لماذا تذهب أموالنا الخاصة إلى الخزينة العامة؟
بعد أن شرعت على «استحياء» في تتبع المخالفين للوائح وأنظمة السوق المالية خلال عام 2009، ونشرت مبدأ العدالة والشفافية بين جمهور المتداولين في سوق الأسهم السعودية عبر آليتين، الأولى فرض الغرامات على المتداولين المخالفين للوائح، والثانية استرداد ما تحقق من مكاسب دون وجه، التي لم تتجاوز مع نهاية العام الماضي 39 مليون ريال، سخنت هيئة السوق المالية مع مطلع العام الجاري من «صوتها العقابي»، باستعادة مبلغ قياسي بلغ 273 مليون ريال من ستة متعاملين، كما تسميهم الهيئة، أو ستة «هوامير»، كما يسميهم صغارالمستثمرين.
هذا التسريع في تحقيق الشفافية والعدالة اصطدم من وجهة نظري بمفاجأة من العيار الثقيل أو سوء فهم من الطراز العالي..المفاجأة هي ما ذهبت إليه أمانة لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية وفق تصريح خصت به «الاقتصادية» قبل أيام، أكدت من خلاله وبصورة قطعية أن كل الأموال المستحقة لهيئة السوق المالية على الغير بما فيها تلك المسترجعة من المتلاعبين، هي أموال عامة يجب إيداعها في خزينة الدولة، ومن ثم تأكيدها أيضا أن النظام كفل أحقية كل متعامل في سوق الأسهم ثبت تضرره من التداول على سهم معين بفعل تضليل متلاعب آخر باستعادة أمواله.
وهنا خلل أو تناقض يجب تداركه.. إذ كيف يعقل أن تكون تلك الأموال التي يتوقع أن تنمو وتصل إلى مليارات الريال إذا استمرت الهيئة على وتيرتها في الضرب بيد من حديد على كل مخالف للوائح وأنظمة الهيئة.. أموالا عامة؟ فالمعلوم أن المتلاعب استفاد من تلاعبه في جمع هذه الأموال من حصص متعاملين آخرين في السوق وفي الغالب هم صغار المستثمرين.. مايعني أنها أموال خاصة وليست عامة.. ثم كيف ستقوم الهيئة بتعويض من أثبت تضرره من متلاعب؟.. إن كان ذلك من ميزانية الهيئة فهي مصيبة، وإن كان من خزينة الدولة فتلك مصيبة أكبر.. وإن كان من المتلاعب فنحن أمام معضلة قانونية أخرى.. إذ إن المتلاعب أعاد ما حققه من مكاسب للهيئة إلى جانب الغرامة.
وعند هذه النقطة أود التأكيد أن هذا المبلغ ومبالغ أخرى كثيرة تستعيدها الهيئة وتعتزم استعادتها من المخالفين الذين لا تنتهي مخالفاتهم ما دامت السوق باقية، هي منطقيا جزء من حقوق العشرات إن لم يكن المئات من صغار المتداولين، الذين تضرروا من استفادة هذا المتداول من «معلومة خاصة»، أو تضليله الجمهور بالتعاون مع آخرين عبر التداول على سهم ما بقصد التضليل، ومن هنا فإن الأولى ووفق القوانين الشرعية والدولية «الحقوقية»، إن تعاد تلك الحقوق لأصحابها.. وأن تبقى تلك الأموال ضمن إدارة الهيئة لإعادتها للمتضررين.