رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الأمانة المفقودة

تُكوِّن الأمانة في المعاملات وفي تحمُّل المسؤوليات وفي علاقات بعضنا البعض وفي كسب المال الحلال أساسا جوهريا في حياتنا من أجل ضمان صفاء عقيدتنا كمسلمين، وتُعبير عن طهارة قلوبنا وحسن نياتنا وضرورة مُعاملة الآخرين بما نُحبُّ أن يُعاملونا به. ولكن يا ترى، هل نحن فعلاً نمارس ما حثنا عليه ديننا من حسن الخُلق والإخلاص في العمل ومراعاة الأمانة فيما نحن مؤتمَنون عليه؟ نتمنى ذلك، ولكن واقع الحال يُظهر غير ما نتمنى. فلدينا ومن بيننا، ونرجو ـ إن شاء الله ـ أن يكونوا قِلِّة، منْ يهوون الاستحواذ على أموال الآخرين دون وجه حق. ومنهم منْ يتهاون في أداء واجباته المحسوبة عليه حتى ولو كان أجيراً يستلم مُقابل عمله مُكافأة أو راتباً مُجزياً، ولا فرق بين سرقة المال وسرقة الوقت. وفئة ثالثة يستحلون أموال الدولة ومُخصصات مشاريعها بطرق شتى، لعل أكثر هذه الطرق شيوعاً أخذ نصيب من قيمة العقود الموقعة بين المسؤولين وبين الأطراف التي تنفذ المشاريع، سواء مبالغ عينية من قيمة العقود أو على شكل رشوة والعياذ بالله، يُقدمها مُنفذ العمل مُقابل التغاضي عن تطبيق جميع بنود المواصفات المُتفق عليها. ومن الملاحظ أن الذين يتمتعون بشهية كبيرة لزيادة دخلهم من طرق غير مشروعة هم في الغالب من الفئة الغنية نسبياًّ، وهدفهم جمع مزيد من المال حتى ولو كان ذلك مُخالفاً للقوانين المرعية والعهود المأخوذة عليهم، ناهيك عن خيانة الأمانة الدينية التي يترتب على فاعلها تحمل إثم عظيم وعقاب من الله، حمانا الله وإياكم.
 وهناك من الأمور التي قد تقود إلى مدخل الحرام أنواع كثيرة من التحايل يتساهل بها المرء وهو لا يُدرك أنه يرتكب خطيئة كبيرة بحق إخوانه المواطنين، كبيع السلع والمواد التجارية بأسعار تزيد كثيراً عن سعر التكلفة وذلك باستغلال جهل المشتري وهو يعتبرها شطارة ومهارة بيع وشراء. كما هي الحال مع منْ لا يُكمل عملاً مُتفقا عليه ومطلوبا منه إنجازه بطريقة واضحة وبينة، رغبة منه في توفير بعض المال لصالحه وهو غير عابئ بالضرر الذي سيتعرض له الطرف الآخر. ومن الحالات المُتفشية في مجتمعنا، وعلى وجه الخصوص في محيط عمل المقاولين، سواء كان تنفيذ العمل المطلوب لصالح الدولة والمؤسسات الأخرى أو لأحد المواطنين، تجد أن المقاول الأول الذي يرسو عليه عقد المشروع يبحث عن مقاولين آخرين فيتفاوض مع أحدهم على تنفيذ العمل المطلوب ولكن بقيمة أقل بكثير من تلك التي تم عليه العقد الأساسي. فيضمن المقاول الأول لنفسه مكسباً كبيراً دون أن يقوم هو بتنفيذ المشروع، وهو تصرف خاطئ ومُعلق في ذمته، وبالذات إذا لم يكن ذلك الإجراء منصوصا عليه صراحة في العقد. وقد سمعنا أن بعض العقود تنتقل بين أكثر من مُقاوليْن، فينتهي التنفيذ بيد مقاول ثالث أو رابع. وهذا دون أي شك سيؤثر في جودة المهنية التي يُؤدََّّى بها العمل. وهناك حالات في مجال المقاولات ربما تكون مقبولة نوعاً ما، وهي أن المقاول الرئيس يُعطي أجزاء معينة من المقاولة إلى أكثر من طرف، مثل تلك التي يتطلب تنفيذها مُعدات مُتخصصة ليست مُتوافرة لديه، ولكن على شرط أن يكون التنفيذ تحت مسؤوليته وإشرافه.
 وكثيرون ـ هداهم الله ـ الذين يستغلون سهولة استقدام العمالة الأجنبية ويبذلون جهداً كبيراً في استخدام أنواع من طرق التحايل على نُظم الدولة من أجل جلب أكبر عدد منهم ويتركونهم يهيمون في الشوارع والمواقف العامة بحثاً عن عمل يكسبون من ورائه ما يُعيِّشهم وفائض بسيط يدفعونه شهرياًّ إلى كفيلهم. وهذا عمل لا يُرضي الله وكسبه فيه شُبهة، بل هو بمثابة الكذب الصريح إذا كان أصل استقدام العمالة من أجل تسيبهم على أمل أن يجدوا أعمالاً تُدرُّ عليه وعليهم مبلغاً مُعيَّناً من المال. وحتى الكُفلاء الذين يستوردون الأيدي العاملة ويفتحون لهم محال تجارية تُمكنهم من مزاولة البيع والشراء لحسابهم وإعطاء الوكيل رسوماً شهرية يعد أيضا تصرُّفا غير مقبول وطريقا غير مشروع للكسب. وما عليك إلا أن تُشاهد أغلب المحال التجارية والخدمية التي يعمل بها أجانب وتُلاحظ الساعات الطويلة التي تقضيها هذه العمالة وهم يعملون خلال ساعات النهار وجزءا كبيرا من ساعات الليل. ولو كان عملهم لصالح صاحب المتجر أو الورشة لكان زمن عملهم محدوداً بثمان إلى عشر ساعات خلال الـ 24 ساعة على أكثر تقدير.
 وهناك مشاريع حيوية تمس حياتنا ويهمنا أن يكون تنفيذها على مستوى كبير من الإتقان وحسن الأداء وتطبيق جميع المواصفات المطلوبة، مثل إنشاء وصيانة الطرق العامة التي نستخدمها يومياًّ في ذهابنا ومجيئنا. ولكن المُشاهَد أن معظم الطرق الرئيسة المُعبَّدة يكون عمرها قصيرا، ربما بسبب سوء التنفيذ من قِبل المقاول وضعف المراقبة من الجهات المسؤولة. كذلك أعمال الصيانة، ما إنْ ينتهي عُمال المقاول من ترميم جزء من الطريق وينتقلون إلى الطرف الآخر إلا وتلاحظ حدوث خلل في الجزء الأول ولم يمض إلا وقت يسير على الانتهاء منه. نحن نعلم أن مواصفات رصف الطرق عندنا تُماثل أرقى المستويات في العالم، وكذلك مواصفات أعمال الصيانة. فإذًا أين الخلل إذا لم يكن له علاقة مُباشرة بطريقة التنفيذ؟ ونحن لا نملك من الحقائق والمعلومات ما يسمح لنا باتهام جهة بعينها بالتقصير والإهمال، ولكن لا بأس من أن نُشير إلى وجود خلل ما أدَّى إلى تدنِّي مستوى التنفيذ. وليس من المُستبعَد أن يكون للشاحنات الكبيرة دور في تدهور حالة الطرق العامة وتدميرها، وهي التي تتحرك فوقها بحرية كاملة وتحمل أثقالاً أكثر من المسموح به حسب مواصفات تصميم الطريق. وهذه لها ما يُناسبها من الحلول، سواء كان طريقها يمرُّ بمحطات الوزن أم أنها تعبُر مسارات أخرى، فالمهم أنْ يُطبق على المخالفين عقوبات صارمة تكون عبرة للآخرين. ويجب ألا نسمح لضعاف النفوس مهما كان شأنهم بأن تكون مكاسبهم على حساب سلامة المواطن وراحته. 
أما حالة شوارعنا داخل المدن، وما تتميز به من كثرة الحُفر والمطبات وكل ما يُسبب وجع الرأس و''قربعة'' المركبات وتجمُّع مياه الأمطار في وسطها وفي أركانها، حتى في المدن الساحلية التي تقع على حافة البحر، فهي دون أدنى شك تعكس مظاهر الغش وعدم الإتقان في العمل وقبول المسؤولين بأقل من الحد الأدنى من مُواصفات المشاريع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي