رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


معظم ثرواتنا الشخصية لا تخدم اقتصاد بلادنا

يستخدم كثير من أغنياء العالم ثرواتهم التي اكتسبوها من دخل وإنتاج اقتصاد بلادهم فيما يعود على مواطنيهم بالخير والرخاء، وذلك عن طريق استثمار رؤوس أموالهم في إنشاء مرافق خدمية وصناعية في وسط مجتمعاتهم التي تربُّوا بين أحضانها، وهذا أقل ما يمكن أن يُقدموه لشعوبهم، اعترافاً منهم بفضل بلدهم عليهم. وهناك فئة أخرى من أصحاب الأموال الطائلة التي لا يهمها أن يستفيد أبناء وطنهم من ثرواتهم، ولسان حالهم يقول “إنما أوتيته على علم عندي”. وتجدهم يستثمرون أموالهم فيما لا يُفيد مجتمعاتهم، بل ربما في مشاريع خارج بلادهم أو في بنوك أجنبية ومضاربات في الأسهم المحلية والعالمية، وأكبر همهم هو مُضاعفة الدخل بأي وسيلة كانت. ونحن لدينا من الصِّنفين، الكثيرون ممن لا يشعرون بمسؤوليتهم تجاه مواطنيهم واقتصاد بلادهم والقليلون ممن يسعون جاهدين وبإخلاص إلى مشاركة أبناء شعبهم في ثرواتهم عن طريق إنشاء صناعات محلية قوامها الأيدي العاملة الوطنية، بارك الله لهم فيما يملكون. ونحن لدينا معرفة ببعض منْ ينتمون إلى المجموعتين، ولا نعتقد أنه من المناسب في هذا المقام أن نذكر أسماء معينة، فالكل يملك الحرية الكاملة في التصرف في ماله حسبما يروق له ويُمليه عليه ضميره. فتجد نسبة العمالة الوطنية التي تستفيد من ثروة بعض منْ يملكون البلايين لا تتناسب مطلقاً مع مقدار ما يملك لأن المصلحة الوطنية ليست من أولوياته. وثري آخر، ممن يتحلون بالمواطنة الصالحة، يبذل من المجهود ما يُشكر عليه من عناية بتوظيف مواطني بلده، بل ويهيئ لهم سبل التدريب وكسب الخبرة حتى ولو لم يُكملوا خدماتهم في مُؤسسته، جزاهم الله خيراً وكثر من أمثالهم وزادهم من فضله.
وهناك منْ يستغلون موارد البلاد الرخيصة والإعانات الحكومية التي كان يُقصد بها في الدرجة الأولى مساعدة ذوي الدخل المحدود والمعدمين من أبناء الشعب، وذلك من أجل مضاعفة دخلهم عن طريق استقدام الأيدي العاملة الأجنبية وتصدير فائض إنتاج مؤسساتهم إلى الخارج دونما اعتبار للتكلفة الكلية للمنتجات، لو أننا حسبنا القيمة الحقيقية للمواد التي تدخل في عملية التصنيع، سواء المُعان منها أو ما هو دون ثمن. وهؤلاء ينظرون فقط إلى ربحهم ومردود دخلهم على استثمار رؤوس أموالهم. وليس من الضروري أن يكون ذلك عن قصد، بل ربما عن غفلة وعدم إدراك أن معظم أرباحهم تأتي من كون دولتنا الرشيدة تكفلت بإيجاد مناخ مناسب ومريح لتسهيل أمور الاستثمار حتى ولو كان ذلك يُكلف الخزانة العامة مبالغ طائلة. ولكن هذا لا يعفيهم من مسؤوليتهم كمواطنين تجاه المصلحة العامة لبلدهم ولشعبهم، خصوصاً أن الأعمال التجارية وأرباح الاستثمار في بلدنا المعطاء معفاة من فرض الضرائب التي يكاد لا يخلو منها بلد في العالم بدرجات مُتفاوتة. أليس من باب رد الفضل أن يكون من أولويات أولئك المواطنين الذين منَّ الله عليهم بالثراء الفاحش من خيرات بلدهم استثمار قسم كبير من أموالهم فيما يعود على مواطنيهم بالخير، عن طريق إيجاد فرص العمل الشريف في مؤسساتهم العامرة وبرواتب مُجزية حتى لو أدى ذلك في بادئ الأمر إلى الحد من مستوى أرباحهم؟ وكون هذه الخطوة تأتي طوعاً من أصحاب الأعمال أفضل من أن تضطر الحكومة إلى سنِّ قوانين صارمة في هذا المجال من أجل ضمان حقوق جميع أبناء الوطن في العيش بكرامة من خيرات بلادهم، بدلاً من أن يستأثر بالثروة عدد قليل ممن يسَّر الله لهم الحصول على أموال طائلة. إن منْ يُنوِّر الله بصيرته ويهديه إلى الطريق السوي الذي يتمثل في إشراك مواطنيه الأقل حظاًّ في ثروته وهو راضٍ ُمقابل مجهودهم لتنمية ماله ليجد لذة كبيرة من فعله وتنزل البركة - إن شاء الله - في جميع ما يملك، وسيجد أن هناك الكثيرين ممن سبقوه إلى أعمال الخير من مواطني هذا البلد ومن غيرهم في بلدانهم. وليكن واضحاً أننا لا نتحدث هنا عن صرف الزكاة والصدقات الواجبة على منْ هداهم الله منا، اللهم اجعلنا من المهتدين، ولا لمن يملكون ثروات طائلة أن يتقاسموها مع الآخرين من أفراد المجتمع، بل القصد هو تشغيل جُزء من ثرواتهم في مشاريع مربحة بالنسبة لهم وتتطلب توظيف أيد عاملة يكون أغلبها من المواطنين وتكون مُرتباتهم مُجزية وتتناسب مع مُستوى المعيشة في بلادنا. من البديهي أن الاقتصاد الذي تعتمد أهم مُقوماته على المشاريع الحكومية الكبيرة لا يكون اقتصاداً مُكتملاً، وفي الغالب تكون تلك المشاريع ذات مُدَّة محدودة ولا يكون فيها مجال واسع لتوظيف المواطنين. أما مشاريع القطاع الخاص، الصناعية منها والخدمية، فهي التي من الممكن أن تستقطب أعداداً كبيرة من العمالة الوطنية، ما يجعل المردود على الاقتصاد الوطني على المدى الطويل أكثر إيجابية من استخدام العمالة الأجنبية التي تُرهق خدماتنا المُعانة وترسل مُدَّخراتها إلى بلادها. ومما يُعمِّق الآثار السلبية لوجود الأعداد الهائلة من العمالة الأجنبية، كونها سبباً مُباشراً لزيادة البطالة في بلادنا، فيتحمل اقتصادنا عِبء العمالة الأجنبية التي كان من الممكن والمرغوب فيه التخلص منها أو على الأقل تقليل وجودها وعبء الشباب العاطل عن العمل. ولذلك فنحن نُحسن الظن بأثريائنا ونطلب منهم أن يتحلوا بمواصفات المُواطنَة الصالحة ويبذلوا مجهوداً مُضاعفاً من أجل قبول المواطن السعودي وتدريبه على مهارات العمل حتى يصبح فعَّالاً ومُنتجا. وداعماً للاقتصاد الوطني الذي يرزح تحت وطأة العمالة غير الوطنية. والأمر لا يتطلب أكثر من التعبير عن حُبِّ الوطن والقناعة بالربح اليسير في أول الأمر، ثم يأتي الخير الكثير
عندما يعود ما يصرفه على العمالة (الوطنية) إلى السوق التي يبيع فيها منتوجاته وتكون المنفعة مُشتركة.
ونحن نُشاهد النخبة الطيبة من مواطني هذه البلاد الذين أظهروا رغبة حقيقية في التضحية من أجل تشغيل الشباب الجاد الذي يبحث عن العمل مع تحمل تدريبهم وتوطينهم في الوظائف التي تناسب مستوى تعليمهم ومقدرتهم، ونرى ملامح سعادتهم وافتخارهم وهم يقومون برد الجميل إلى وطنهم ومواطنيهم. وذلك عكس أصحاب الثروات الطائلة الذين لا يهتمون إلا بمصالحهم الذاتية، فتجدهم أقل ظهوراً في المجتمع لأنهم ليس لديهم ما يفتخرون به ويرفع رؤوسهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي