تجربة التنمية المستدامة في سوق الأسهم وغيرها

aإن أهم الإشكاليات التي نواجهها كمتابعين للاقتصاد السعودي وعلى وجه التحديد سوق الأسهم السعودية، هي إيجاد رابط واضح بين الاقتصاد وهذه السوق، حتى تكون القراءة للسوق واضحة ومنطقية. وقد قلنا في السابق وفي أكثر من مناسبة إن هذه الفجوة مضرة بالاقتصاد في الدرجة الأولى، حيث إن ما يجري على أرض الواقع من تغيرات في الاقتصاد السعودي هي تطورات جوهرية وذات بعد وطني واستراتيجي، لكنها تفتقد الربط والترابط فيما بينها، ومع سوق الأوراق المالية عموما التي تعد مرآة وكذلك رافداً للاقتصاد والشركات التي تعمل فيه ولديها مشاريعها الضخمة والتنموية. وهنا أعني بكلمة ربط التنسيق في القرارات بكلمة ترابط أنها تصب في تحقيق هدف واحد أو أهداف مشتركة وهي تحقيق التنمية المستدامة، وهو ما يعني بالضرورة الإجابة عن عدد من الأسئلة: مثل ''لماذا ننمي؟ لمن ننمي؟ ماذا ننمي؟ وكيف ننمي؟'' إذاً، السؤال اليوم هل سوق الأسهم لدينا وتجربتها على مدار أكثر من 25 عاماً تعكس جوهر الاقتصاد السعودي وتركيبته؟ ليس فقط حركة السوق اليومية ولكن تركيبة السوق ككل وما تحقق من وجود هذه السوق! في ظني أن الإجابة حتى اليوم لا، ولا كبيرة جداً. وحتى نؤكد ذلك لن أضيف جديدا اليوم، ولكن في دراسة بحثية مبسطة نشرتها جريدة ''الرياض'' مشكورة لشخصي الضعيف يوم الأربعاء 28 شوال 1426هـ - 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 2005م - العدد 13673، تحت عنوان ''22 تحدياً تواجه الاقتصاد السعودي.. قلت: ''لا تنقصنا القرارات ولا التشريعات، بل التنفيذ وآليات الإشراف وديناميكية الحركة''، أوضحت فيها أن هناك عددا كبيرا من التحديات التي تواجه الاقتصاد السعودي والتي إن لم يتم التعامل معها فإنها ستتحول مع الوقت إلى مشكلة مؤرقة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، ولكنها الآن بقدر ما هي تحديات فإنه يمكن أن ينظر إليها على أنها فرص يمكن استغلالها، أما تلك التحديات التي تحولت مع الوقت اليوم إلى مشكلات، فإني أود سردها كعناوين فقط بهدف إعادة تأكيد الفكرة والهدف، مع تعليق بسيط بعد كل فكرة وذلك بعد مرور خمسة أعوام على الدراسة وتاريخ نشرها:
1. المحافظة على مستويات دخل عام متوازنة والحد من التذبذبات.. كانت شبه متوازنة واليوم طاح الفأس بالرأس!
2. إكمال البنية التحتية والأنظمة والتشريعات.. حدث الاختناق اليوم في كل شبر!
3. الشفافية والإفصاح العام والخاص.. لا تزال هناك انتقائية ومزاجية في تطبيقاتها!
4. السيولة وفقدان القنوات الاستثمارية.. قروشنا تذهب للخارج ونبحث أموال المستثمر الأجنبي!
5. تمويل الأعمال ومستقبل صناديق التمويل الحكومية.. حوار الطرشان مع رجال الأعمال!
6. البيروقراطية الراسخة في القطاعين العام والخاص.. تم وضع المكياج على الوجوه!
7. الحماية المفرطة للقطاع الخاص.. في طريقة للضياع بسبب فكره الطفولي رغم البلوغ!
8. التنسيق بين الجهات المعنية العامة والخاصة.. ما زالوا يبحثون عن الثقة ولم يجدوها، وتم تبلغ الإنتربول الدولي بذلك!
9. إنتاجية الإنسان السعودي وزرع روح المبادرة وإتقان العمل.. يريد وظيفة فقط ولا تكثر الهرج عليه حتى لا يزعل!
10. التآكل المستمر للطبقة الوسطى وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.. كانت هناك طبقات وسطى اندثرت تحت طبقات عليا جديدة!
11. مدى جاهزية القطاعات الخاصة للمنافسة الخارجية... عسى بس يبقى عايش في الداخل ولا يموت قبل وقت موته.
12. سيطرة ثقافة الربح السريع والسهل على معظم شرائح المجتمع.. الأنا، ثم الأنا ثم الأنا!
13. عدم وجود آلية واضحة ومستمرة لنقل المعرفة من التجارب الدولية.. لا خوف مع وجود هيئة الاستثمار وجامعة الملك سعود اليوم، فسوف تأتي بالمعروف وغير المعروف!
14. آلية واضحة لدعم وتأهيل القيادات الشابة من الجنسين في القطاعين العام والخاص.. هو في شيء يمكن قيادته حتى نكون في حاجة إلى قادة!!
15. مدى جاهزية الأجهزة الرقابية والإشرافية وتوافر الكفاءات البشرية.. الأرجل صناعية ولا تصلح للمشي السريع في هذا العصر!
16. استقلالية الرؤية الاقتصادية والاستراتيجية عن الجهات التنفيذية.. قصة الأطفال المعروفة ''الحاكم والجلاد''!
17. الإدارة الوسطى عائق أمام تنفيذ القرارات العليا.. سد مردوم بسمك عميق جداً!!
18. التفاوت الواضح بين التطورات الاقتصادية ومستويات التغطية الإعلامية المهنية.. إعلامنا وخصوصيتنا!!
19. الثقافة العامة وطبقية التفكير.. في حاجة إلى 100 مليار ريال لرفعها حسب دراسات الجدوى!!
20. عدم التركيز على القيمة المضافة في الصناعات.. مع ''سابك'' دع القلق وابدأ الحياة!
21. التعليم ومخرجاته العام منه والخاص، العالي والتقني وكذلك التدريب كيفا وليس كما فقط.. لا نزال في مراحل التجربة والخطأ، وكلها كم جيل وتصبح الأمور تمام!
22. تداعيات استمرار سوق الأسهم كسوق مضاربة على الأعمال المتوسطة والصغيرة.. المستفيد الخزانة العامة من بعض بخشيش من استطعنا الحكم عليهم، ومن لم يستطع فعليه بالصيام فإنه له وجاء!
وبقراءة تلك التحديات يتضح أن الإصلاح الاقتصادي إن لم يأت بشكل متناسق فلا يمكن أن ينجح أحد. ففكر أنا ومن بعدي الطوفان، فكر قاتل ومدمر جداً. لأن المكافأة تأتي ويشعر بها المجتمع. الفوز الفردي أو لفئة محددة على حساب مجتمع كامل هو فوز وقتي وأناني، وفيه سحق لطبقات باتت كالسراب، يحسبه الظمآن ماءً!!
والتنمية المستدامة وعدم إعادة تجربة سوق الأسهم وغيرها من التجارب المرة هي السبيل الوحيدة لتحقيق الأهداف التي تتضمن أبسط عناصرها ضرورة الإجابة عن التساؤلات مثل لمن ننمي؟ لماذا ننمي؟ ماذا ننمي؟ وكيف ننمي؟ وتجارب عديد من الدول التي ركزت على التنمية الاقتصادية بمفهوم الشركات الكبيرة والعابرة للقارات ونسيت أو تناست المواطن، ثبت فشلها، حيث وصلوا في النهاية أنه لا يوجد وطن ولا مواطن! هشاشة في التفكير، وهشاشة في التعمير! والناتج، اقتصاد هش! وبالتالي إذا ما حاولنا تنمية جانب وترك جوانب أخرى، فإما أن تصبح لدينا اقتصاديات تديرها الشركات العابرة للقارات التي لا رحمة في قلوبها، أو اقتصاد رعوي ينتهي بانتهاء مصدر الثروة. والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي