رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


مجلس الشورى ومشكلة البطالة

مجلس الشورى عندما يدرس ويصوت على تخصيص بدل البطالة أو بدل إعانة المعطلين عن العمل، يعني الاعتراف بأن هناك مشكلة اجتماعية اقتصادية وعمالية لم تدرس بشكل صحيح. وهل سوف تجدي سياسة الإعانات، دعونا ننظر هل فعلا مجلس الشورى درس مشكلة البطالة في السعودية ومسبباتها الحقيقية وليست النظرية.
من المشاهدة العامة أعتقد أنه لا توجد بطالة بمعناها الحقيقي مرتبطة بمعدلات النمو الاقتصادي الوطني، بل توجد بطالة مزيفة ومفتعلة.
إن التحليل النظري أو الدراسات النظرية لمشكلة البطالة سوف تفقد أهميتها إذا لم تأخذ بعين الاعتبار العلاقات السببية في الواقع محل الدراسة. وكذلك يجب أن نقتنع أن السياسات الاقتصادية هدفها زيادة معدلات النمو الاقتصادي في غالب الأحيان وليس إلى تخفيض معدلات البطالة. ولأن السياسات تطبق لزيادة معدلات النمو وليس لتخفيض معدلات البطالة، وكذلك لأن أغلب الدراسات الاقتصادية تأخذ معدلات البطالة كمتغيرات خارجية.
من الناحية القياسية الاقتصادية، تؤكد عديد من الدراسات أن هناك علاقة سببية بين معدلات النمو الاقتصادي ومعدلات البطالة السائدة في الاقتصاد كناتج عن السياسات الاقتصادية المطبقة.
وببساطة علاقة النمو الاقتصادي والبطالة هي إذا ارتفع معدل النمو في الاقتصاد يؤدي إلى ارتفاع نسبة التشغيل ومن ثم ينتج عنه انخفاض معدل البطالة فمعدلات نمو مرتفعة تدل على حاجة الاقتصاد إلى أيد عاملة إضافية يتم توظيفها من فائض سوق العمل أي العاطلين عن العمل.
هذا من الناحية النظرية لفهم العلاقة بين النمو الاقتصادي وتغير نسبة البطالة، غير أن ما يقلل من قيمة هذا التحليل هو عدم وجود علاقة سببية تناسبية بين معدلات النمو والبطالة، فارتفاع النمو في اقتصاد معين لا يعني بالضرورة انخفاضا في نسبة البطالة.
وهذا ملاحظ في معدل النمو الاقتصادي في السعودية فهو مرتفع وبازدياد ولم يصاحبه استيعاب العاطلين عن العمل وتخفيض معدلات البطالة، ولذلك الربط بين النمو والبطالة يعتبر غير دقيق في واقعنا الاقتصادي في السعودية، فاستخدام سياسات الإنعاش والإعانات لتخفيض معدلات البطالة لن يجدي.
البطالة كمشكلة محل الدراسة لها عدة أبعاد، فهي تعتبر مشكلة اجتماعية لها آثارها السلبية في المجتمع، وهي مشكلة اقتصادية تبين وجود خلل في آلية عمل الاقتصاد، كما تعتبر مشكلة ناتجة عن سياسات وأنظمة العمل ولها تأثير قوي في تركيبة القوى العاملة في البلد.
البطالة كمشكلة في هذه الأبعاد تفرض على مجلس الشورى الموقر اعتماد وسائل تحليل واقعية متعددة لفهم مسبباتها وطبيعتها وآثارها ومن ثم محاولة تحديد آليات العلاج وحل المشكلة.
ولذلك نجد أن عديدا من الدراسات سواء الاجتماعية أو العمالية أو الاقتصادية تحاول فقط فهم الظاهرة من وجهة نظر محددة دون محاولة فهم العلاقات المسببة الواقعية الميدانية والمؤدية إلى وجود ظاهرة البطالة.
ولعل تزايد معدلات البطالة في السعودية يؤكد هذا، فرغم كل السياسات والحلول التي وضعت في الفترات الماضية إلا أنها لم ينتج عنها تخفيض معدلات البطالة.
ورغم كل البرامج والسياسات التي تطبق من أجل تسهيل خلق فرص عمل للعاطلين، إلا أن معدلات البطالة في ازدياد وهذا يؤكد أن الدراسات والسياسات السابقة والموجهة لتخفيض معدلات البطالة لم تنجح، بل إن التوقعات تشير إلى احتمالات الزيادة الكبيرة في معدلات البطالة، وهذا رغم المؤشرات الإيجابية التي تنعم بها بلادنا كارتفاع معدلات النمو، وانخفاض معدلات التضخم، وزيادة معدل الاستثمارات.
لذلك أقترح على مجلس الشورى إعادة الدراسة وبشكل يعكس الواقع المعاش في الميدان وبحث مسببات البطالة الحقيقية فزيارة ميدانية للسوق والتجول فيه من قبل أعضاء المجلس الموقرين «ولو متنكرين»، سوف تعطيهم انطباعا مؤكدا أن حل مشكلة البطالة يبدأ من المحال التجارية الموجودة في الشارع وفي المراكز التجارية الكبيرة وبإعادة دراسة أنظمة العمل وأنظمة الاستقدام ونظام الحوالة البنكية للأجانب.
وهذا يعني إعادة دراسة أنظمة العمل المطبقة ومدى فاعليتها في توطين الوظائف، من حيث ساعات العمل في المحال التجارية والمراكز التجارية فيجب تحديدها لتتناسب مع طبيعة المواطن السعودي الاجتماعية ومتطلباته الشخصية والأسرية «لا يمكن للسعودي أن يعمل 18 ساعة مثل العامل الأجنبي»، ويجب تحديد الفئات العمرية للعمالة الأجنبية التي تشغل تلك المحال فأغلب من يشغلها من العمالة الأجنبية أعمارهم في المتوسط تقل عن 30 سنة ويجب رفعها إلى سن 40 سنة فما فوق، وأيضا دراسة قصر بعض الأنشطة التجارية على المواطنين السعوديين.
كذلك يجب دراسة الفئات العمرية التي يسمح باستقدامها للوطن، فيجب ألا يسمح باستقدام من تقل أعمارهم عن ثلاثين وألا تزيد على خمسين سنة، ويجب تحديد خبرات معينة ومشروطة لاستقدام العمالة الأجنبية حتى يستفيد منها الوطن والمواطن، ويجب أن تقنن فترة محددة لوجود العامل الأجنبي في الوطن كحد أقصى مثلا خمس سنوات وإعطاء فرصة لأجنبي آخر أو إحلال الشاغر بمواطن سعودي، ودراسة تنظيم التحويلات البنكية لمرتبات الأجانب بحيث يتم ربطها بعقد الاستقدام مع حساباتهم البنكية في بلدنا مع بلدانهم. هذا غير الأنظمة الكثيرة المطبقة التي يجب إعادة دراستها لتفعيل توطين الوظائف وحل مشكلة البطالة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي