«الفشل الاقتصادي» يندلع في أوروبا.. و«اليورو» في مأزق
تتعرض منطقة الوحدة النقدية والاقتصادية الأوروبية لأعتى أزمة لها على الإطلاق، منذ طرح العملة الأوروبية الواحدة قبل عشرة أعوام. وتواجه القيادة الأوروبية الجماعية الجديدة التي استحدثتها اتفاقية لشبونة للوحدة الأوروبية أدق اختبار لها منذ بداية سريان الاتفاقية في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، والتي كان الهدف من ورائها تمكين الاتحاد الأوروبي من أدوات أفضل للتأثير في شؤونه الداخلية وفي عدد من الملفات الدولية.
ويسود مناخ من التوتر الفعلي داخل المؤسسات الاتحادية في بروكسل، وفي مقر المصرف المركزي في فرانكفورت، بسبب التداعيات الوخيمة المحدقة بمنطقة اليورو هذه الأيام وتصعيد المضاربين في أسواق المال من ضغوطهم على أصحاب القرار الأوروبي لاختبار ردة أفعالهم تجاه متاعب اليونان المتنامية في مجال إدارة شؤونها المالية، ومخاوف من انضمام البرتغال وإسبانيا تحديدا للركب اليوناني المضطرب.
في مايلي مزيد من التفاصيل:
تتعرض منطقة الوحدة النقدية والاقتصادية الأوروبية لأعتى أزمة لها على الإطلاق، منذ طرح العملة الأوروبية الواحدة قبل عشرة أعوام. وتواجه القيادة الأوروبية الجماعية الجديدة التي استحدثتها اتفاقية لشبونة للوحدة الأوروبية أدق اختبار لها منذ بداية سريان الاتفاقية في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، والتي كان الهدف من ورائها تمكين الاتحاد الأوروبي من أدوات أفضل للتأثير في شؤونه الداخلية وعلى عدد من الملفات الدولية.
ويسود مناخ من التوتر الفعلي داخل المؤسسات الاتحادية في بروكسل وفي مقر المصرف المركزي في فرانكفورت، بسبب التداعيات الوخيمة المحدقة بمنطقة اليورو هذه الأيام وتصعيد المضاربين في أسواق المال من ضغوطهم على أصحاب القرار الأوروبي لاختبار ردة أفعالهم تجاه متاعب اليونان المتنامية في مجال إدارة شؤونها المالية، ومخاوف من انضمام البرتغال وإسبانيا تحديدا للركب اليوناني المضطرب.
وقال تقرير بثته وكالة الأنباء السعودية أمس إن القلق الأوروبي بالدرجة الأولى يعود إلى أن الأزمة المالية والنقدية الحالية تأتي في وقت كان فيه الأوروبيون يخططون لإرساء تحرك اقتصادي شامل، يساعدهم على تحديد استراتيجية مشتركة للخروج من الأزمة التي واجهتها اقتصاديات الدول الصناعية في نهاية عام 2008 وطوال العام الماضي.
كما أن الأزمة الحالية تزامنت مع ظهور ملامح خلافات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في عدد من الملفات الثنائية، حيث يسود الاعتقاد بأن واشنطن ربما تعمل بشكل أو بآخر على تهميش التحركات الأوروبية الجديدة. لكن العنصر الحيوي في المعادلة الأوروبية الحالية يكمن في مخاطر تفشي الأزمة اليونانية إلى دول أخرى، وخاصة البرتغال وإسبانيا وبدرجة أقلّ أيرلندا وإيطاليا، مما سيجعل منطقة اليورو أمام وضعية غير مسبوقة وقد تكون بمثابة بداية تفككّها الفعلي, وتوجّه الدوائر الأوروبية اتهامات مباشرة للمضاربين وبعض المصارف ووكالات الاقتراض وخاصة الأمريكية بأنها تغذي الأزمة الحالية بحثا عن الكسب أولا ولإلحاق أكبر قدر من الضرر بمنطقة اليورو والعملة الأوروبية التي تراجعت بواقع 5 في المائة خلال شهرين فقط. لكن الاتحاد الأوروبي وعلى الصعيد الرسمي يتجنب توجيه أي تهم مباشرة لجهات خارجية محددة رغم انتقاداته للمضاربين ويعمل حاليا على لمّ صفوفه لمواجهة العاصفة والحدّ من تداعياتها على المدى المتوسط والبعيد.
وتصاعدت الدعوات داخل أوروبا وخارجها لتمكين صندوق النقد الدولي من إدارة الأزمة اليونانية ،وهو ما رفضه المسؤولون الأوروبيون حتى الآن لكونه يمثل أول انتهاك دولي مفتوح لحرمة منطقة اليورو ويؤكد عمليا انعدام نفوذ المصرف المركزي الأوروبي والذي جعل منه المسؤولون الأوروبيون ومن خلال اتفاقية ماستريخت عام 1992 حارس المكتسبات النقدية والاقتصادية المشتركة.
وبنى الاتحاد الأوروبي عقيدته الاندماجية حتى الآن على ثلاث ركائز جوهرية يعتبرها رمزا لنجاحه كمشروع اتحادي سلمي يضم تكتلا من الأمم وهو انتهاجه أولا خطا دبلوماسيا هادئا على الصعيد الدولي مبني على مبدأ إدارة الأزمات، وثانيا تنفيذه خطة التمدد شرقا و طي صفحة الجدار الحديدي، وثالثا وأخيرا إرساء العملة الأوروبية الموحدة كخيار نقدي واقتصادي لغالبية دوله.
ويرى المراقبون أن المضاربين وأسوق المال وخصوم اليورو والمشككين في أطروحات الاندماج الأوروبية يريدون التأكيد عمليا على أن الأسس التي قامت عليها منطقة اليورو منذ عشرة سنوات والتي تضم حاليا 16 دولة هي أسس هشة ولا تصمد أمام أزمة هيكلية مثل التي تعصف باليونان وتهددّ دولا أخرى حاليا. وحددت اتفاقية ماستريخت للمصرف المركزي الأوروبي صلاحيات واضحة لا تتجاوز التحكم في التضخم والتحكم في الأسعار، وأوكلت للمفوضية مهام مراقبة العجز العام و أحجام المديونية.
غير أن مناهضي هذا التوجه يدعون حاليا إلى أن تتحول الإدارة الاقتصادية لليورو إلى إدارة تشمل حفز النمو، أي إقامة حكومة اقتصادية أوروبية لا تأبه بضوابط الاندماج النقدي وصلابة اليورو بقدر ما تركز على التوفيق بين عملية النمو الاقتصادي و حفز سوق العمل واكتساح الأسواق الخارجية.
وتستوجب هذه الاستراتيجية مزيدا من الليونة في السوق الداخلية الأوروبية ووضع حد للمنافسة بين المؤسسات الأوروبية وتوحيد الإجراءات الضريبية وطرح مشاريع استثمارية مشتركة على مستوى منطقة اليورو أي تخلي الدول الأعضاء عن مجالات محددة من سيادتها الوطنية وخاصة بشأن الشق الخاص بالحماية الاجتماعية والتعامل مع سوق العمل . وترفض ألمانيا لدوافع تتعلق بحماية مكانتها كدولة رائدة في مجال حماية اليورو هذا الطرح.
لكن المستشارة الألمانية أنجيلا ماركيل لوحت وأمام تصاعد الضغوط عليها وللمرة الأولى يوم الخميس الماضي بأنه بات من الضروري التفكير في تنسيق أفضل في مجال السياسات الاقتصادية للدول الأوروبية. وتبدو غالبية الدول الأوروبية ورغم دعوات التنسيق المتصاعدة غير قادرة على التخلي عن المزايا في مجال الضريبية لمؤسساتها لأنه سيحدّ من قدرتها التنافسية على الصعيدين الأوروبي والدولي.
أما بشأن طرح مشاريع استثمارية ضخمة مشتركة فإن القدرات المالية للاتحاد الأوروبي تظل غير كافية بسبب الضوابط الصارمة في مجال التحكم في موازنين المدفوعات والهامش الضيق في مجال الاقتراض العام، وأن أي خطط يجب أن تعتمد على عمليات اقتراض واسعة ومفتوحة ويمكن لأطراف خارجية مثل صندوق النقد الدولي أو الصين أو الدول ذات الصناديق السيادية مثل الولايات المتحدة أو دول أخرى أن تتدخل فيها. ويقول خبراء الاقتصاد والنقد أن الأزمة الحالية هي اختبار دقيق لقدرة الدول الأوروبية مجتمعة على أن تتجنب أهم معضلة قد تواجهها في الفترة القليلة المقبلة أي أن تتحول بؤرة الأزمة الاقتصادية العالمية التي واكبت أزمة المصارف في نهاية 2008 من الولايات المتحدة وتنتقل إلى أزمة اقتصادية ذات تشعبات سياسية في أوروبا.
وأمام هذه الإشكالية المحددة يعقد قادة الاتحاد الأوروبي لقاء على مستوى القمة وبشكل استثنائي في بروكسل يوم الخميس المقبل ولم تتضح بعد كافة ملامح الأجندة المفصلة التي ستناقشها.
ودعا الرئيس الأوروبي هرمن فان رومباي لهذه القمة قبل أن تتفاعل الأزمة اليونانية الحالية وتهدد دولا أخرى.
ولن تعقد القمة في مقر المجلس الوزاري الأوروبي كما جرت العادة ولكن داخل إحدى المكتبات العتيقة في بروكسل وبعيدا عن أنظار وسائل الإعلام هذه المرة حيث لم يسمح لرؤساء الحكومات وبمخاطبة الصحافيين إلا بعد انتهاء اللقاءات الرسمية. ويرجح أن الدول الأوروبية ستعكف على دراسة مخطط يجنب اليونان الركون إلى صندوق النقد الدولي بالدرجة الأولى.
ويبدو الهامش الأوروبي أكثر من ضيق حسب المحللين لأن أي دعم مباشر لليونان ستعدّه أسواق المال والمضاربين بمثابة رسالة إلى إسبانيا والبرتغال بأنه بإمكانهما الاعتماد على الأموال الأوروبية لسد العجز الذي يواجهها.. وفي حالة امتناع الأوروبيين عن تقديم دعم فوري حاسم للحكومة اليونانية والاكتفاء باعتماد برنامج الإصلاح الهيكلي اليوناني فإن ردة فعل الأسواق ستكون سلبية لأنها ستكشف حدود التنسيق داخل منطقة اليورو عند ظهور أزمة حادة وعميقة.
و قد أضاف رئيس صندوق النقد الدولي دومنيك ستروس خاهن، مزيدا من الغموض على هذه الوضعية الشائكة عندما أعلن نهار الجمعة أن الصندوق مستعد لتقديم دعم مباشر لليونان مما يضع منطقة اليورو تحت ضغط جديد.
ويبدو أن مسؤول صندوق النقد الدولي، وعبر هذا التدخل، أراد أن يوجه رسالة للقادة الأوروبيين مفادها أن قبولهم حتى الآن بضخ مليارات من اليورو في شكل اعتمادات قروض، وعبر وسطاء من المضاربين تحديدا، للدول التي تعاني من عجز في موازنتها أو في ديونها يظل أولا غير كاف، وثانيا يؤكد الفوارق الهيكلية المزمنة في سياسات الاقتراض بين دول الشمال الأوروبي ودول الجنوب الأوروبي المنتمية لمنطقة اليورو.
وردّّ جان كلود تريشي رئيس المصرف المركزي الأوروبي في فرانكفورت بتهكّم على هذه الاتهامات، وقال إن حجم مديونية مجمل منطقة اليورو لا يتجاوز خلال عام 2010، الـ 6 في المائة من صافي داخل العام مقارنة مع 10 في المائة بالنسبة للولايات المتحدة واليابان وأن اليونان لا تمثل وضمن هذه المعادلة البديهية سوى أقل من 3 في المائة من مجمل الدخل الصافي لمنطقة اليورو. لكن أسواق المال لا تتابع برامج الإصلاحات المعلنة من الدول المعنية بالأزمة ولكنها تركّز على قدرة هذه الدول على سداد ديونها من جهة ومعرفة ردة اتحادات العمل بشان أي خطط تقشفية صارمة قد تضرب النسيج الاجتماعي من جهة أخرى.
وحددت المفوضية الأوروبية هامشا زمنيا ضيقا في الواقع للدول التي تواجه متاعب في موازناتها العامة أو في حجم مديونيتها. وتفاقم الوضع الأوروبي في الواقع منذ أن كشفت هيئة (يوروستات) للإحصاء الأوروبية أن اليونان قامت ومنذ تشرين الأول (أكتوبر) 2009 بتزييف حساباتها العامة. وتعتبر الأسواق هذه الخطوة بمثابة الضربة التي نسفت مصداقية ضوابط اليورو وسيكون من الصعب ورغم ما يردده الأوروبيون إعادة الثقة للمتعاملين بسهولة.
وتقول المفوضية الأوروبية في بروكسل إنها تريد تسجيل نتائج فعلية خلال عام 2010 وعودة تامة للتوازن عام 2013 وهي مهلة زمنية محدودة بسبب ضخامة متاعب منطقة اليورو حاليا. ويمكن للاتحاد الأوروبي حاليا الحفاظ على هذه الاستراتيجية والتلويح بوجود التزامات فعلية من قبل الدول المهددة بأن تؤمن توازنا حقيقيا وفي الموعد المحدد.
ويتسبب هذا التوجه في إنقاذ مؤقت لمنطقة الوحدة النقدية الأوروبية لكنه سيتسبب أيضا في إحداث صرامة فعلية في عملية جرّ دول أخرى لاعتماد اليورو أي الدول الشرقية ودول البلطيق.. كما أن إخفاق أية دولة.. وبما فيها الدول الأكثر ثراء مثل فرنسا في التحكم في العجز العام وفي حجم المديونية عام 2013 سيعيد الأزمة الى نقطة الصفر..وقد ركنت الدول الشرقية في الواقع إلى خدمات صندوق النقد الدولي وقبل التفكير في اعتماد اليورو.
وفرض الصندوق تدابير ضريبية قائمة حاليا بشكل صارم في رومانيا ولاتفيا والمجر والمجبرة على سداد ديون متراكمة لصندوق النقد الدولي وعلى حساب البحث عن تأهيلها لمنطقة اليورو. وقالت ميرندا أكسفا نائبة رئيس صندوق النقد الدولي إن التجربة الحالية تؤكد أن على الاتحاد الأوروبي أن يقرّ بأنه لا يمتلك الأدوات العملية الضرورية لإدارة أزمة بحجم الأزمة اليونانية، وأن صندوق النقد الدولي هو الجهة المخولة بذلك. ويحاول قادة الاتحاد الأوروبي مقاومة ضغوط صندوق النقد الدولي وضغوط المضاربين في أسواق المال في الوقت نفسه.
ويمتنع المسؤولون الاتحاديون في بروكسل عن تكبيل المصرف المركزي في فرانكفورت وعن انتقاد معايير الاندماج النقي أو توجيه تهم محددة للقادة اليونانيين أو غيرهم بالتسيب. ويخشى خبراء المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية والنقدية الفنلندي أولي رين الذي عين أخيرا في هذا المنصب من أن يضعف التطور المتباين للاقتصاد داخل الدول الأعضاء باتحاد العملة الموحدة من قوة اليورو ويهدد تماسك هذا الاتحاد. ولكن أكثر ما يسبب القلق للمسؤولين الأوروبيين في بروكسل هو الحالة المالية والاقتصادية في الدول التي تراكمت ديونها بشكل هائل في الماضي وأصبحت موازناتها تعاني عجزا شديدا لأنها اعتمدت على مدى عدة سنوات على الديون في سد عجز في الموازنة وذلك بسبب انخفاض الفائدة على الديون.
وإن كانت إمكانية خروج اليونان من منطقة اليورو تبدو مستبعدة وغير واقعية إطلاقا سواء على الصعيد الاقتصادي أو على الصعيد السياسي إلا أن السؤال لا يزال مطروحا عما إذا كان الاتحاد النقدي سيتخطى الأزمة، وثانيا كيف يمكن تجنب ألا تتسبب الأزمة التي تعصف بميزانيات الدول الأوروبية بسنوات من التخفيضات الكبيرة في النفقات العامة أي بسنوات من التقشف وانعدام الاستقرار الاجتماعي؟ وهو التحدي الرئيس الذي يواجه قمة بروكسل الخميس المقبل.