقوم على الجدارة مقابل القطاعين الحكومي والمدني اللذين تلعب فيهما المكانة الاجتماعية عنصرا حاسما في الحصول على المنصب واستثماره والحماية من المساءلة.