البصمة المهنية

قبل عام بدأ تطبيق بصمة الإصبع للعمالة من الرجال، في مسعى إجرائي حازم من قبل السلطات الأمنية السعودية للحد من الجريمة بأنواعها، من خلال التحكم في تأشيرات الجوازات بناء على سجل صاحب البصمة وخلوه من السوابق.
هذا أدى إلى قطع دابر تزوير الجوازات والأسماء ثم العودة مرة أخرى إلى البلاد وتكرار جنايات أخرى من الشخص ذاته.. كما أدى في الوقت نفسه إلى ردع من قد تسول له نفسه ارتكاب جرم ما وتنبيهه بحدة إلى أن مصيره (مع العقاب) الطرد النهائي من السعودية دون أدنى أمل له في العودة مجدداً.
وإذا كان هذا الإجراء قد قطع دابر تكرار الجنايات والمخالفات الشنيعة للقانون أو التعدي على حرمة البلاد، والعباد، فإن العمالة السائبة وغير السائبة، ما زالت رغم ذلك تشكل «ورطة» مؤسسية في سوق العمل السعودي تنجم عنها أخطار وإهدار للمال والوقت وتدمير وتخريب للصروح والإنشاءات وكل ما يتصل بأعمال الصيانة والتشغيل سواء لمنازلنا أو لمقار أعمالنا أو لعرباتنا أو للبنى التحتية مياهاً، مجاري، كهرباء، هاتفاً، طرقاً ومواد تموينية وصحية وزراعة ومواد بناء وأجهزة ومعدات وهلمّ جرا .. لأن مهارات هذه العمالة إما متدنية جدا وإما أنهم صفر اليدين تماماً منها، حتى إن وطننا بات من جرّاء ذلك، أضخم وأوسع مركز تدريب للعمالة في العالم، ليس بالمجان وإنما بأموالنا التي ندفعها لهم كرواتب وأجور لا يستحقها معظمهم!!
ما تفعله هذه العمالة فينا هو استنزاف ثروتنا علاوة على تعطيل قدرتنا الذاتية في الاعتماد على قوانا الوطنية في العمل والإنتاج، فضلاً عن الحط من مستوى أداء التنمية والكفاءة والجودة وغياب الإحساس بالمسؤولية لغياب المساءلة طبعاً .. وهذه المعاناة أهرق في الكتابة عنها بحر من المداد وتعالت حولها صيحات حناجر حتى بحت، وما زالت، الأسطوانة المشروخة تدور!!
ولأن الأمر كذلك، (وهو كذلك بالفعل) فلماذا لا يتم ضبط عملية استقدام العمالة من خلال المصدر، بحيث لا يتم منح تأشيرة إلا لمن تتوافر فيه المواصفات الفنية المطلوبة للمهنة التي من أجلها يستقدم هذا العامل أو ذاك؟ ويتم التنسيق في هذا الشأن مع سفاراتنا وتكوين لجان لهذا الغرض للتأكد من الوفاء بالشروط الفنية المطلوبة للعمالة، وهو نهج يحتاج بالطبع إلى جهات فنية للاختبار العملي وبالإمكان، في هذا الصدد الاتفاق مع منشآت تتولى هذه المهمة في بلدان العمالة نفسها بناء على عقد بين السفارات السعودية وتلك المنشآت.
أما الخطوة الأخرى والأهم، فهي أن يتم تثبيت المهنة مقرونة مع البصمة بحيث تدل البصمة، ليس فقط على اسم صاحبها وشخصه، وإنما كذلك على مهنته الأساسية، لكيلا يتم استقدام فني كهربائي فإذا هو راعي مواشٍ مثلاً، ولكي أيضا لا يتسرب للبلد عمالة لا احتياج إليها، فاقتران المهنة بالبصمة وتلازمهما يحدان من عودة أصحاب السوابق أخلاقياً وفي الوقت نفسه يحدان من عودة من ليست لديهم مهارات فنية أو مهن مطلوبة .. ولعلنا في هذا المنحى نوفق إلى تنظيف فضائنا الاجتماعي من عمالة ما زالت تزيد الهدر والخطر إلى عمالة تحفظ لتنميتنا عافيتها ولنا حقوقنا وتحفظ لهم عافيتهم وحقوقهم أيضاً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي