اللامبالاة بالوقت بين الجهل والفساد
كثرت مفاهيم الوقت، فالوقت هو الحياة، والوقت كالسيف الذي إن لم تقطعه قطعك، والوقت مورد مهم، والوقت سلاح، وأخيرا الوقت هو الوقت ليس إلا، كثرت أيضا المؤلفات التي تعرفنا كيف نتعامل مع الوقت فضلا عن الدورات التي تهدف لإكسابنا مهارات التعامل مع الوقت، وطرحت تقنيات إلكترونية متقدمة جدا لتوفير الوقت واستثماره الاستثمار الأمثل، ورغم كل ذلك لا يزال الكثير من المسؤولين والموظفين وأفراد المجتمع لا يرى في الوقت إلا حلالا للمشكلات وكشف المستور، فالعجلة من الشيطان، مستندا في ذلك إلى خزعبلات وقصص استثنائية وموروث سمات مراحله الفشل والتخلف. نعم فرغم أن الوقت مورد حاسم في تحقيق الأهداف الشخصية والمؤسساتية ورغم أن الخطط ما هي في المحصلة إلا أهداف يجب أن تحقق بموارد متاحة في وقت محدد إلا أننا نعمل بالتراخي دون جداول زمنية محددة يحاسب من يتجاوز مددها المقررة مهما كانت أعذاره وادعاءاته، والمحاسبة هنا لا نقصد بها إيقاع العقوبات فقط بل نقصد بها أيضا تحديد الأسباب ومعالجتها بأسرع وقت ممكن وإن لم يكن فترك المسؤولية لمن هو أكفأ حل لا بد منه. القاعدة الرئيسة والمسلمة التي لا يختلف عليها اثنان رزقهما الله العقل والبصيرة أن الوقت لا يحل مشكلة بل يفاقمها وإن كان هناك بعض الاستثناءات النادرة وإذا كان هناك مسؤول يصر على عكس ذلك فأرجوه ألا يذهب إلى طبيب إذا أصيب بالسكر أو الضغط أو ارتفاع الكولسترول أو جرح بجرح نازف ذلك أن الوقت كفيل بعلاجه كما يدعي ولن تتفاقم حالته إلى ما هو أسوأ. منذ أحداث 11 من أيلول (سبتمبر) ونحن نمر بمرحلة تحليلية وتشخيصية لواقعنا في جميع مناحيه وبكل وضوح وشفافية وبتشجيع من قيادتنا الرشيدة التي أطلقت برامج تطويرية وإصلاحية بناء على ما تم التوصل إليه من تشخيص لواقعنا وبناء على التوصيات التي صدرت لمعالجتها إلا أن معظمها يعاني من التأخير غير المبرر.
من هذه البرامج على سبيل المثال لا الحصر برنامج تطوير مرفق القضاء وبرنامج تطوير مرفق التعليم وبرامج خصخصة الأسواق مثل سوق النقل الجوي وسوق الطاقة والماء، وبرامج لتوسيع فرص الوظائف النسائية لتخفيض نسب البطالة النسائية واستيعاب القادمات الجدد لسوق العمل واللواتي لا يقللن عددا عن المقبلين من الرجال لسوق العمل الذين يعانون أيضا من ندرة الفرص الوظيفية، وبرنامج التعاملات الحكومية الإلكترونية. هذه البرامج تعاني مجتمعة من تأخير في التنفيذ رغم توافر الموارد كافة ورغم دعم وتشجيع حكومة خادم الحرمين الشريفين للمسؤولين للتعجيل في تنفيذها لأسباب غير مقنعة، وهي أسباب تنحصر في سببين لا ثالث لهما مهما قدم الفاشلون من أعذار عن عدم تحقيقها وهما إما الجهل وإما الفساد. وأقصد بالجهل هنا الجهل بمهارات تحقيق الأهداف في الأوقات المستهدفة في ظل العوائق القائمة وعدم اتخاذها كمبررات للتأخير، نعم فالمسؤول الناجح هو المسؤول الذي يحقق الأهداف في الأوقات المستهدفة في ظل الواقع المعاش لا في ظل الواقع المثالي الافتراضي، وذلك بالاستفادة من أفضل نظريات الإدارة التي تمكن المدير من استثمار جميع الإمكانات والجهود وتوجيهها نحو تحقيق الهدف في الوقت المحدد.
أما الفساد فهو الإداري، حيث ينزوي المسؤول بعيدا عن الأضواء وينام على الجهاز المسؤول عنه ويقتله حتى لا يسأل إذا أخفق، بل إن حال بعض المسؤولين أسوأ من ذلك إذ إنه يقوم بتصفية كل من لديه همة من مرؤوسيه ويريد أن يعمل وينهض بمهامه على أكمل وجه، والفساد المالي أيضا، حيث الرغبة في تعويم المواضيع بالشكل الذي لا يمكن أحدا من أجهزة المراقبة المساءلة من ضبط التبديد والسرقات والرشا، ومن المضحك حقا أن كثيرا من النقاد لا يوجهون سهام نقدهم إلا للمسؤولين العاملين ويضنون بها على المسؤولين الذين يغطون في سبات عميق.
أعتقد جازما أنه حان الوقت لمطالبة كل مسؤول خصوصا القائمين على البرامج التطويرية المعلنة والمهمة والحيوية لمستقبل بلادنا بتحديد جدول زمني لتحقيق الأهداف المنوطة بجهازه وإعلان ذلك على الجميع بما في ذلك أفراد المجتمع ومساءلته مرحليا عن مدى التقدم في تحقيق هذه الأهداف وإذا بدأ في إطلاق الأعذار تتم محاسبته، ذلك أن الوقت مورد مهم لا يمكن لنا الاستمرارية في تبديده بما يؤدي لإضعاف جميع مواردنا الأخرى خصوصا المالية منها التي حسبما أرى أنها أقل من مستوى الكفاءة الإنتاجية المثلى بكثير.
والسؤال الذي يدور في رأسي كما يدور في رأس كل مهتم بتنفيذ خطط التنمية في بلادنا في الأوقات المثلى: كيف لنا أن نفعل دور وزارة الاقتصاد والتخطيط لتلعب دورها المنتظر في متابعة تنفيذ خطط الأجهزة الحكومية مرحليا بما يجنبنا ما نحن فيه من هدر للوقت وتأخير لتنفيذ خطط التنمية كما هو مستهدف رغم توافر جميع متطلبات نجاح هذه الخطط؟ آمل أن نسمع الجواب من هذه الوزارة التي أقل ما يقال في حقها إنها وزارة غير نشطة في زمن النشاط فيه أصبح مطلبا ضروريا بل ملحا.