رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


العمل .. هل هو حضور أم إنجاز؟

تتعدد المقاييس التي من الممكن أن تستخدم لقياس إنتاجية الموظف أو العامل، بين الوقت المستغرق لإنجاز المهمة، وجودة الإنتاج، وعدد الأخطاء التي يقع فيها الموظف أو من يقوم بالمهمة أياً كانت طبيعة هذه المهمة، والمعاملات التي من الممكن إنجازها، إضافة إلى عدد الزبائن الذين تتم خدمتهم بالشكل الصحيح وليس مجرد تصريفهم, وكذلك حسن التعامل مع الآخرين زملاء عمل أو مراجعين.
ما من شك أن المهن، والأعمال تختلف في طبيعتها، واحتياجات وشروط إنجازها، وبساطتها وتعقيدها، وخطورتها، فالطبيب لا يمكن قياس إنتاجيته بعدد المرضى الذين يفحصهم فقط بل تقاس بعدد من تتم معالجتهم مع انعدام الأخطاء أو ندرتها إذا حدثت، أما السكرتير فالطباعة، وترتيب المعاملات، وإنجازها تمثل مقاييس لإنجازه, إضافة إلى استقبال المراجعين للدائرة, أو الشركة، وكذلك الرد على الاتصالات, والاستفسارات التي ترده أو توجه إليه بصورة حضارية، مع إعطاء المعلومات الصحيحة والدقيقة. في عملي في الجامعة أتذكر في سنة من السنوات أني طلبت من أحد السكرتارية طباعة بعض الأوراق، وعند مراجعتي لها بعد طباعتها وجدت 14 خطأ طباعياً في صفحة واحدة, ولذا وجدت نفسي أقضي وقتاً طويلاً في تصحيح أخطائه, وفي هذا المثل مؤشر على جودة الإنتاج, وسلامة إنجاز المهمة بالشكل الذي يوفر الوقت, والجهد على الطرفين مقدم الخدمة, والمستفيد منها. كثيرة هي الشكاوى التي يذكرها من يراجعون بعض الدوائر, أو المؤسسات بشأن تأخير معاملاتهم, أو الانتظار طويلاً لمقابلة المسؤول, أو عدم إنجاز المهمة بالشكل الصحيح, أو ربما عدم إنجازها إطلاقا, وقد سبق أن اطلعت على دراسات تصنف المجتمعات حسب إنتاجية موظفيها, والعاملين فيها, ومن المؤسف أن المجتمعات العربية من أقل المجتمعات حيث تصل إنتاجية الفرد اليومية إلى ربع ساعة في اليوم عند استخدام عامل الوقت مقياساً للإنتاج.
ولعله من المناسب الإشارة إلى أن الإنتاجية ترتبط بمجموعة عوامل منها بيئة العمل, وملاءمتها, وتوافر الإمكانات اللازمة لإنجاز الوظيفة, إضافة إلى المناخ الاجتماعي السائد في المنظمة والعلاقات التي تحكم العاملين فيما بينهم أو مع رئيسهم, وما يلاقونه من احترام متبادل, وتقدير للجهود, ورضا نفسي ناتج عن الشعور بالمتعة في بيئة العمل, إضافة إلى كفاية الراتب, والحوافز المادية والمعنوية التي يجدها العاملون في المنظمة خاصة المجتهدين, والمخلصين.
تناولت هذا الموضوع لأنه كثيراً ما يكون حديث المجالس, ومصدر تذمر من قبل الكثير من الذين يضطرون لمراجعة الدوائر, أو المؤسسات لإنجاز المهام التي لابد لهم من إنجازها كي تستمر عجلة الحياة في الحركة, والدوران, ويستمر النمو والتطور, ويعيش الفرد حياة سعيدة. وقد لمست في أكثر من موقف بطء الإنجاز, وضعف الأداء عند البعض, وقد حاولت أن أخرج بصورة دقيقة تكشف مدى صحة ما يقوله الناس, ومدى دقة انطباعي, أو انطباع الآخرين بشأن هذا الموضوع. حدث أن ذهبت لإنجاز مهمة في إحدى المؤسسات الحكومية, والتي يكثر الحديث عن ضعف أداء موظفيها, وفي صباح يوم خميس على افتراض قلة المراجعين في ذلك اليوم, وأخذت رقماً من الموظف إذ لا توجد أرقام إلا ما يجود به الموظف, وكان رقمي 768 بينما الرقم الظاهر على الشاشة الذي يتم خدمته 762 إذ لا يوجد أمامي إلا ستة أشخاص. عندما أخذت الرقم كانت الساعة العاشرة والربع, والعاملون في المكان ستة مع كاونتر خاص بالنساء اللاتي يأتين, ويدخلن مباشرة, وهذا مما يحمد لهذه المؤسسة.
انتهت مهمتي عند الساعة 11, رغم أن إنجاز مهمتي لم يستغرق سوى ما يقارب سبع دقائق, ولذا لو حسبنا الوقت الذي انتظرته, وعدد المراجعين الذين تم إنجاز مهماتهم لوجدنا أن ستة موظفين أنجزوا ستة مراجعين خلال 45 دقيقة أي أن كل موظف أنجز مهمة واحدة خلال هذا الوقت وكل زبون من الستة انتظر 45 دقيقة.
خلال انتظاري حاولت أن أراقب الموقف بشكل دقيق, وقد وجدت أن جل الوقت يضيع دون أي عمل، حيث تكثر تحركات الموظفين داخل الكاونتر, ويكثر الحديث فيما بينهم, بل إن بعضهم لا يستقبل مراجعين مما يعني إضاعة الوقت على المراجعين, وإعطاء صورة سيئة عن المؤسسة التي يعملون فيها, وينتمون إليها, ويحملون شعارها. في المقابل ذهبت بعدها بيومين أو ثلاثة إلى أحد البنوك وأخذت رقماً من الماكينة, وكان رقمي 95 بينما الرقم على الشاشة 86 وخرجت من البنك بعد ثلث ساعة علماً أنه لا يوجد إلا موظف واحد يقوم بخدمة الزبائن. تساءلت وأنا أقارن بين الموقفين هل سرعة الإنجاز في البنك, سببها الدافعية العالية لدى الموظف, أم الإدارة المنضبطة؟ وهل المؤسسة التي ذكرتها سابقاً يفتقد موظفوها الدافع للعمل, أم أن ضعف الانضباط, وافتقاد الرقابة الإدارية هو السبب؟! حري بنا ونحن نناقش الإنتاجية أن نتساءل هل من الممكن أن نتحول من فلسفة الحضور لمجرد الحضور في العمل إلى فلسفة الإنتاجية, والأداء المتميز توفيراً للوقت, والجهد, والمال, وتقديراً للعملاء, وكسباً لهم حتى لا يبحثوا عن الخدمة من مصادر أخرى حين تتوافر هذه المصادر في المستقبل. بقي أن أذكر مقولة خليل جبران، حيث يقول إن العمل هو الحب, ولكن حين نترجمه بصورة حسية, فهل نذهب إلى أعمالنا ونحن نشعر بهذا الشعور ونفعل وفقه؟! وهل نحتذي قبل كل شيء بالحديث الشريف «رحم الله امرءاً عمل عملاً فأتقنه» أرجو أن نفعل ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي